أثار قرار المحكمة الإدارية العليا بأحقية المصرين بالخارج التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة جدلا واسعا في الشارع المصري، حيث وضع هذا القرار الحكومة والجهات التنفيذية في مأزق قانوني، في منتهى الخطورة، فبعد أن ألزمت المحكمة اللجنة العليا للانتخابات والحكومة بإنشاء مقار انتخابية في السفارات والقنصليات المصرية حول العالم لتمكين المصرين المقيمين بالخارج من التصويت من الانتخابات المقبلة ، أصبح لزاما على الحكومة تنفيذ القرار حتى لايترتب على مخالفة الحكم بطلان الانتخابات البرلمانية ، وفقا للقانون وهو ما يهدد الدستور المصري الجديد هو الآخر بالبطلان.
ولهذا أعلن المجلس العسكري والحكومة احترامهم لأحكام القضاء وأبدوا استعدادهم لتنفيذ الحكم ، وإتاحة آليات التنفيذ للمقيمين بالخارج، للمشاركة في الانتخابات المصرية ، وتم تكوين لجنة من الوزراء المعنيين على رأسها وزير العدل تكون مسئولة عن تذليل العقبات ، لإتاحة التصويت للمصرين بالخارج في الانتخابات المقبلة ، ورغم كل هذا إلا أن الخبراء القانونين والسياسيين أكدوا استحالة تطبيق عملية التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة لصعوبة آليات التنفيذ ، والغريب في الأمر أن رئيس اللجنة العليا للانتخابات المستشار عبد المعز إبراهيم هو الآخر ، أكد استحالة تطبيق تصويت المصرين بالخارج خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة حيث أوضح أن المشكلة تنحصر في شقين : أولاهما قانوني والآخر مادي، القانوني يتعلق بتعديل المادة 39 من الإعلان الدستوري ، أو إضافة مادة أخري تحت رقم 39 مكرر، مفادها استثناء المصريين بالخارج من الإشراف القضائي الكامل على أن يقوم السلك الدبلوماسي والقنصلي بالإشراف علي الانتخابات والفرز
أما العوائق المادية تتمثل في عدم وجود قاعدة بيانات لهم ، مضيفا أن وزارة الخارجية أوضحت في مذكرتها أن هذه الصعوبات تجعل من المستحيل إجراء الانتخابات بالبعثات المصرية في الخارج في المرحلة الحالية، وأن بعض الدول اشترطت إخطارها بالانتخابات قبل إجرائها بشهرين، وبعضها لا يسمح بالانتخابات إلا داخل السفارة أو القنصلية ، وبعض السفارات والقنصليات موجودة داخل شقق في عمارات لا تصلح لإجراء أي انتخابات ، بالإضافة إلى أن تطبيق عملية التصويت يحتاج إنشاء لجان مماثلة للجان الموجودة في مصر في جميع دول العالم ، وهذا مستحيل تطبيقه فى هذه الفترة القصيرة جدا وخاصة بعدما تبين أن عددا كبيرا من المصريين غير مقيدين بقنصليات السفارات ولا يحملون رقما قوميا والبعض الآخر انتهي جواز سفره وأوضح أنه من بين المقترحات التى تمت دراستها حالياً إنشاء عدد من اللجان الانتخابية للمصريين بالخارج، بحيث تخصص لهم مقاعد بمجلسى الشعب والشورى وهذا ايضا صعب تحقيقة فى هذا التوقيت.
أما المستشارزكريا عبد العزيزرئيس نادي قضاة مصر الأسبق فقد أكد أن البرلمان المقبل يقع في مأزق قانوني في منتهى الخطورة موضحا أنه بعد حكم الإدارية العليا أصبح لزاما على اللجنة العليا إتاحة التصويت للمصرين المغتربين أو قد يشكل عدم تطبيق الحكم بالتصويت مخالفة للإجراءات الدستورية ، وبالتالي سيصبح البرلمان المقبل باطل بحكم القانون ، مشيرا أنه في حالة عدم تمكين المصرين بالخارج من عملية التصويت في البرلمان المقبل ، سيجعل البرلما مهددا بالطعن بعدم الدستورية في أي وقت ، وهو ما يجعلنا نخشى على الدستور الجديد من البطلان ، ولهذا فلابد أن يبحث المجلس العسكري والحكومة كيفية التوصل للخروج من هذا المأزق القانوني قبل ان نفاجئ بقدوم الانتخابات دون حل هذه المشكلة.
