المستندات المطلوبة للتقديم على منازل وأراضي سيناء الجديدة    آخر موعد للتسجيل في مبادرة سيارات المصريين بالخارج.. بتخفيضات جمركية 70%    بيراميدز يتصدر الدوري المصري بفوزه على البنك الأهلي    حفل ختام برنامجي دوي ونتشارك بمجمع إعلام الغردقة    إعدام 45 كيلوجرام مواد غذائية.. وتحرير 14 مخالفة خلال حملة على مطاعم مطروح    تغطية جنازات الفنانين.. خالد البلشي: توزيع قائمة بقواعد محددة على الصحفيين    زيلينسكي: روسيا تسعى لعرقلة قمة السلام في سويسرا    البابا تواضروس يهنئ بالأعياد الوطنية ويشيد بفيلم "السرب"    للتهنئة بعيد القيامة.. البابا تواضروس يستقبل رئيس الكنيسة الأسقفية    نوران جوهر تتأهل لنصف نهائى بطولة الجونة الدولية للإسكواش    عاجل - متى موعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 وكيفية ضبط الساعة يدويا؟    روسيا تندد بالدعم الأمريكي لأوكرانيا وإسرائيل وتحمل واشنطن مسؤولية خسائر الأرواح    إدخال 215 شاحنة إلى قطاع غزة من معبري رفح البري وكرم أبو سالم    "كولومبيا" لها تاريخ نضالي من فيتنام إلى غزة... كل ما تريد معرفته عن جامعة الثوار في أمريكا    مخاوف في تل أبيب من اعتقال نتنياهو وقيادات إسرائيلية .. تفاصيل    بروتوكول تعاون بين «هيئة الدواء» وكلية الصيدلة جامعة القاهرة    وزير الاتصالات يؤكد أهمية توافر الكفاءات الرقمية لجذب الاستثمارات فى مجال الذكاء الاصطناعى    نقلًا عن مصادر حكومية.. عزة مصطفى تكشف موعد وقف تخفيف أحمال الكهرباء    سبورت: برشلونة أغلق الباب أمام سان جيرمان بشأن لامين جمال    تردد قناة الجزيرة 2024 الجديد.. تابع كل الأحداث العربية والعالمية    هل تقتحم إسرائيل رفح الفلسطينية ولماذا استقال قادة بجيش الاحتلال.. اللواء سمير فرج يوضح    مدير «مكافحة الإدمان»: 500% زيادة في عدد الاتصالات لطلب العلاج بعد انتهاء الموسم الرمضاني (حوار)    مستقبل وطن يكرم أوائل الطلبة والمتفوقين على مستوى محافظة الأقصر    مهرجان أسوان يناقش صورة المرأة في السينما العربية خلال عام في دورته الثامنة    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    دعاء الستر وراحة البال والفرج.. ردده يحفظك ويوسع رزقك ويبعد عنك الأذى    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    أمين الفتوى: التاجر الصدوق مع الشهداء.. وهذا حكم المغالاة في الأسعار    حكم تصوير المنتج وإعلانه عبر مواقع التواصل قبل تملكه    محافظ الإسكندرية أمام مؤتمر المناعة: مستعدون لتخصيص أرض لإنشاء مستشفى متكامل لعلاج أمراض الصدر والحساسية (صور)    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    أزمة الضمير الرياضى    منى الحسيني ل البوابة نيوز : نعمة الافوكاتو وحق عرب عشرة على عشرة وسر إلهي مبالغ فيه    بعد إنقاذها من الغرق الكامل بقناة السويس.. ارتفاع نسب ميل سفينة البضائع "لاباتروس" في بورسعيد- صور    تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "شقو"    منتخب الناشئين يفوز على المغرب ويتصدر بطولة شمال إفريقيا الودية    البورصة تقرر قيد «أكت فاينانشال» تمهيداً للطرح برأسمال 765 مليون جنيه    سيناء من التحرير للتعمير    فوز مصر بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    أوراسكوم للتنمية تطلق تقرير الاستدامة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    العروسة في العناية بفستان الفرح وصاحبتها ماتت.. ماذا جرى في زفة ديبي بكفر الشيخ؟    