سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 20-5-2025 مع بداية التعاملات    الدولار ب49.99 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء 20-5-2025    ترامب يتساءل عن سبب عدم اكتشاف إصابة بايدن بالسرطان في وقت مبكر    نتنياهو يهاجم بيان بريطانيا وفرنسا وكندا: نقبل برؤية ترامب... ومطالبكم جائزة ضخمة لحماس    بعد ترشيح ميدو.. الزمالك يصرف النظر عن ضم نجم الأهلي السابق    «أكبر خطيئة وتستلزم الاستغفار».. سعد الهلالي عن وصف القرآن ب الدستور    شديدة العدوى.. البرازيل تُحقق في 6 بؤر تفش محتملة لإنفلونزا الطيور    فوائد البردقوش لصحة الطفل وتقوية المناعة والجهاز الهضمي    وزارة العمل تعلن توافر 5242 فُرص عمل في 8 محافظات    وزير الرياضة ومحافظ بورسعيد يجتمعان مع مجلس المصرى بعد استقالة كامل أبو على    رابط جدول امتحانات الشهادة الإعدادية 2025 ب المحافظات الحدودية    أثبت أني حي لكن لم يعاملوني مثل عبد الرحمن أبو زهرة، وقف معاش الكاتب الصحفي محمد العزبي    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف مدرسة تؤوي نازحين في حي الدرج بمدينة غزة    ماذا تفعل المرأة في حال حدوث عذر شرعي أثناء أداء مناسك الحج؟    منذ فجر الاثنين.. 126 شهيدا حصيلة القصف الإسرائيلي على غزة    بينهم أم وأبنائها الستة.. استشهاد 12 فلسطيني في قصف إسرائيلي على غزة    حريق مزرعة دواجن بالفيوم.. ونفوق 5000 كتكوت    "تيك توكر" شهيرة تتهم صانع محتوى بالاعتداء عليها فى الطالبية    سفير مصر لدى الاتحاد الأوروبى يستعرض العلاقات المصرية- الأوروبية    5 أيام متواصلة.. موعد إجازة عيد الأضحى 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    إصابة طفلين واعتقال ثالث خلال اقتحام الاحتلال بيت لحم بالضفة الغربية    مدرب وادي دجلة السابق: الأهلي الأفضل في إفريقيا وشرف لي تدريب الزمالك    المحكمة العليا الأمريكية تؤيد قرار ترامب بشأن ترحيل 350 ألف مهاجر فنزويلي    محافظ كفرالشيخ: توريد 178 ألف طن من القمح وصرف مستحقات المزارعين بانتظام    مهرجان كان يعدل جدول أعماله بسبب دينزل واشنطن ويفاجئه بجائزة "السعفة الذهبية الفخرية" (فيديو)    التعليم تكشف عن سن التقديم لمرحلة رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي    4 قرارات عاجلة من النيابة بشأن بلاغ سرقة فيلا نوال الدجوي    الأرصاد تُحذر: شبورة ورياح مثيرة للرمال والأتربة على هذه المناطق اليوم    حبس شاب متهم بالشروع في قتل آخر بالعياط    أحمد دياب: إيقاف النشاط أمر غير وارد    عاجل| عرض خليجي خرافي لضم إمام عاشور.. وهكذا رد الأهلي    مشروعات عملاقة تنفذ على أرض أشمون.. تعرف عليها    تكريم طالبين بجامعة عين شمس لحصولهما على جائزة بمسابقة عمرانية    الإفتاء: لا يجوز ترك الصلاة تحت اي ظرف    فضل حج بيت الله الحرام وما هو الحج المبرور؟.. الأزهر للفتوى يوضح    أحدها لم يحدث منذ 2004.. أرقام من خسارة ليفربول أمام برايتون    صيام صلاح مرة أخرى.. ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي الممتاز بعد خسارة ليفربول    محافظ القليوبية يتفقد أعمال تطوير مستشفى النيل ويشدد على سرعة الإنجاز (صور)    سيلان الأنف المزمن.. 5 أسباب علمية وراء المشكلة المزعجة وحلول فعالة للتخفيف    رئيس شعبة مواد البناء: لولا تدخل الحكومة لارتفع سعر طن الأسمنت إلى 5000 جنيه    «ليست النسخة النهائية».. أول تعليق من «الأعلى للإعلام» على إعلان الأهلي (فيديو)    إغلاق 7 منشآت طبية مخالفة و7 محال تجارية فى حملة بقنا    منافس الزمالك في ربع نهائي كأس الكؤوس الأفريقية لليد    حدث بالفن | حقيقة إصابة عبدالرحمن أبو زهرة ب "الزهايمر" وموعد حفل زفاف مسلم    موعد نقل القناع الذهبي لتوت عنخ آمون إلى المتحف المصري الكبير    أستاذ علاقات دولية: الاتفاق بين الهند وباكستان محفوف بالمخاطر    ما مصير إعلان اتصالات بعد شكوى الزمالك؟.. رئيس المجلس الأعلى للإعلام يوضح    جامعة حلوان تنظم ندوة التداخل البيني لمواجهة تحديات الحياة الأسرية    وزير الاستثمار يتوجه للعاصمة الألمانية برلين لتعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة بين البلدين    هل يوجد في مصر فقاعة عقارية؟.. أحمد صبور يُجيب    شعبة المواد الغذائية تكشف 4 أسباب لعدم انخفاض أسعار اللحوم مقارنة بالسلع التموينية (خاص)    وفد قبطي من الكنيسة الأرثوذكسية يلتقي بابا الڤاتيكان الجديد    سامي شاهين أمينا للحماية الاجتماعية بالجبهة الوطنية - (تفاصيل)    عليك إعادة تقييم أسلوبك.. برج الجدي اليوم 20 مايو    تامر أمين ينتقد وزير الثقافة لإغلاق 120 وحدة ثقافية: «ده إحنا في عرض مكتبة متر وكتاب»    سرعة الانتهاء من الأعمال.. محافظ القليوبية يتفقد أعمال تطوير مستشفى النيل    وزير العمل: قريباً توقيع اتفاقية توظيف للعمالة المصرية في صربيا    خالد الجندي: الحجاب لم يُفرض إلا لحماية المرأة وتكريمها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإحتجاجات الغربية..هل تنتقل عدوى الثورات من الشرق إلى الغرب؟
نشر في محيط يوم 10 - 11 - 2011

من أقصى الشرق حيث بلاد الشمس المشرقة ومهبط أول سلاح ذري في التاريخ، إلى أقصى الغرب حيث بلاد العم سام صاحبة التقدم التقني و أيضاً - للمفارقة - منشأ أول سلاح ذري، ثمة ظاهرة بدأت تسترعي الانتباه هذه الأيام ، حيث بدأت جموع من مختلف الطبقات في المجتمعات الرأسمالية في الخروج إلى الشوارع، تصدح حناجرهم بعبارات الغضب المتصاعد في الساحات، و التي اختاروا أن يعتصموا فيها بالقرب من مراكز المدن، وخاصة بالقرب من الأحياء المالية، و التي بدأت نوبات القلق تنتاب نزلائها وهم يتابعون مؤشرات الإقتصاد المتهاوية، و التي تغوص ببطء - ولكن بإصرار - في بحر الركود الإقتصادي.