ومن جانبه ، قال الدكتورعصام عبد الصمد رئيس اتحاد المصريين في أوروبا إنه إذا لم يتم تنفيذ الحكم من قبل الجهات الخمسة المعنية بتنفيذه ، سيقوم بمقاضاتهم وفقا للقانون ، موضحا أن تنفيذ الحكم ليس مستحيلا كما يردد البعض ، وأن التباطؤً في تنفيذ الحكم القضائي الصادر لتمكين المصريين في الخارج من المشاركة في الانتخابية المقبلة ، قد يسبب مشكلة دستورية للبرلمان القادم ، وبالتالي فإن الدستورالمقبل سيكون باطلا ، موضحا أنه أعلن مساعدة الحكومة في آليات التنفيذ سواء بالجهد أو بالفكرأو بالمال ولكن لم يجد ردود فعل إيجابيةمن قبل المسئولين عن العملية الانتخابية ، مضيفا " لوأن الحكومة والجهات المعنية جادتان في تنفيذ ذلك الحكم فبإمكانهم الاستعانة بمصلحة الأحوال المدنية ووزارة الخارجية ، لتوفير السبل الشرعية لتخطي جميع القيود التي تقف عائقًا أمام تنفيذ ما أقره القضاء بخصوص هذا الشأن".
وأوضح عبد الصمد أن هناك خيارات كثيرة مقترحة للحكومة لإشراك المصرين فى الخارج فى مستقبل بلدهم السياسي، وأحد هذه الخيارات هوتوفير مقاعد في البرلمان للمصريين بالخارج عن طريق نظام الكوتة ، وذلك ليتوفر من يعبرعن مشكلاتهم أمام البرلمان على أن تعقد جلساتهم بالسفارات المصرية بالخارج، كما أكد الدكتور محمد الجمل رئيس المركز الأمريكي الإسلامي أنه تفاديا للتعقيدات التنفيذية التي من الممكن أن تحول بين المصرين بالخارج ، وممارسة حقهم فى التصويت بالانتخابات ،موضحا أنه تقدم للجنة العليا المشرفة على الانتخابات بمبادرة تقوم فيها مؤسسة مصر الأمل الخاصة بالمصرين فى الخارج بإعداد قاعدة بيانات للمصريين بالخارج ، إلي جانب المساعدة في عملية التصويت الالكتروني عن طريق توفير أجهزة الحاسب الالي وتصميم الشبكات الخاصة بذلك دون مقابل وفى وقت قصير جدا.
وأكد أن أهم الخطوات التي تنوي مؤسسة مصر الأمل تنفيذها هو وضع خطة "لوجيستيه" للتصويت الالكتروني عن طريق تصميم برنامج يتيح عملية التصويت عن بعد بدون أي تدخل خارجي ، مما يبعد شبهة تزوير الأصوات , بالإضافة إلي وضع خطة دقيقة تهدف الي تسجيل جميع المصريين في الخارج حاملي بطاقات الرقم القومي داخل قاعدة بيانات اليكترونية لتسهيل عملية التصويت.
من جابنه صرح المستشار يسري عبد الكريم رئيس المكتب الفني للجنة العليا للانتخابات ، أن اللجنة ليست صاحبة قرار الموافقة علي عرض المصرين بالخارج بخصوص المساهمة فى آليات التنفيذ , مؤكدا أن اللجنة وافقت علي تنفيذ حكم الإدارية العليا بأحقية المصريين في الخارج من التصويت لكنها في الوقت نفسه لاتملك الآن تطبيق منطوق الحكم خاصة وأن 20 يوما فقط يفصل الشارع المصري عن الانتخابات التشريعية ، والحكم يقر إعادة تنفيذ كافة الإجراءات في الخارج ، والتي بدأتها اللجنة داخل مصر، وإنشاء لجان لتلقي طلبات الترشح في القنصليات والسفارات ،إلي جانب وضع قاعدة بيانات للناخبين الذي يحق لهم التصويت,وكل هذه الإجراءات تحتاج اكثر من عام لتنفيذها.
من جانبه ، أوضح الدكتورعادل عامر أستاذ القانون العام أن الواقع الحالي يصعب معه حل جميع العقبات الموجودة أمام مشاركة المصريين بالخارج في الانتخابات التشريعية المقبلة ، لأن أغلبية دول العالم تطبق نظام التصويت علي الانتخابات لرعاياها بالخارج علي الانتخابات الرئاسية دون النيابية والمحلية ، لأن الانتخابات الرئاسية قائمة واحدة علي مستوي الجمهورية أما الانتخابات النيابية والمحلية التصويت يتم في دائرة واحدة في محل إقامة المواطن طبقا للرقم القومي ، ومحل الإقامة وأغلبية المصريين بالخارج لم يستخرجوا الرقم القومي هذه من ناحية ، ومن ناحية أخري كيف يتم تصويت الناخب بالخارج للناخبين في دائرته هذا عمليا صعب بل مستحيل ولا دولة في العالم كله طبقت هذا النظام.
ومازال الجدل مستمر حول كيفية تسخيرآليات تتيح للمصرين بالخارج عملية التصويت حتى لا يكون البرلمان والمستقبل السياسي المصري مهدد بالبطلان، فهل تستطيع اللجنة العليا للانتخبات والحكومة الخروج من هذا الموقف بحل قانونى يرضى كافة الاطراف ام تلتزم الحكومة التصريحات وتشكيل اللجان والحصيلة يكون الدستورالمصري المقبل باطل؟