عيد الربيع .. هاني شاكر يحيى حفلا غنائيا في الأوبرا    توقعات برج الثور في الأسبوع الأخير من إبريل: «مصدر دخل جديد و ارتباط بشخص يُكمل شخصيتك»    حكم الاحتفال بشم النسيم.. الإفتاء تجيب    هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية: تلقينا بلاغ عن وقوع انفجار جنوب شرق جيبوتي    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    خدماتها مجانية.. تدشين عيادات تحضيرية لزراعة الكبد ب«المستشفيات التعليمية»    مديريات تعليمية تعلن ضوابط تأمين امتحانات نهاية العام    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    تفاصيل مؤتمر بصيرة حول الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة (صور)    الصين تعلن انضمام شركاء جدد لبناء وتشغيل محطة أبحاث القمر الدولية    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    تقديرات إسرائيلية: واشنطن لن تفرض عقوبات على كتيبة "نيتسح يهودا"    وداعاً للبرازيلي.. صدى البلد ترصد حصاد محصول البن بالقناطر| صور    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    ضبط 16965 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    «التابعي»: نسبة فوز الزمالك على دريمز 60%.. وشيكابالا وزيزو الأفضل للعب أساسيًا بغانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة فى مقبرة نفرتيتى.. فتش عن الحموات
نشر في محيط يوم 03 - 10 - 2015

شفتم عمايل الحماوات السوداء في القرى والمدن والدول والأمم وصفحات التاريخ، وما تم علي أيديهن من بلاوى وخراب بيوت وتشتيت للعيال من جراء دس أنوفهن في حياة الزوجين، سواء أكانت فصيلة الحماة منتمية للزوجة أو للزوج.. وإذا ما كانت حالات الطلاق في مصر قد بلغت هذا العام 2015 ما يقرب من 240 ألف حالة إلي جانب ما تشير إليه التوقعات الدرامية مع تزايد السكان وتفشى البلاء إلى وقوع حالة طلاق مقابل كل حالة زواج مع قدوم عام 2025 فالسبب الرئيسى في غالبية الحالات يعود للحماة التى أصبح من مهامها القيام بدور المرشد والخبير والموجه والأستاذ والملجأ والناصح والأمين والصدر الحنين، والمنصت الصبور، والسماعة الأخرى، وبحر التجارب، وقارئة الكف، ومقتفية الأثر، وفاتحة المندل، وآذان الاستشعار، والرادار عن بعد، والأشكيف، والكرباج، وأبلة الناظرة، والمشرط، والدبوس، والحفاّر، والآلة الحاسبة، والمرصد، والمفرمة، والملقاط، والقضاء المستعجل، والقبضاية، والمنتقم الجبار، والآخذ بالثأر في عالم خرج فيه كلا من الزوجين للعمل الذى يأخذ كل الوقت والجهد بلا مساحة للجلوس للهدوء لالتقاط الأنفاس للتفاهم والتآلف والتراحم والتصالح والانسجام والوئام، وتبادل وجهات النظر فى المشاكل العائلية الطارئة والمزمنة، وليس هناك الآن أسهل من تلقى النصيحة الدليفرى الجاهزة المعلبة القادمة من لدن الماما: ورضينا بالهم.. ويضرب راسه في الحيط.. واطبخى يا جارية كلّف يا سيد.. علي راسه ريشة..
وغلبت أقول لك قصقصى طيرك.. عامل لي أبو على.. ديك البرارى يعنى؟!.. الله يرحم.. الله يكون في عونك يا بنتى.. وإن كان ناسى أفكره لمّا كان قرّب يلحس العتب.. سكتناله دخل بحماره.. ويحلف لى أصدقه أشوف أموره أتعجب.. بختك طالع لبخت أمك.. وليه يا بخت لبّخت.. كله من أمه.. يجيلها ويحط عليها.. أشوف فيه يوم.. قادرة وفاقدة وناقدة وحاقدة.. لازم له وقفة... وعلى الجانب الآخر: الباب يفوّت جمل وأجيب لك من الصبح ست ستها.. كانت في جرّة وطلعت لبرّة.. إكفي القِدرة على فمها تطلع البت لأمها.. كان عليك تدبح لها القطة من ليلة الدخلة.. كان عليك من ده كله بكام.. كله من طيبة قلبك وفتحة صدرك.. صنف ما يملاش عينه إلاّ التراب.. وأنا كنت دُست لها على طرف أم بارم ذيله لما تلوى لى بوزها شبرين.. الله يكون في عونك يابنى.. كله من أمها.. لازم لها وقفة..