وهذه المظاهرات، والتي بدأت ببضعة عشرات من المتظاهرين، آخذة في النمو وباطراد، خاصة وأن الشيء الوحيد الذي كان قادراً على إيقافها - وهو تحسن الإقتصاد العالمي- أصبح أمراً مستبعداً بعد التطورات الأخيرة. وأصبح السؤال الذي يبحث عن إجابة واضحة هو: ماذا يريد هؤلاء، ولماذا خرجوا في هذا التوقيت بالذات ؟
لا يمكن فهم المشهد الذي نراه في عواصم العالم الغربي هذه الأيام من احتجاجات وتظاهرات، إلا إذا عدنا عبر نفق الزمن إلى لحظة سقوط حائط برلين في العام 1989، وتفكك الإتحاد السوفييتي بعدها، ومن ثم انهيار الشيوعية كنظرية اقتصادية لبناء اقتصاد الدولة ورفاهية المواطن، و المضمونة بخاتم الدولة. توقف التاريخ أو كاد عند هذه النقطة، وبدأت الآلة الرأسمالية في حصد المكاسب الناتجة عن فتح الأسواق، وانتشار العولمة، ودخول الصين والهند حلبة الاستثمار العابر للقارات بتقديمهما أضخم مستودع للعمالة الرخيصة في التاريخ.
ولأن حصد المكاسب وتحقيق الأرباح كان الهدف الأسمى الذي سعى إليه كل من أصحاب الشركات العملاقة، ومن ورائهم رجال البنوك، فإن الجميع قد انخرط في لعبة تدوير وتفكيك وإعادة تركيب مكونات الاقتصاد، بدءًا من الصناعات التكنولوجية، إلى أسواق الطاقة، وسندات البنوك المركزية، وانتهاءً بالسوق العقارية بمكوناتها المختلفة من أراضٍ وعقارات ومنشآت.
ونتيجة لذلك، رأينا الثقل الصناعي يتحول من البلاد المتقدمة إلى البلاد النامية، مثل المكسيك والهند وكذلك الصين (في ذلك الحين) ، حينما سعى كل من يريد إلى تحقيق الأرباح - عبر تخفيض تكاليف الأيدي العاملة - إلى إقامة المصانع في دول خارجية، تصل كلفة العامل فيها إلى أقل من عُشر التكلفة لمثيله في الدول المتقدمة. كما أن قيود الحفاظ على البيئة فيها تكاد تكون معدومة، مما يفتح المجال إلى توفير المزيد من نفقات حماية البيئة والضرائب، وغيرها من الرسوم والنفقات.
وكان من الطبيعي أن يؤدي هذا إلى الحد من فرص العمل في بلد المنشأ، والذي رعى هذه التقنيات في المقام الأول، و يهدد التفوق التقني الذي تمتلكه هذه الدولة، عبر تسريب هذه التقنيات المتقدمة، والتي تم تطويرها بشق الأنفس، إلى دول هي في حكم المنافس الاقتصادي، إن لم تكن في خانة العدو السياسي بالفعل. لكن الجشع هو الذي أعمى أعين القائمين على هذه الشركات "العابرة للقارات" عن كل شيء، باستثناء تحقيق المزيد من الأرباح وحصد المكاسب.
وكان هذا الجشع أيضاً، هو ما دفع القائمون على شؤون الإقتصاد إلى تشجيع الأفراد العاديين على الانخراط في عمليات الاستهلاك والاقتراض اللا محسوب، مقابل نسبة عالية من الفائدة المركبة، والتي أدخلت الكثيرين في دوامة الاقتراض والديون، مما أودى بهم في النهاية إلى الإفلاس، وأسقط البلاد والعالم كله في براثن الركود الإقتصادي الحاد.
وفي حين عانى الكثير من الأمريكيين جراء الركود، وفقد الكثير منهم منازلهم لعجزهم عن سداد ديونهم وفوائدها المتنامية، فإن البنوك والشركات الكبرى قد استطاعت الخروج من هذه الأزمة المالية بفضل حزمة من المساعدات، والتي قدمها لهم حفنة من السياسيين، وذلك من أموال دافعي الضرائب أنفسهم. بل إن متنفذي هذه الشركات والهيئات المالية، من رؤساء مجالس إدارات وهيئات، قد استقطعوا لأنفسهم مبالغ طائلة كحوافز ومكافآت، ربما لدورهم المتميز في تدمير الإقتصاد!
