خرج الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن مسار خطته التي أعلنها في مايو العام الماضي، بعدما وعد بطي صفحة الحرب «المكلفة» في أفغانستان، وتقليص عدد القوات إلى ألف جندي فقط يتمركزون في كابول نهاية العام 2016. وقال أوباما في 15 أكتوبر بعد لقائه الرئيس الأفغاني أشرف غني إن خمسة آلاف و500 جندي أمريكي سيبقون في أفغانستان عند مغادرته البيت الأبيض في العام 2017. وأكد أنه «سيبطىء وتيرة خفض القوات الأمريكية، وسيتم إبقاء قوة حالية مكونة من تسعة آلاف 800 جندي خلال العام المقبل، وستركز القوة على تدريب وتقديم المشورة للجيش الأفغاني، خصوصاَ في مكافحة الإرهاب، من طريق العمليات الخاصة واستخدام الطائرات من دون طيار لضرب تجمعات تنظيم القاعدة وأي متطرفين آخرين، قد يخططون لمهاجمة الولاياتالمتحدة»، موضحاً أن « القوات الأفغانية ليست قوية كفايةً، إذ أن طالبان حقق مكاسب، لاسيما في المناطق الريفية، وسيستمر في شن هجماته القاتلة على المدن، خصوصاً كابول». وجاء قرار أوباما بعد الإنهيار المفاجىء للجيش العراقي المدرب من قبل قواته العام الماضي أمام تنظيم "داعش"، بعد سنة واحدة من خروج الجيش الأمريكي من العراق، وبعد قول الجمهوريين إن سحب القوات باكراً ساعد في انهيار الجيش وظهور التنظيم المتطرف. إلا ان مسؤولين من البيت الأبيض أكدوا أن «انتكاسات العراق لم تؤثر في قرار أوباما وأن وضع البلدين غير قابل للمقارنة»، لأن الحكومة الأفغانية حرصت على وجود القوات الأمريكية على المدى الطويل، بعكس حكومة رئيس الوزارء العراقي السابق نوري المالكي الذي عارض وجود قوات أمريكية في العراق. ورحب المرشح الرئاسي الأفغاني للعام 2014 والمتحالف مع غني، محمد داوود سلطانزوي، بالقرار، قائلاً إنه «أمر إيجابي، خصوصا في ظل استمرار المشاكل التي تواجهها البلاد»، مضيفاً: «أظهرت قواتنا القدرة والإرادة على القتال، لكن مازلنا بحاجة إلى دعم الولاياتالمتحدة». ويبدو أن سعي تنظيمي «القاعدة» و«طالبان» إلى السيطرة على أراض جديدة في شمال جنوبي البلاد ساهم في تغيير الخطة، إذ بدأت القوات الأميركية أخيراً، عملية كبيرة ضد «القاعدة» في قندهار، وأطلقت 63 ضربة جوية على قواعد تدريب تابعة لها. وذكر الباحث في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» والمسؤول السابق في البنتاغون ديفد سيدني، أن «القتال في العام 2015 كان الأضخم والأعنف حتى الآن»، مضيفاً أن «طالبان صرحت بأن القتال سيكون أكثر عنفاً في العام المقبل». وقال مسؤولون إداريون إن القرار كان امتداداً طبيعياً لاستراتيجية أحرزت تقدماً، وليس دليلاً على فشل خطة أوباما الذي أكد أن «القوات الأفغانية ستواصل الاضطلاع بدور قيادي في القتال، مع تقديم المشورة وبعض الدعم من قواتنا». وبموجب الخطة الجديدة، سيحتفظ الجيش الأميركي بقواعد له في كابول، إضافةً إلى قواته في قاعدة «باغرام» الجوية وقواعد خارج قندهار وجلال آباد. وأكد أوباما أن «الوجود العسكري الحالي الصغير نسبياً مقارنة مع الوضع أثناء ذروة الحرب (100 ألف جندي في العام 2010)، لن يقرر نتيجة الحرب وأن محادثات السلام عرضت الحل الوحيد القابل للتطبيق للحرب الأهلية الطويلة»، متابعاً: «ينبغي أن يكون واضحاً بالنسبة إلى طالبان، أن الطريقة الوحيدة لسحب القوات كاملة، ستكون من خلال تسوية سياسية دائمة مع الحكومة الأفغانية»، وشاركه الرأي غني الذي يسعى منذ توليه المنصب، إلى تهدئة العلاقات مع باكستان التي سيكون دعمها حاسماً لأي اتفاق سلام. واضاف أن «أفغانستان مازالت مكاناً خطراً ، وسيكون أقل خطورة عندما تتمكن القوات الأفغانية من الحفاظ على القانون والنظام والأمن في البلاد، ولن يحدث ذلك إذا استمرت في الإعتماد على القوى الأجنبية، وعلى رغم أنها مجهزة بشكل أفضل من جماعة حقاني المتحالفة مع طالبان، إلا أن بقاء القوات سيمكنها من إدخال تحسينات تساعدها على خوض الحرب مستقلة». إلا ان الانفجار الذي حدث في في مستشفى تابع لمنظمة «أطباء بلا حدود» في قندوز في 3 تشرين الأول وذهب ضحيته 22 شخصاً من بينهم أطباء ومرضى أثار تساؤلات عدة عن قدرة القوات الأفغانية للتصدي للمتطرفين. وقالت الخبيرة في سياسات الدفاع الأميركية نورا بنسهيل إن «قدرة طالبان على السيطرة على قندوز كانت مفاجأة، وتشكك في قدرات قوات الأمن الافغانية». وأعاد الإنفجار إلى الأذهان، تسمية أوباما أفغانستان ب«أرض المعركة الصحيحة»، في إشارة إلى أنها معقل الإرهاب الذي أسفر عن هجوم 11 سبتمبر العام 2001، ما وضع أوباما في موقف حرج، بسبب البلايين التي أنفقت على القوات الأفغانية التي مازالت تعتمد على القوات الأميركية في محاربتها «طالبان»