الموضوع قديم وأزلى وعلي جميع المستويات من أول سكان العشش لأصحاب القصور والفيلات، واليوم عندما يقوم عالم الآثار البريطانى «نيكولاس ديفز» بالبحث عن مقبرة نفرتيتى المفقودة منذ عام 1375 قبل الميلاد فى وادى الملوك بالأقصر داخل إحدى الحجرات الخلفية لمقبرة توت عنخ آمون ليعلن عن نتيجة اكتشافه في أوائل نوفمبر القادم مستخدما أحدث أجهزة الرادار اليابانية والتي ستكون في أهميتها وقيمتها في حالة إذا ما ثبت صحتها ما لا يقل أهمية عن بئر الغاز الأسطورى الذى اكتشفته شركة إينى الإيطالية في الشهر الماضى في مياه البحر الأبيض المتوسط، ففى كليهما طالع السعد وبشائر الخير علي أم الدنيا ماديا ومعنويا وتاريخيا وسياحيا.
نفرتيتى جميلة الجميلات التي يشير أصبع الاتهام في أسباب انكماشها ثم انزوائها وبعدها اختفاؤها وتشفيرها وضياع مقبرتها وتابوتها وحياتها إلي حماتها الملكة «تى» زوجة أمنحوتب الثالث وابنة الكاهن ورئيس الفرسان التى كان زواجها خروجا على التقاليد الملكية، حيث كانت العادات في «طيبة» أن يتزوج الأمير بأخته غير الشقيقة أو بإحدى أميرات القصر الملكى، لكى يحتفظ بالدم الأزرق في العائلة، لكن قوة شخصية «تى» ابنة الشعب فرضت وجودها لتلعب دورا بارزا في مشاركة الزوج قيادة البلاد، لتنجب له في مسيرة الارتباط الملكى التوافقى البنين والبنات، وأكبرهم أمنحوتب الرابع الذى تولى الحكم بعد وفاة والده وعمره لا يزيد علي 12 عاما، ومن هنا كانت «تى» الحاكمة الحقيقية لمصر لفترة لا تقل عن خمس سنوات باعتبارها وصية على الملك الصغير، ويؤكد هذا الكلام خرطوش عثر عليه في أحد محاجر العمارنة نقش عليه اسم الملكة «تى» دون أن يكون مصحوبا باسم زوجها أو ابنها.. وظلت الملكة الأم ترسم الطريق الذى اختارته للابن لتنفيذ سياستها الهادفة إلى إيجاد موازنة بين سلطان الملك وقوة وجبروت كهنة آمون، ومن هنا كانت المسئولة عن تصرفات الابن أمنحوتب الرابع في بداية حكمه وعن كل ما حدث من صراعات بينه وبين الكهنة، وعندما اتسعت شقة الخلاف وبلغت مداها في العام السادس من الحكم، هجر الابن طيبة إلي عاصمته الجديدة فى «تل العمارنة» بالمنيا التي أسماها «أخت تون»، أى مشرق آتون ناقلا إليها زوجته وجميع أفراد عائلته ورجال قصره، ومن تبعه من خاصته، وأقسم يمينا سجلها محفورة علي اللوحات التى أقامها في حدود المدينة بأنه لن يغادر هذه الحدود طالما كان حيًا بعدما غيَّر اسمه من «امنحوتب الرابع» إلى اسم جديد يؤكد به صلته بمعبوده فاختار «أخ إن تون» أخناتون، وترجمتها المفيد للإله آتون «قرص الشمس» أى روح آتون، ومن المؤكد أن فرعون مصر قد قاوم مصاعب ضخمة لنشر مذهبه الدينى، لكنه لم يكن فردا عاديا بل مؤمنا عنيدا صاحب عقيدة صلب الإرادة، وقد وجد له معضدين كثيرين مثل كهنة منف وعين شمس الذين شجعوه للقضاء على عبادة آمون، فقام قبل انتقاله لعاصمته الجديدة بوضع يده علي أملاك الكهنة جميعاً بما فيها من أملاك كهنة آمون، مع محو جميع أسماء المعبودات والآلهة من جميع الآثار الموجودة، حتى في المقابر الملكية القديمة ب«طيبة»، وتحطيم التماثيل التى نصبها ملوك الإمبراطورية في مجدها حول الكرنك وداخله، ثم محا من تماثيل أجداده ووالده كل ما له علاقة ب«آمون» دون مراعاة لمنزلتهم السابقة،