على أن الحكومة الأمريكية - صاحبة أكبر اقتصاد على مستوى العالم - بدأت تئن تحت وطأة جهود إنقاذ الاقتصاد، وهو ما حدا بالرئيس إلى محاولة لجم المؤسسات المالية، واستحداث قانون ينظم إلى حد ما ممارساتها المالية، وخلال هذا النزاع السياسي في واشنطن، فإن أوباما إضطر إلى فتح النار على طبقة متنفذي القطاع المالي، واصفاً اياهم بالقطط السمان، واتهمهم بالجشع وعدم التقدير الصحيح لنتائج أفعالهم، وتأثيرها المدمر على الإقتصاد الأمريكي.
ومن المثير حقاً أن تلك التصريحات لم تثر وقتها أية ردود شعبية واضحة المعالم على الأرض، و نظر إليها الجميع على أنها إحدى ارهاصات الجدل السياسي في واشنطون ومشهد طبيعي من مشاهد العراك المتواصل بين السياسيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
ثم جاءت الشهور الأخيرة في عام 2010 بتطورات جديدة لم تكن في الحسبان، فعلى الصعيد السياسي خسر الرئيس الأمريكي رافعته السياسية، وذلك بفقدان حزبه الديمقراطي الأغلبية في مجلس النواب، واحتفاظه بالكاد بأغلبية بسيطة في مجلس الشيوخ، مما أفقده القدرة عملياً على تمرير القوانين التي يحتاجها لتنفيذ سياساته. أما على الصعيد الاقتصادي، فإن مؤشرات تعافي الاقتصاد الأمريكي بدأت في التراجع شيئاً فشيئاً، خاصة مع ازدياد حدة البطالة وضعف كل من الدولار الأمريكي والاستهلاك المحلي. و بدأت الأسواق المالية تعاني مجدداً من اهتزازات حادة وخسائر غير متوقعة.
ومع بداية العام 2011, ستمرت الأجواء المتوترة في كل من واشنطن مقر السياسة، و نيويورك مقر المال و الأعمال. ففي واشنطن، بدأ رجال السياسة في اتباع سياسة تكسير العظام على حساب الاقتصاد والمواطن الأمريكي، ومن أزمة رفع سقف الاقتراض والدين العام، إلى أزمة وقف الإعفاءات الضريبية للأغنياء، ثم تعطيل قانون يستهدف خلق فرص عمل جديدة، فإن الساسة في واشنطن نجحوا في خلق بيئة متوترة أخذت تجر العالم إلى شفا هاوية الركود من جديد. وقد عزز من ذلك الإحتمال، الأزمة الاقتصادية التي ضربت منطقة اليورو الأوروبية، حيث جهود إنقاذ اليونان من الإفلاس ترقد في النزع الأخير، بينما دول أروبية كبرى - مثل إيطاليا وأسبانيا - تقاوم شبح السقوط.
ورغم أن مسببات الأزمة - من الناحية الاقتصادية - على جانبي الأطلسي تبدو مختلفة، فإن هناك قواسم مشتركة على الجانبين الإنساني والاجتماعي تسترعي الإنتباه. أولهما أن جزءًا أساسياً من الأزمة حدث بسبب تشجيع الاستهلاك والإنفاق، إلى ما وراء القدرة الشرائية للأفراد أو الحكومات، مما أوقعهم تحت طائلة فوائد الديون التي أعجزتهم في النهاية بسبب تضخمها.
وبينما كان الإفلاس في أمريكا هو إفلاس أفراد ومن ثم مؤسسات، فإن إفلاس اليونان سيكون إفلاس دولة، وذلك بسبب فشل النظام الضريبي في توفير التمويل اللازم للبرامج الاجتماعية والخدمية.
أما القاسم الثاني، فهو شعور العامة في معظم تلك الدول بالعجز عن توفير الحياة الكريمة دون العمل الشاق والمستمر، والإحساس المستمر بعدم الأمان والخوف من المستقبل، خاصة بعد سن التقاعد. وفي مقابل ذلك بدأت مشاعر الإحساس بانعدام العدالة تراود الكثيرين، وهم يرون المضاربين في البورصات العالمية والمتنفذين في أروقة وول ستريت يربحون الملايين دون جهد إنتاجي حقيقي على الأرض، فيما هم يكافحون بالكاد من أجل البقاء بعيداً عن حافة الفقر.
