اعتنى القرانُ الكريم بذكر قصة نبي الله موسى عليه السلام لما في قصة هذا النبي من دروسٍ وعبر، خصوصاً مع ما واجهه وعاناه من بني إسرائيل. لقد كان هذا النبي محلاً للعناية الإلهية منذ أن وضعته أمه وألقته في اليم بإلهام من الله، وتربى عند عدوه فرعون، وكانت عناية الله تعالى به أنه ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾. لما قضى موسى الأجل سار بأهله قاصداً أرض مصر، وكان له موعد تشريف، حيث امتن الله عليه وأكرمه بالرسالة، وكلمه ربه قال تعالى: (فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله ءانس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني ءانست نارا لعلي ءاتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون (29)فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين(30) وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين(31) اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون(33)وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون(34)قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون). فكلمه ربه، وأرسله إلى بني إسرائيل، وأعطاه آيات وبراهين، من رآها علم أنها ليست في مقدور البشر، فكانت عصا موسى تنقلب حية عظيمة، وحلّ عقدة من لسانه حتى يفقهوا عن موسى قوله وقد كان في لسانه لثغة، ثم أجاب الله سؤال موسى أن يرسل إلى هارون ويجعله وزيراً معيناً لمواجهة فرعون وقومه، فأجاب الله موسى إلى ما سأل، وهذا دليل على وجاهة موسى عند ربه قال تعالى :" وكان عند الله وجيهاً ". ثم أمر الله موسى وهارون أن يذهبا إلى فرعون، ويدعونه إلى التوحيد، قال تعالى: " ذهبا إلى فرعون إنه طغى(43) فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى(44) قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى(45) قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى(46) فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى". وأظهر موسى عليه السلام لفرعون الآيات الكونية الدالة على وحدانية الله وأنه المستحق للعبادة دون ما سواه، فلم يستجب بل كابر وعاند، ثم أظهر موسى له الآيات الباهرة، فأظهر يده بيضاء شديدة البياض، وألقى العصى فكانت حية تسعى ترهب كل من رآها . ومع ذلك كله، لم يستجب فرعون وقومه واتهموه بالسحر، وطلبوا موعداً ليقابلوا سحرهما بسحر مثله، فأجاباهما إلى طلبهم وواعداهما يوم الزينة وهو يوم عيد لهم حيث يجتمع الناس كلهم. ولما جمع فرعون السحرة قال لهم:" إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى(63) فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى(64) قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى(65) قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى(66) فأوجس في نفسه خيفة موسى(67) قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى(68) وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى(69) فألقي السحرة سجدا قالوا ءامنا برب هارون وموسى(70)قال ءامنتم له قبل أن ءاذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى(71)قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا(72)إنا ءامنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى(73)"، قال ابن عباس وغيره : أصبحوا سحرة، وأمسوا شهداء. ولما خاب ما كان فرعون يؤمله من قهر السحرة لموسى، حيث آمن السحرة كلهم لما رأوا آية ليست من جنس السحر، عندئذ، توعدهم فرعون بالقتل والصلب، فقتلهم وأفناهم. وحرض رجال فرعون، ملكهم فرعون على موسى ومن معه قال تعالى: " وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك، قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون، قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا، قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون". واستمرت أذية فرعون وقومه، لموسى وقومه، فانتصر الله لموسى فابتلى فرعون وقومه بأنواع من العذاب، فابتلاهم بالسنين وهي الأعوام التي ليس فيها زرع ولا ينتفع بضرع، وبالطوفان وهو كثرة الأمطار المتلفة للزروع، وبالجراد الذي ذهب بزروعهم، وبالقمل الذي نغص عليهم حياتهم فدخلت عليهم بيوتهم وفي فرشهم، وبالدم، فكانوا كلما اغترفوا ماء تحول دماً عبيطاً فلم يهنئوا بماء عذب، وبالضفادع، فملأت عليهم بيوتهم، فلا يكشفوا إناء إلا وبه من الضفادع. وكانوا كلما ابتلوا ببلوى سألوا موسى أن يدعو ربه ليرفع عنهم العذاب، وإن فعل ليؤمنوا له ويرسلوا معه بني إسرائيل، وكان موسى يدعو ربه في كل مرة يسألونه ذلك، وكان الله يستجيب دعاء نبيه ورسوله. الدروس المستفادة من يوم الزينة وعن الدروس المستفادة قال الدكتور أحمد خليفة شرقاوي، عضو لجنة المصالحة بمشيخة الأزهر: إن الخطوة الأولى في الدعوة لا بد وأن تعتمد على بيان الحق لأن العاقل يتبع الحق إذا وصل إليه، وعلى الداعية أن يكون ذا قدم راسخة في الدعوة وأن لا يضعف أمام أي تهويل قد يعتمده الضالون، ولذا تجرأ أهل الضلال على اتهام الأنبياء عليهم السلام بالسحر والجنون ولكن ذلك لم يضعف من عزيمة الأنبياء في الدعوة إلى الحق. وتابع الشرقاوى بقوله: " لقد كان نبي الله موسى محلا للعناية الإلهية منذ اليوم الأول له في هذه الدنيا حيث أنجاه من القتل، واضطر موسى إلى مغادرة مصر لما انتصر لمظلوم من بني إسرائيل استنجده على رجل من أصحاب فرعون كان يتسلط عليه، ولم يكن فعل موسى هذا فعلاً محرماً لأن المقتول كان مستحقاً للقتل. أضاف عضو لجنة المصالحة قائلاً: " اعتمد موسى على دعوة فرعون إلى الحق على أسلوب الحوار الهادئ والقول الليّن ولمّا لم يجد منه استجابة تحدّاه بالمعجزة الإلهية (العصا)، وآمن السحرة بمجرد أن رأوا معجزة موسى عليه السلام لأنهم علموا أن ما جاء موسى لم يكن من صنع البشر، وأحدث إيمانهم هزة في النفوس ولذا عاقبهم فرعون أشد العقاب وأوضح: أرسل الله أنبياءه لأقوامهم وأرسل نبيه موسى عليه لفرعون، لأن فرعون رئيس دولة، والأمر في يديه والشعب تابع له، ولقد رأى الناس هزيمة السحرة وفرعون، ومع ذلك خرجوا مع فرعون لمطاردة موسى ومن معه، وهذا دليل أن صلاح الرؤساء صلاح للرعية وفسادهم فساد للرعية. وأختتم حديثه عن الدروس المستفادة قائلاً : " الإيمان يصنع المعجزات بدليل إيمان السحرة وطلبهم المغفرة من ربهم ووقوفهم بكل شجاعة أمام طغيان فرعون، وأن العلم يكشف الزيف والسحر، وأن أهل العلم الحقيقي أقرب الناس إلى الإيمان، والقلوب بيد الرحمن يقلبها كيف يشاء، وأن الأعمال بالخواتيم.