ثم محا اسم والده أمنحوتب من معابد طيبة كلها لاشتماله علي اسم آمون، وذلك منعاً لظهور اسم ذلك المعبود في الأمكنة الرفيعة بالمعابد، وأقام ثلاثة معابد لآتون إحداها فى النوبة وسماه «جم آتون»، والثانى في سوريا، والثالث المعبد الحكومى الرسمى داخل العاصمة، أما قصر الملك وقصور الأمراء فقد شُيّدت حول المعبد ليصف أحد الأمراء مدينة «آخت آتون» بقوله: «بلد السحر، وسيدة المدن، وعظيمة الثراء، وإذا ما أشرق عليها آتون احتضن بأشعته ابنه المحبوب الأزلي أخناتون مرجع الأرض لخالقها» ولما وصل أول دخل من أوقاف معبد آتون لخزائن المدينة احتفل أخناتون احتفالا لم يسبق له مثيل ركب فيه عجلته في موكب ضخم مصحوباً بكريماته وكبار رجال دولته ليلقاهم الشعب على أبواب معبد آتون بهتاف صادح، ثم امتلأ المذبح بالقرابين، وغصّت المخازن بالدخل الوافر، وقد أنشدت نفرتيتى في الاحتفال أنشودة السلام إلى المعبود آتون بصوت رخيم وهى قابضة بيديها علي آلتين موسيقيتين تعزف عليهما في وقت واحد، ولما كان أعظم ما يهبه الفرعون لأفراد رعيته حفر مقابر في صخور الجبال الشرقية أمر أخناتون بحفر تلك المقابر لهم فى ذلك العهد السمح التى تميزت بخلوها من الرسوم المفزعة المعهودة الممثلة للوحوش الضارية التي تنتظر الميت يوم الحساب..
ولأنها أجمل قصة حب نقشت على جدران التاريخ عاش فيها الملك مفتوناً بمليكته فقد سجل الفنان الفرعونى أحداثها علي جدران الوطن المسالم الصوفى الجديد بأدق تفاصيلها حتى أكثرها خصوصية وحميمية، فهناك لوحة يحتضن فيها أخناتون مالكة قلبه وقد مالت برأسها على كتفه داخل عربتهما الذهبية التى يجرها جوادان جامحان تتوج رأسيهما ريشتان ذهبيتان تجعدهما الرياح، وغالباً ما كانت المشاعر تتأجج ليتعانقا أمام جموع الشعب المتراصة لتحيتهما، وقد بهرها هذا النموذج الملكى الحى الساحر من العلاقات العائلية الحميمة، حيث اعتنق أخناتون أسلوب الابتعاد عن الكلفة والتحرك الطبيعى فى بساطة وعفوية، لذلك لم يرغب فى الاحتجاب هو وأسرته عن رعيته بل ظهر في جميع المناسبات والأعياد مصحوباً بزوجته وبناته، وهناك رسوم ما لها آخر يظهر فيها الزوجان الملكيان كمثال يطلان من شرفة غنية بزخارفها وفي صحبتهما الأميرة الصغيرة مريت آتون، وفي رسم آخر يقودان عربتهما ويتناجيان وجها لوجه دونما اكتراث لسلامتهما أثناء القيادة، ورسم للملك والملكة محمولين فوق محفتهما الملكية الفاخرة جالسين جنباً إلى جنب بينما تلف نفرتيتى ذراعها حول وسط أخناتون بينما يصطف الموظفون وفرق الجيش والأتباع والراقصات حولهما، وأحد الكهنة يطلق البخور أمام الجميع، ورسم لأخناتون جالس تحت الخميلة بينما تصب له نفرتيتى النبيذ وأمامهما تلعب ابنتاه مريت آتون وباكت آتون، ورسم تجلس فيه البنات على سيقان الأبوين الملكين بينما تُقبّل الملكة آخر العنقود.. ومنظر هام يعكس بداية تسلط الحماة «تى» علي البيت السعيد عندما يأمر أخناتون برسم المائدة العامرة التى يجلس فيها ليقضم قطعة