وأمام تصاعد حدة الإحباط والغضب، كان من الطبيعي أن يبحث الأفراد العاديون عن طريقة ما للتعبير عن مشاعرهم ومطالبهم، بل وحتى رفضهم لانتزاع مكاسبهم التأمينية و التقاعدية، وتهديدهم المستمر في قوت يومهم بسبب جشع وفساد المؤسسات المالية حول العالم.
لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن تلقائياً : لماذا يخرج هؤلاء إلى طرقات المدائن في دول، نظامها السياسي قائم على الديمقراطية، وأمامهم صناديق الاقتراع بلا حواجز؟، قد يكون مفهوماً أن يخرج الناس للاحتجاج يوماً أو إثنين تعبيراً عن مشاعرهم وآرائهم، لكن تبنيهم للإعتصام المتواصل ينبئ عن توجهات تتسم بالتحدي تجاه السلطات الحاكمة، وهو أمر مفهوم في دول تعاني من الدكتاتورية، وليس في دول عريقة في ممارساتها الديمقراطية.
تكمن الإجابة هنا في طبيعة العلاقة بين المواطن الغربي والنظام الديمقراطي الذي يحكم وكذلك في مستوى الثقة بين الطرفين. فرغم قوة المؤسسات الديمقراطية من الناحية التنظيمية ، إلا أنها فقدت القدرة على التعبير الدقيق عن حقوق المواطنين وبالتالي حماية مصالحهم، وجزء رئيسي من السبب في هذا يعود إلى إنحراف الإعلام عن دوره المعلوماتي والتحليلي المحايد، وتأثره بمجموعات الضغط والمصالح، والتي سعت إلى السيطرة على أدوات الإعلام بغية خلق رأي عام متوافق مع أهدافها ومصالحها.
وفي ظل السيطرة المحكمة على أدوات الإعلام المختلفة عبر وسائل التمويل، فإن المواطن العادي أصبح يواجه وضعاً صعباً، لا يستطيع فيه أن يخلق رأياً عاماً ضاغطا وقوياً بما فيه الكفاية من أجل إحداث التغيير المنشود عبر صناديق الاقتراع، خاصة وأن ممارسات التعميم و التعتيم الإعلامي توحي لذلك المواطن أنه وغيره أقلية، و هذه الأقلية تمتلك فكراً أقل ما يوصف به أنه منبوذ من بقية أفراد المجتمع، أو هكذا يريدون له أن يصدق.
خذ مثلاً لذلك ما حدث مع المرشح الرئاسي المحافظ "رون بول"، وكيف تجاهلته وسائل الإعلام كشبكة "فوكس" اليمينية المحافظة أيضاً، وذلك بسبب أرائه المستقلة عن التيار العام المحافظ بشأن العديد من المواضيع على الساحة، مثل تأثير حروب بوش على الاقتصاد الأمريكي ودور أمريكا البوليسي، و دعم إسرائيل، وكذلك رفضه لقوانين مكافحة الإرهاب، والمعروفة بإسم باتريوت أكت "Act Patriot ".
فوسائل الإعلام المحافظة، والتي يفترض أنها تعبر عن الجمهور اليميني المحافظ، لم تجد أية غضاضة في إغفال حملة السناتور بول وآرائه، رغم كونه محافظاً وينتمي لذات التيار السياسي، والذي يفترض أن هذه الأدوات الاعلامية تعبر عنه!. وعندما حققت حملته الانتخابية تقدماً واضحاً، إذ وضعته في المركز الثاني في السباق داخل الحزب الجمهوري، فإن وسائل الإعلام اليمينية اكتفت بالإشارة إلى المرشح الأول والثالث وأغفلت ذكره تماماً، في محاولة واضحة للتعتيم عليه، وصرف إنتباه الناخبين المحافظين عن حملته، وكل ذلك لأن أراءَه خرجت عن سياق المصالح المتفق عليها، بين النخبة المتنفذة في ذلك التيار.
