لقد أصبح من شبه المؤكد أن روسيا بدأت التدخل العسكري بقواتها النظامية في بعض المناطق السورية لقتال التنظيمات المسلحة التي بدأت تهدد عرش حليفه بشار الأسد الذي فقد السيطرة على 4 أخماس سوريا كما كشفت ذلك مجموعة "آي اتش أس جاينز إنتيليجنس′′البريطانية. ومن أبرز الأسباب التي عجلت بهذا التدخل المفاجئ أيضا،التهديدات الكبيرة التي أصبح يمثلها تنظيم الدولة الاسلامية على الروس أنفسهم. فقد بايعت عدة جماعات روسية مقاتلة تنظيم الدولة في الأشهر الأخيرة وقاموا بعمليات دغدغة للجيش الروسي في مناطق تواجدهم،ولكن هذه الدغدغة ربما تصبح بعد هذا التدخل المباشر الان في الحرب السورية من أجل قتال الجماعات الجهادية والتي على رأسها تنظيم الدولة الاسلامية،ضربات موجعة تذكر روسيا بما حصل لها في العاصمة موسكو عندما اقتحم مسلحون شيشان مسرح موسكو المزدحم في 23 أكتوبر 2002 وقتلوا ما لا يقل عن 129 رهينة وان كان معظمهم سقطوا جراء الغازات السامة التي ضختها القوات الخاصة في فتحات التهوية في المبنى إلا أن هؤلاء المسلحين كانوا سببا في ذلك. ان تنظيم الدولة الاسلامية الذي أعلن عن وجوده الرسمي في منطقة القوقاز الروسية ليس مثل الجماعات الجهادية في الشيشان التي خاضت ضد روسيا حرب ضروسا لسنوات عديدة،فالأمر مختلف ونحن الان أمام أغنى وأذكى وأفظع تنظيم في التاريخ المعاصر،فبعد هذا القرار الأخير سينتظر مقاتلوه الفرصة لكي ينقلوا عملياتهم الى قلب المدن الروسية الكبرى،مستمدين شرعية ما سيقومون به،من العمليات العسكرية التي ستنفذها القوات الروسية ضده. لقد أعلنت "داعش" منذ أيام عن تبنيها لهجوم على ثكنة للجيش الروسي في جنوب داغستان وقتل وجرح عدد من الجنود وذلك حسب بيان أصدرته،هذا الهجوم الأخير هو مؤشر خطير على أن المرحلة القادمة ربما تشهد مواجهات متفرقة بين مقاتلي التنظيم والجيش الروسي في هذه المنطقة،خاصة وأن القوقاز يشهد انتشارا كبيرا لفكر التنظيم بها،حيث قال المحلل السياسي نيقولاي سوركوف في مقال له في صحيفة روسيا ما وراء العناوين في ال17 من اب/أغسطس الماضي "ما يشكل خطرا على القوقاز الآن ليس "داعش" بحد ذاتها،بل إيديولوجيتها التي قد تبعث الحماس في نفوس الشبيبة المحلية المسلمة.وبالفعل،فقد أقسمت بعض المجموعات في شمال القوقاز بالولاء "للدولة الإسلامية"، وهي تحاول الآن استئناف هجماتها المسلحة بغية لفت انتباه الممولين الأجانب". كما قال نائب وزير الخارجية الروسي لشؤون مكافحة الارهاب اوليغ سايرومولوتوف في تصريحات نقلتها وكالة (تاس الروسية) في ال8 من شهر يوليو الماضي"نحن نتابع ونحلل تصريحات قادة تنظيم داعش المحرضة للقتال بشأن مسألة نقل الجهاد الى مناطق شمال القوقاز وآسيا الوسطى"،مبينا أن "هؤلاء المقاتلين لن يجلبوا معهم الارهاب فقط اذا عادوا بل الافكار المتطرفة أيضاً،وسيشكلون مصدرا للأفكار السلبية التي تؤثر في المجتمع وخصوصاً على الشباب المؤمن" معلنا في الوقت نفسه عن وجود أكثر من 2000مقاتل روسي يقاتلون في صفوف التنظيم." سايرومولوتوف شدد أيضا على ضرورة القضاء على هؤلاء المقاتلين الروس وضمان عدم عودتهم مجددا الى بلادهم،ما يشير الى الخوف الروسي الكبير من هاته القنابل الموقوتة التي