من اللحم المشوى بطول ذراعه، ونفرتيتى منهمكة في أكل بطة بشراهة بالغة، بينما الحماة «تى» تجلس في الصدارة بوقار منضبط وفوقها الشعار الملكى لآتون وعبارة «الملكة الأم وأم الملك أخناتون (تى) التي تعيش إلي أبد الآبدين» بينما تجلس تحت أقدامها بالذات فرق من الموسيقيين والأتباع.. وفى كل مكان داخل المجال رسم ولوحة ومنظر تم تسجيلها فى المقابر الصخرية بتل العمارنة، وعلى أكثر من 30 ألف حجر من أحجار معبد آتون المحفوظة في مخازن الكرنك ومتحف الأقصر رسوم ظهرت في بعضها نفرتيتى تقوم ببعض الأعمال بالنيابة عن زوجها الملك مثل عقاب الأسرى وتوزيع الهبات على كبار الموظفين، ورسم ترتدى فيه التاج الأحمر للمملكة، وعلى الدوام تنويهات التبجيل والإعجاب المرفوعة لمقام نفرتيتى: «الأميرة الحسناء.. الرفيعة المنزلة.. سيدة الرشاقة.. صاحبة البهجة التي يشرق عليها آتون ليُضفى عليها الحظوة.. سيدة الجنوب والشمال.. نفرتيتى التى تعيش علي الدوام وإلى الأبد».. الأبد الذى لم يتحقق لنفرتيتى ولا لأحد من البشر، وكانت هى التى شاركت زوجها الإيمان بوحدانية الله وبرحمته ورأفته وسره المكنون في كل مخلوقاته مما يتماشى مع الروح الصوفية التى سكنت ذلك الملك العظيم الذى توصل بثاقب فكره إلي معرفة إله العالم خالق الكون الواحد، وإلى الإيمان برأفته بمخلوقاته حتى المتواضع منها، فقد أبصر في رفرفة أجنحة الطير فى المستنقعات نوعاً من التسبيح لخالقها، كما رأى فى قفزات الأسماك فى الغدير حمدًا لبارئها، وكانت عقيدته الراسخة أن الإله الأوحد يناجى النبات، ويغذى الأفراخ ويشرف على فيضان النيل،
وقد أسماه «أب وأم جميع مخلوقاته»، وليتضح أن أخناتون عرف لطف الله وحلمه وأن الجميع لديه سواسية.. ولاشك أن تلك العقلية هى التى جعلت الأثريين يعتبرون أخناتون أقدم رسول معروف في التاريخ الآدمى، وأن أناشيده لإلهه كانت ذات أثر مباشر علي المزامير، وأن المزمور 104 يكاد يكون منقولا عن النشيد الكبير وليس من قبيل توارد الخواطر، أما عن كيفية وصول هذا النشيد إلى العبرانيين، فمن المحتمل أن يكون قد حُفظ في آسيا وبقى في آدابها تتناقله الأجيال حتى جاء الوقت الذى بدأ فيه العبرانيون بكتابة التوراة في القرن الثامن قبل الميلاد.. ومن كلمات النشيد قول أخناتون في تسابيحه الصوفية للإله الواحد: «يا آتون الحى.. يا بداية الحياة.. عندما تبزغ فى الأفق الشرقى، تملأ كل البلاد بجمالك... أنت جميل، عظيم، متلألئ وعال فوق كل البلاد والعباد... تحيط أشعتك بالأراضى كلها التى خلقتها، وعندما تغرب في الأفق الغربى، تصبح الأرض سوداء كما لو كان حل بها الموت... فلا ترى عين عينا أخرى، ويخرج الأسد من عرينه، وجميع الزواحف تخرج لتلدغ... وعندما يصبح الصباح، يستيقظ الناس ويقفون علي الأقدام، لأنك أنت الذى أيقظتهم، يرفعون أذرعهم ابتهالا عند ظهورك، وتزهر الأشجار والنباتات والطيور التى تطير من أعشاشها تفرد أجنحتها لتمدح قوتك، وتقف الحيوانات علي أرجلها، وتسير السفن نحو الشمال ونحو الجنوب، وتمرق الأسماك فى النهر أمامك لأن أشعتك تتغلغل فى المحيط... أيها الخالق لبذرة الحياة في