وأمام هذا الخلل الواضح في العلاقة المركبة بين كل من المواطنين وطبقة السياسيين وأجهزة الاعلام، فإنه كان من الضروري البحث عن بدائل أخرى يمكن استخدامها للتأثير في عملية القرار والضغط من أجل التعامل مع هذه المعدلات بصورة عادلة.
وقد أتى إندلاع الثورات العربية ليفتح أعين الناس في أرجاء المعمورة على حقائق وقدرات عدة غابت عن بصائرهم لسبب أو لآخر.
أول هذه الحقائق، هي أن هناك وسائط معلوماتية بديلة للإعلام الذي سيطر- وبفظاظة أحياناً - على مناحي الحياة السياسية في الغرب وكذلك في الشرق بشكل عام. فنمو شبكات الاتصال والإنترنت، مدعومة بالتقدم الهائل في وسائل الاتصال التقني من كمبيوتر محمول إلى أجهزة الهواتف الذكية، قد فتح الباب على مصراعيه أمام ظهور إعلام بديل، قد لا يكون محترفاً بقدر ما هو عفوي ومباشر، وهو ما يرفع من مستوى مصداقيته، مقارنة بالإعلام المحترف، والذي يحاول جاهداً التركيز على الزوايا التي تخدم رؤيته الخاصة للمواضيع التي يعالجها.
وثاني هذه الحقائق أن شبكات التواصل الإعلامي قد فتحت المجال أمام تحريك الأفراد بشكل جماعي، عبر تمكينها من المشاركة بآرائها والتنسيق فيما بينها، والأهم من ذلك هو تفعيل الرغبة لديها للمشاركة في الحياة السياسية ومحاولة التأثير على مجريات الأمور في بلادها، عوضاً عن ترك زمام القيادة بأيدي الساسة المحترفين، والذين تزايد خضوعهم لجماعات المصالح والنفوذ، والتي بدورها تسيطر على الأدوات الإعلامية.
والحقيقة الثالثة، وربما كانت الأهم، هي استشعار المواطن الغربي لمدى القدرة التي يمكن إن يمتلكها المواطن الفرد العادي في مواجهة الدولة والنظام، خاصة إذا ما تضافرت جهود هؤلاء الأفراد من أجل خلق حركة جماعية ضاغطة، يصعب الوقوف بوجهها.
وإذا كان بوسع الإنسان العربي أن يصمد في الشوارع والميادين لأسابيع وشهور، وفي مواجهة طلقات الرصاص وقنابل الدخان، فمن الأولى أن المواطن الغربي سيكون في وضع أفضل في مواجهة أنظمة ديموقراطية، يصعب عليها اللجوء إلى أساليب القمع المعتادة في تلك الأحوال.
من هنا ظهرت إلى الوجود حركة "إحتلال وول ستريت" ، وهو حي المال والأعمال في مدينة نيويورك، العاصمة الاقتصادية للولايات المتحدة. ومنشأ الحركة في الأساس ينسب إلى مجموعة كندية تعرف ب "أدبسترس ميديا فوندشن"، وهي مجموعة ناشطة في مدينة فانكوفر بمقاطعة "بريتيش كولومبيا"، وهي مؤسسة غير ربحية تعنى بالحد من النزعات الإستهلاكية وتدعم اجراءت حماية البيئة.
وقد دعت هذه المجموعة - في صيف العام 2011 - إلى التظاهر في حي الأعمال إحتجاجاً على جشع المؤسسات المالية، وفساد الممارسات المالية داخل القطاع المالي، وممارسات مجموعات المصالح و النفوذ، وانعدام العدالة الاجتماعية والتفاوت في الأجور ونقص فرص العمل المتاحة أمام الأجيال الشابة. واتخذت الحركة من الشعار "نحن نسبة 99%" شعاراً لها، في اشارة واضحة لطبقة الأغنياء الذين يبلغ تعدادهم 1% ويستأثرون بالجزء الأكبر من ثروات البلاد.
