استجواب يسحب بشكل غامض ..والوزير يؤكد الحكومة لا تخفى شيئا ضحايا مرض السل فى مصر أكثر من ضحايا العدوان الثلاثى مستشفى الأمراض الصدرية بالجيزة تغرق فى المجارى الدولة تقدم 8 الآف سرير فقط ل 300 ألف مريض بالدرن رغم وجود الميزانية الدولة تتكاسل فى بناء المستشفيات التى وعدت بها خطابات المرضى لوزير الصحة : " الرحمة يا وزير الرحمة " الوزير ينفى الإهمال و يقول " المرضى حساسين بزيادة " ! أربعة استجوابات برلمانية فقط شهدها عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، فى الفترة من 23 يوليو 1957 إلى 10 فبراير 1958 ! و عرض إيهاب شام فى كتابه " أشهر الاستجوابات البرلمانية من عصر الملك فؤاد الأول إلى عصر مبارك " لأهم تلك الاستجوابات ، و ما تعكسه من دلالات على قوة البرلمان من ضعفه فى هذا العصر ، و عدد الاستجوابات القليلة هنا تثير الاستغراب ، فهل كما لم يسمح بأى معارضة للثورة و قادتها ، لم يكن يسمح للبرلمان بأن يعلو صوته ! أما عن الاستجوابات الأربعة التى شهدهم هذا العهد فهم : استجواب لوزير السياحة حول أحد مصانع الألبان ، و استجواب لوزير التموين عن سياسة الوزارة من تصنيع علف الماشية ، و استجواب لوزير الدولة للإصلاح الزراعى عن الوسائل التى اتخذت لحماية أموال مديرية التحرير ، بينما أهم استجواب فهو استجواب لوزير الصحة عن مستشفى الأمراض الصدرية فى الجيزة و ما يحدث فيها من إهمال . و العجيب أن الاستجواب الخاص بوزير الدولة للإصلاح الزراعى تم سحبه ، و هو ما أعده بعض النواب غامضا ، و قال الوزير أمام البرلمان : الاستجواب هو اتهام يوجه إلى أحد الوزراء ، وأعتقد أن العدالة تقتضى بتمكين الوزير من دفع هذا الاتهام ، و بسحب العضو استجوابه ، لا يعطى للحكومة فرصة الإيضاح ، لأن فى رأينا لا وجود لهذا الاستجواب ، لأن موضوعه اقتراح بقانون يملك المجلس وضعه ، فلا يصح لعضو أن يستجوب وزير عن قانون يستطيع هو أن يضعه باقتراح يتقدم به للمجلس ، و هو من صميم عمله التشريعى . و أكد الوزير أنه لا يوجد سر فى مديرية التحرير ، يهم الحكومة أن تخفيه ، و أن سحب الاستجواب ليس له علاقة بالحكومة و أنها مستعدة لمناقشته ، وقال أحد النواب أن سحب الاستجواب يعد غامضا ، و كان على المستجوب أما أن يتقدم بسؤال فإن لم يقتنع بالإجابة ، فيتقدم باستجواب . الإهمال والمجارى يحاصرون المرضى أما عن أهم الاستجوابات التى ناقشها البرلمان فى هذا العهد ، فكان استجواب وزير الصحة نور الدين طراف بشأن مستشفى الأمراض الصدرية بالجيزة ، و كان مقدم الاستجواب هو النائب محمد أبو الفضل الجيزاوى . و كان موضوع الاستجواب هو الحالة السيئة التى وصلت إليها المستشفى التى تغرق وسط المجارى و البرك و الذباب ، و يعوزها الأجهزة و نقص الفريق الطبى و سوء الأغذية المقدمة للمرضى الذين يعد أغلبهم من العمال الفقراء الذين تخلت عنهم المصانع دون مكافأت أو علاج . و استعرض الجيزاوى أحوال مصر تحت مرض السل أو الدرن ، و التى بلغت نسبة ضحاياه أكبر من ضحايا العدوان الثلاثى الغاشم الذى استشهد فيه ما بين 5 إلى 6 آلاف ، بينما يموت كل عام حوالى 30 ألف مصرى من مرض الدرن ، الذى يبلغ عدد المصابين به حوالى 300 ألف مريض ، و فى الوقت الذى يجب أن تكون هناك مستشفيات معدة لاستقبالهم و علاجهم ، و 300 ألف سرير لهم بالمستشفيات ، لا توفر وزارة الصحة سوى 8566 سريرا . كما تساءل العضو عن السبب وراء عدم استكمال المجلس الدائم للخدمات ، لثلاث مصحات كبيرة تسع كل منهم 500 سرير ، فلم يبنى سوى واحدة فقط فى الجيزة - و هى محل الاستجواب - بعد تدمير مصحة هايكستب بسبب العدوان الثلاثى ، بينما لم تبنى مصحة المرج و لا مصحة المعمورة ، و كان يفترض أن يكونوا جاهزين للعمل فى 1956 ، رغم وجود الاعتمادات اللازمة ! أما مستشفى الأمراض الصدرية بالجيزة و التى تكلفت 120 ألف جنيه ، فرأى النائب أن موقعها لا يتناسب مع مرضى