النساء... إنك أنت الذى يجعل من البذرة إنسانا... إنك أنت الذى يعنى بالطفل في بطن أمه... وأنت الذى يهدئه بما يوقف بكاءه.. أيها الإله الأوحد الذى لا شبيه له... ما أجمل أعمالك يارب الأبدية... النيل الحقيقى ينبع من العالم الآخر لأجل مصر... أنت فى قلبى... أنت الذى خلقت الدنيا، وخلقت الناس كما شئت أن تصورهم... إنهم يحيون عندما تشرق، ويموتون عندما تغرب، ويعيش الإنسان إذا أردت.. أنت أنت الذى خلقت الإنسان والأرض وملك الوجه القبلي والبحرى.. خلقت أخناتون وزوجه العظيمة نفرتيتى.. عاشت ممتعة بالشباب دائما وإلي الأبد»..
وبينما يتوحد أخناتون ونفرتيتى في عبادة الإله الواحد آتون تلك القوة غير المرئية المختفية وراء قرص الشمس يظل أخناتون يدعو آتون: «الحب يا إلهي يملأ قلبى لمليكتى وبناتها.. أيا آتون امنح عمراً طويلا لنفرتيتى» وتتلاقي نفرتيتى معه في الدعاء له «آتون امنح الذى يحبك الحياة والحقيقة سيد الأرضين أخناتون»..
وبديهى أن تلك الطفرة الدينية والصحوة العقلية والنظرة الشاملة المتبصرة، قد صحبتها تطورات فنية أوسع نطاقاً لتغدو فترة أخناتون بمثابة الوقت الذهبى للفن الحر الذى دبت فيه الحياة، حيث الميل للحقيقة قدر المستطاع، مع ظهور المناظر الواقعية المأخوذة من الحياة اليومية مثل رسم فتيات صغيرات يتشاجرن، وزبائن ينتظرون دورهم عند الحلاق، واندساس بعض الحيوانات داخل القطيع للنجاة من مطاردة الصياد، ولا يمكن نسيان حركات النادبات الباكيات المأساوية في المواكب الجنائزية، ومن بين اللوحات الملونة النادرة من عصر العمارنة والأكثر تعبيرا عن فن تلك الفترة لوحة تصور طفلتين من بنات أخناتون عاريتين تلعبان فوق الوسائد، هذا إلى جانب استخدام اللون الصدفى للأظافر، وقد تحرر فنان الديكور بدوره في تصميمات منازل العمارنة من الداخل فحاول معالجة المناظر المستوحاة من الطبيعة بمزيد من الواقعية مثل رسمة لأدغال نبات البردى المتعانق، ورسم جموع اليمام والحمام على خلفية من أوراق الشجر، وكذلك العجول الصغيرة التى تتقافز حول الزهور.. ولم يستثن الملك أخناتون نفسه فترك للفنان الحرية في تصويره على الطبيعة بما يحمل من تشوهات جسمانية فخرج تمثاله المعروف الذى يظهر عيوبه برأسه المستطيل، وشفاهه الغليظة، وبطنه المكور، وفخذيه الضخمين الأنثويين... وكل ما فات من مظاهر التطور الفنى وعظمته فى فترة أخناتون يقف قزماً أمام تمثال نصفى لنفرتيتى ارتفاعه لا يزيد على نصف متر وعرضه أقل من 20 سنتيمترا مبتور الكتفين وبعين واحدة قام المثَّال المصري تحتمس الذى كانت نفرتيتى تحج إلي مرسمه تنشد الهدوء وتشكو إليه من تدخل حماتها في شئونها البالغة الخصوصية بتصميمه وتلوينه منذ أكثر من 28 قرناً ترتدى فيه الملكة تاجاً مخروطياً أزرق اللون إلي جانب الألوان الأخرى التى لم يزل التمثال يحتفظ بها وهى الوردى المستخدم للبشرة، والأحمر والأصفر والأخضر والأسود، والأبيض، هذا والتمثال مصنوع من الحجر الجيرى فى الوجه والرقبة بينما التاج فوق الرأس من الجبس لخفة وزنه ولضخامة التاج، وقد بالغ المثّال في ميل الرقبة لإحداث التوازن مع الكتلة أعلى الرأس..