وقد ساهمت شبكات التواصل الإعلامي في إنتشار فكرة الاحتجاجات بين العديد من المواطنين الأمركيين المحبطين من الأداء الاقتصادي، وسوء إدارة الأزمة من جانب طبقتي السياسيين و الاقتصاديين، في كل من واشنطن ونيويورك، ورغم التجاهل الإعلامي الواضح، انطلقت تلك المظاهرات في البداية ببضعة مئات من المتظاهرين في منتصف سبتمبر من العام 2011، وبدأت منذ ذلك الوقت في اجتذاب العديد من النقابات والحركات العمالية، والعديد من الأفراد على امتداد الطيف الإجتماعي والطبقي.
ورغم محاولات الوسائط الاعلامية المستميتة لتجاهل هذه الاحتجاجات، إلا أن وجود الإنترنت ومواقع مثل "يوتيوب" و"تويتر" أجبرتها في النهاية على القيام ببعض جهود التغطية الإعلامية، والتي تظل قاصرة عن مضاهاة الحدث ودلالاته الحقيقية، خاصة بعد انتشار الاحتجاجات على مستوى العالم في منتصف أكتوبر، و الذي شهد مظاهرات متزامنة في العديد من مدن العالم مثل " سيدني، تورنتو، نيو مكسيكو، هونغ كونغ، مانيلا، طوكيو، باريس، لندن، أمستردام، زيوريخ، جوهانسبرج، أثينا، روما، سيول، وغيرها من المدن والبلدان مثل شيلي، والبرازيل، وماليزيا.
ويدرك العديد من المراقبين والمحللين الغربيين، مدى التأثير الذي أحدثته الثورات العربية في طريقة تعامل الفرد الغربي مع محيطه السياسي والإقتصادي، كما أن الإهتمام يتزايد الآن بوسائط الاتصال "البديل" والإعلام "الموازي" - إن صح التعبير - حيث يسعى البعض إلى تحجيم تلك القوة المتنامية والمتصاعدة على نحو سريع، ،حيث أخذ تأثيرها يتضاعف على نحو يثير قلق كل من يحاول الامساك بخيوط القوة والنفوذ، ليس فقط على المستوى المحلي بل وعلى المستوى الدولي أيضاً.
وتبقى في النهاية صورة المواطن العربي وهو يواجه آلة القمع العربية، والتي أحالت حياته إلى جحيم مستمر لعدة عقود، ماثلة وشامخة في أذهان كل من يحاول التعلم من دروس التاريخ في مواجهة الطغاة، ومواجهة الظلم بكل أنواعه.
إن حجم الإصرار والتحدي الذي أظهره المواطن العربي، وهو يدفع حياته ثمناً لحريته، قد أعطى العالم مثالاً نبيلاً على الكفاح من أجل إحقاق العدالة الاجتماعية، والتي وإن كانت لا تحرم غنياً من زيادة ثروته، فإنها أيضاً لا تحرم فقيراً من حقه في العيش بكرامة وفي ظروف إنسانية. ومن غير هذه العدالة وهذا الإنصاف فإن المجتمعات الانسانية - عاجلاً أم آجلاً - ستتعرض للعديد من الهزات والثورات، سواء أكانت في الشرق أو الغرب.
فمنطق الأمور لا يستقيم في ظل أقلية صغيرة تستغل - وبجشع هائل - أكثرية مطحونة تجاهد بدورها من أجل البقاء، ولذلك فإنه ليس من المستبعد أن تنتقل حمى الثورات العربية إلى شوارع المجتمعات الرأسمالية ومدائنه، وأن يحاول الناس تغيير الأوضاع بأيديهم، دون انتظار لنظام إنتخابي مخترق، أو صحوة ضمير من جانب إعلام ملجم بقوة المال والمصالح، وفي النهاية ستظل دروس التاريخ حية في عقول أولئك الذين يتعلمون الحكمة قبل فوات الأوان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.