ربما تنقل خبرتها الحربية من ساحات القتال في سوريا والعراق الى قلب العاصمة موسكو وما العمليات التي قام بها المقاتلون الشيشان في المدن الروسية سابقا إلا دليلا على أن هذه الجماعات قادرة على الوصول الى قلب المدن الروسية الكبرى. القلق الروسي من نشاط تنظيم الدولة لم يكن فقط بسبب وجود التنظيم داخل سوريا والقوقاز،بل زاد تخوفهم بسبب تمدد التنظيم داخل أفغانستان فقد أكّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في شهر يونيو الماضي،أنّ بلاده مستعدة لتقديم جميع أنواع الدعم لأفغانستان بهدف القضاء على الجماعات المسلحة،وتحسين الوضع الأمني هناك. وأوضح خلال اجتماعاته مع نظيره الأفغاني صلاح الدين رباني،ومستشار الرئيس الأفغاني للشؤون الأمنية حنيف أتمر،أن موسكو لن تدّخر جهدا في مساعدة أفغانستان في مجال مكافحة الإرهاب. كما قال الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي إنه ناقش محاربة تنظيم الدولة الإسلامية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ال24 من نفس الشهر. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد في كلمة ألقاها في اجتماع قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي بموسكو، الثلاثاء 23ديسمبر الماضي،أن المنظمة يتوجب عليها اتخاذ تدابير استباقية لمنع امتداد خطر "الدولة الإسلامية" إلى أفغانستان وأضاف الرئيس الروسي قائلا "يجب الانتباه إلى أن بعض مجموعات تنظيم "الدولة الإسلامية" تحاول الزج ببعض الولايات الأفغانية فيما يسمى ب"دولة الخلافة". هذه المؤشرات وغيرها كثير،تؤكد أن القرار الروسي الأخير بالتدخل المباشر في سوريا واستهداف مناطق سيطرة تنظيم الدولة هدفه وقف تمدد التنظيم في سوريا نحو مصالحه في المدن السورية ومحاولة القضاء عليه وعلى قيادييه بالدرجة الاولى لأن وقف تمدده وإضعافه في سوريا والعراق هو بالضرورة اضعاف له في القوقاز وفي أفغانستان،وهاتين المنطقتين هما خطا تماس بالنسبة للتنظيم يمكن له من خلالها استهداف روسيا والدول الموالية لها. فروسيا تبذل مساعي دبلوماسية كبرى مع كل الأطراف من أجل محاربة التنظيم في كل المناطق التي يتواجد بها وما زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اليها ولقائه ببوتين أواخر شهر اب/أغسطس الماضي إلا دليل على مدى التخوف الكبير من كل المسؤولين العرب والغربيين من "الدولة الاسلامية"،فقد أكد المحلل الروسي افجيني صدرف،أن لقاء السيسي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين،سيتضمن في المقام الأول محاربة تنظيم داعش "الإرهابي". القيادة السياسية الروسية أصبحت وجهة جديدة يقصدها كل الزعماء العرب من أجل محاربة هذه التنظيمات الجهادية،وأخذ الخبرة الروسية في قمعها ومقاتلتها دون أن ننسى ابرام صفقات أسلحة بمليارات الدولارات من أجل ارضائهم. ربما تكون سورياأفغانستانا جديدة للروس،فالتنظيمات الجهادية كانت سببا في تفكك الاتحاد السوفييتي سنة 1991،فهل تتكرر التجربة أم أن روسيا ستأخذ بالثأر وتقضي على من كان سبا في القضاء عليها؟وهل يقضي الروس على الجهاديين في أشهر معدودات؟أم أن الحرب ستدوم سنين طوال؟وهل تتحول سوريا الى أفغانستان جديدة؟ مدون تونسي