وهكذا عاش أخناتون ونفرتيتى في تبات ونبات وأنجبا ست بنات وعَبَدَا معاً باقتناع وتبتل الإله الواحد آتون.. حتى.. حتى جاءتهما هادمة الاتساق والوفاق.. الحماة.. الملكة «تى».. أم أخناتون.. ومن بعدها بدأ الشقاق الذى بلغ حد الانفصال الروحى ليبقى أخناتون داخل القصر مع ابنته الكبرى «مريت آتون» مهدما محطم القدرات رغم عدم تجاوزه الخمسين.. وتذهب نفرتيتى لتعيش في ناحية بعيدة جنوب المدينة، وتكتمل حبائل الدسيسة «الحمواتية» عندما يأمر أخناتون بإزالة اسم نفرتيتى من فوق جميع جدران القصر ليوضع اسم ابنتها بدلا منه.. وكان لشدة انشغاله بالأمور الدينية والفلسفة قد ترك شئون دولته الخارجية وتقدير التبعة الملقاة علي عاتقه، والظاهر أنه لم يتحقق من خطورة موقفه السياسى إلا بعد فوات الفرصة وبعدما زهدت الأقطار التابعة له في إغاثتها من الاعتداءات المتكررة عليها مثلما أصبحت ثونب «بعلبك» فى خطر الوقوع بأيدى الأعداء فأرسل كبارها خطاباً مؤثرا إلي أخناتون يطلبون فيه النجدة قائلين: «إلي سيدنا ملك مصر.. من أهالى بعلبك خدمك. لعلك تكون بصحة وعافية.. نحن كلنا نسجد تحت قدميك.. مدينة ثونب تتساءل الآن قائلة: لم يجرؤ أحد من قبل أن يسلب أرضنا.. ألا فليعلم سيدنا ملك مصر أن معبودات مصر لاتزال بثونب ويمكن لجلالتك التأكد من صدق ذلك من كبار قومك.. لقد أوشكنا أن ننفصل عن مملكة سيدنا ملك مصر إذ تأخر عنا وصول الجنود والعجلات من مصر. إن المعتدى سيعاملنا بكراهية المعتدى ليعمنا الكدر كما يصيب جلالة ملك مصر الأسى.. سيفعل بنا ما يشاء ونحن في بلاد جلالة الملك سيدنا.. حينئذ يندم الملك علي ذلك كثيرا. إن بعلبك تبكى يا سيدى بكاء مرا ولا من مغيث لها. لقد ثابرنا علي إرسال المخاطبات لسيدنا ملك مصر مدّة عشرين سنة فلم تصل إلينا منه كلمة واحدة»... وأخذت المدن الأخرى تستغيث بفرعون مصر حتى بلغت رسائل العمارنة 337 رسالة تكشف مدى إهمال أخناتون لشئون ملكه، فقد كان يعيش في عالم آخر ولم يهتم حتى بمقابلة الرسل الذين أتوا من آسيا ليشرحوا حقيقة الأمور، وكان يعتمد على صديقه «توتو» أحد ثقاته المقربين ليجنبه المشاكل، وفى تلك الفترة أصيب النفوذ المصرى بضربات قاصمة في سوريا ومدن الساحل الفينيقى وفي أعلي الفرات وفلسطين، بينما أخناتون موزعاً وقته بين الصلاة لآتون والإنصات لرجال بلاطه المغرضين، وربما جاء إهماله لشئون الحرب والقتال والدفاع عن إمبراطوريته الواسعة عائدا إلي عقيدته الراسخة في المحبة والإخاء وكراهية منه للقتل والتخريب.. وإذا ما كانت ديانة أخناتون قد سقطت من بعده، فالسبب أنها جعلت منه وحده ابن آتون المكلف بعبادته، أما بقية الخلق فكانوا يعرفون آتون بعبادتهم لابنه ورسوله أخناتون، وهذه بالذات كانت النقطة الهشة التي وقفت حائلا بين الناس وبين الاستمرار في تلك الديانة...