الصدر ، فهو موقع رطب حيث يقع على القرب من ترعة الزمر ، و يقع بعيدا عن المواصلات بثلاثة كيلو ، و المريض يتأثر بهذا المجهود ، و بسبب تصميم المبنى المعتمد على " نوافذ الكريتال " تجعل المستفى شديدة الحرارة صيفا ،و شديدة البرود شتاءا ، فيضطر المرضى لمغادرة عنابرهم للمبنى القديم طلبا للتدفئة . و عن غرفة العمليات فهى تفتقر الكثير من الأجهزة ، و هناك نقص كبير فى الأدوية و الممرضات و الأطباء ، و التغذية المقدمة سيئة ، رغم حاجة المريض لتغذية جيدة للتغلب على المرض ، و المصعد الذى لا يعمل ، و يضطر مرضى الصدر صعود 5 طوابق على أرجلهم . والمشفى تقبع بين برك و مستنقعات المجارى ، حيث اعتمدت الوزارة مشروع البيارات رغم تأثيرها ترشيحها على المبانى بدلا من مشروع المجارى ، و ذلك لأن التكلفة أقل ، و هو ما أثر على قدرة المشفى على استقبال المرضى ، فتستقبل من 300 إلى 350 مريض فقط بدلا من 500 ، بسبب مشكلة المجارى و عدم إمكانية تصريف المياه ، و برغم قيام العربيات بنزح البيارات و لكن البرك و المستنقعات مازالت قائمة ، و عندما قام الوزير بزيارة المشفى غطت الإدارة تلك البرك بالرمال . المصحة القديمة كما أثار العضو مشكلة المصحة القديمة التى ظل المرضى يفضلونها عن المستشفى رغم أنها مبنية بالطوب النيى و مسقوفة بألواح من الخشب و ثقوب الجدران التى تزيد المريض مرضا ، و قام الجيزاوى بزيارة تلك المصحة ليستقبله عاصفة من الذباب ، لم تسلم منها غرفة المدير نفسه ، و هو يعد أمر خطر و مصدر عدوى ، و لا يمر الأطباء على المرضى سوى مرة واحدة كل عشرين يوما . و عرض الجيزاوى لأحد حالات الإهمال فى هذا المصح حيث توفى ينزف ، و لم يسعفه أحد ، و رفض أحد الأطباء إسعافه بحجة أنه ليس الطبيب النوبتجى ، و عندما قدم المرضى بلاغا فى المشفى ، اضطهدهم الأطباء ! المرضى يطلبون الرحمة كما عرض النائب جوابات المرضى التى تستنجد من الإهمال الحادث ، و قال المرضى أن أثناء زيارة الوزير للمشفى غطت الإدارة المستنقعات و برك المجارى بالرمال التى كلفت المصلحة 9 جنيهات ، و لكن الروئح النفاذة لم يستطيعوا أن يغطوها و الذى يتنفسها المريض صباحا مساءا ، كما شكوا للوزير إهمال الأطباء و الممرضات ، و كتبوا فى خطابهم " يا وزير الرحمة ، المرضى يطلبون منك الرحمة " . و شكا المرضى من إخراجهم من المشفى قبل إكمال علاجهم ، لذا يضطروا للعودة إليها عدة مرات ، و هذا ما يكلف خزانة الدولة أكثر مما لو استمر المدة اللازمة لعلاجه و قال أحد المرضى : " لكى يسعدك الحظ و تمنح سريرا فى هذه المصحة العجيبة ، يجب أن تتخذ طريق الوساطة أو الرشوى ، أو عليك أن تنتظر شهورا لكى تحيلك المستوصفات إلى هنا ، و هذا لا يحدث إلا بأمر الوزارة " ! الوزير ينفى كالعادة أما عن رد وزير الصحة ففى البداية لام المستجوب أنه لم يتصل به أولا لكان أوضح له كل ذلك دون حاجة لاستجواب ،ورأى أن موقع المشفى لا عيب فيه ، مستشهدا أن فى سويسرا يبنون المستشفيات فى الجبال ! و أقر أن تجهيز المشفى لم يستكمل نهائيا ، بسبب الغارة الجوية التى اصابت مشفى ألماظة ، و التى اضطروا لتسكين مرضاها فى مستشفى الجيزة ، أما موضوع المجارى فرأى أنه مجرد خلاف فنى ، و أن قسم الملاريا يقوم بالرش لمنع توالد الذباب ، و أكد أن البيارات تكسح يوميا ، و أنه طلب من وزير المالية فتح اعتماد إضافى لعمل المجارى بالمشفى . ورأى أن وجبات الغذاء كافية ، و هناك رقابة لمنع التلاعب فى توزيعها ، كما رأى أن الأجهزة كافية ، و إدارة المستشفى بأطبائها و ممرضيها كافيين فالمشى لديها 15 طبيب و 4 حكيمات و 30 ممرضة ! أما عن شكوى المرضى من إهمال الأطباء و الممرضات ، فرأى الوزير الموقر أن مرضهم جعل خلقهم ضيقا و أكسبهم حساسية خاصة ، فأصبحوا يتألمون من أى معاملة و لو كانت عادية !! و أكد الوزير أن الشرطة تحقق فى قضية المرض الذى مات نزفا ، و إن ثبت التقصير ، سيلقى صاحبه جزائه .