ويرحل أخناتون ويتولى من بعده شقيقه توت عنخ آمون الذى يعلن بعد توليه العرش زواجه من الابنة الثالثة لأخناتون «عنخ إن باآتون» التي لم يزد عمرها وقتها على اثنى عشر عاماً ولم تنجب له وريثاً، ويرضخ «توت» لجميع شروط كهنة آمون، وحتى الفنون التي تمتعت بالكثير من الحرية في عهد أخناتون عادت للأسلوب القديم، ليتخشب التمثال في وقفته ملصقاً ذراعيه بجسده بينما بلغت حرية الفنان في عهد أخناتون أن يرسم فتاة منحنية عارية تمشط سطح البحيرة بأصابعها لتداعب أصداف القاع.. ويموت «توت» ولم يتجاوز العشرين بعد مؤامرة للاعتداء عليه أثناء نومه، ويدفن على وجه السرعة في قبر صغير دسوا فيه الأثاث تكديساً، ومن هنا ملأت آثاره عدة قاعات من المتحف المصرى، واستغرقت عملية التحنيط سبعين يوماً ووضع جثمان صاحب الجلالة في 3 توابيت كل منها بداخل الآخر، وأغلقت التوابيت ولم ير أحد وجه الملك لمدة 33 قرنا، وكانت الأرملة الشابة الملكة قد اختنقت بوحدتها فأرسلت إلي ملك الحيثيين «شوبيليو ليوما» الذى يحكم سوريا، وصاحب النفوذ الأكبر في آسيا والمتحرش بحدود مصر رسالة تقول فيها «مات زوجى وليس لي ابن، ويقولون إن لك أبناء كثيرين، فإذا أرسلت لى واحدا منهم فإنه سيصبح زوجاً لى ولن أقبل بحال من الأحوال الزواج من أحد رعاياى لأنى أكره ذلك» وشك ملك الحيثيين في الأمر وظنه خدعة فبعث رسولا تيقن من صدق الملكة التي كتبت رسالة ثانية للملك تقول فيها: «لماذا تقول إنهم يريدون خديعتى؟ إذا كان لى ابن فهل كنت أكتب إلي أجنبى وأكشف عن مصيبتى ومصيبة بلادى؟!
إنك أهنتنى بقولك هذا. إن زوجى قد مات وليس لى ابن. فهل يتحتم علىّ أن أتزوج من أحد رعاياى؟! إنى لم أكتب لأحد سواك».. ويرسل ملك الحيثيين ابنه الأمير «زنانزا» ليتزوج بالأرملة وليمد نفوذه إلى مصر.. ولكن قائد الجيش حورمحب يأمر رجاله بقتل الأمير أثناء رحلته غير الميمونة رافضا أن تتزوج ملكته من ابن ملك الحيثيين.. وتتداول الأقاويل على مر القرون بأن نفرتيتى كانت هى صاحبة ذلك الخطاب المشين، ولكن مع شدة التدقيق والجمع والطرح والأخذ في الاعتبار ثبت أن الوقت الذى جرت فيه تلك الأحداث كان بعد موت أخناتون بما لا يقل عن عشر سنوات وبهذا ينحصر الظن والشك في الأرملة الطروب «عنخ إن باآتون» التي لم تستطع مع الوحدة صبرًا فأرسلت بالبريد تطلب زوجاً تقدم له رشوة ليس لها نظير.. عرش مصر.. ومن هنا لا نتمنى أن يجدها لنا عالم الآثار البريطانى نيكولاس ديفر متوارية خلف مقبرة زوجها توت عنخ آمون فى نوفمبر المقبل آملين أن تكون بطلة الاكتشاف هى نفرتيتى جميلة الجميلات التي وقع في غرامها هتلر رافضا إلحاح الملك فؤاد وسعد زغلول لإعادة تمثالها المعجزة إلى موطنه مصر رغم ثبوت سرقته على يد محضرين دوليين!!
نقلا عن "الاهرام" المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.