أي عبقري هذا الرجل الذى يحمل دماء عربية من ناحية الأب السورى عبد الفتاح جندلى؟! أي حلم نبيل حمله الراحل ستيف جوبز الذي كان مزيجا غريبا من "سوبرمان نيتشة" والناسك البوذى؟!..كثير من الاسئلة يجيب عنها كتاب "ستيف جوبز.. السيرة الحصرية" لوالتر ايزاكسون. ويقول ايزاكسون في هذه السيرة الذاتية الشهية أن ستيف جوبز كان يتصرف على غرار "السوبرمان" او" الانسان الأعلى" الذي تحدث عنه الفيلسوف الألمانى الشهير نيتشة واعتمد على ارادته القوية قاصدا هدفه بالعزم كله دون ان يرف له جفن فيما تحولت هذه الارادة الفولاذية والنظرة الثاقبة الى الية للسيطرة عن بعد او نوع من "الريموت كنترول" على الأخرين ليستجيبوا لإرادته ومقاصده.
وكتب والترايزاكسون هذه السيرة بناء على تكليف من ستيف جوبز ذاته قبل رحيله عن الحياة الدنيا فيما جاءت السيرة أمينة وصريحة دون أن تخفي أي عيوب فى شخصية هذا العبقرى ، بقدرما أوضحت جوانب عبقريته واوجه عظمة الارادة الانسانية ومحدودية قدرة الإنسان في الوقت ذاته عندما تقول الأقدار كلمتها الحاسمة ،ويحل القضاء كما حدث لستيف جوبز في محنته المرضية مع وحش بالغ الشر والخبث اسمه السرطان ويلتهم مخ العبقرى فى نهاية المطاف.
هذا رجل أراد تغييرالعالم للأفضل وكانت وصيته لكل الحالمين العاملين في الإتجاه ذاته أن يتسلحوا بالإرادة والحلم ، وأن يكتفوا برعشة الدهشة ولذة الاكتشاف في مواجهة متاعب الدنيا واعداء النجاح.
وحتى فى ايام طفولته استجاب والداه لطلبه ببيع المنزل واقتناء اخر حتى يتسنى له الالتحاق بمدرسة افضل وفى ايام نضجه كان يقود سيارته المرسيدس الفضية اللون حسب موجة تفكيره ويركنها فى الأماكن المخصصة لذوى الاحتياجات الخاصة فيما تظهر حياة الراحل ستيف جوبز تناقضات عديدة رغم مهاراته العظيمة التى لاتخطئها العين.
كان ستيف جوبزيبرم صفقات بمئات الملايين من الدولارات، وهو يتمشى حافي القدمين في الريف ، وفيما اقتنى ضيعة ريفية وقصرا منيفا ، كان يفضل الجلوس على الأرض لأنه يبغض الرياش والأثاث الفاخر.
ومن غرائب العبقرى ستيف جوبز الذى ولد عام 1955 انه كان فى شبابه الباكر لايعرف الاستحمام إلا نادرا كما يبغض فى الوقت ذاته مزيلات الروائح معتقدا ان غذاءه النباتى يغسله من الداخل.
وفي أوقات الصفاء كان ستيف جوبز-كما يروى هذا الكتاب-يبدو اقرب للناسك البوذي إما في حالاته السيئة كما يتحدث اصدقاؤه فكان يبدو اقرب لراسبوتين ولايتردد بمزاجه النكد كصاروخ موجه فى نعت مرؤوسيه بأسوأ الصفات واطلاق وابل من السباب فى وجوههم ، وعندما اختلف مع شركة جوجل أعلن انه مستعد لخوض "حرب نووية" مع هذا الكيان العملاق.
لكن مرؤوسيه الذين يعرفون قدره وقامته مازالوا يشعرون بالغبطة ويحسدون انفسهم لأنهم عملوا مع ستيف جوبز الرجل القادرعلى خلق فضاءات جديدة والسير فى دروب لم يعرفها أحد من قبله ، وفى حياته حظى ستيف جوبز باعجاب البشر العاديين الذين كانوا يحتفون به أن التقوه مصادفة ويتحدثون معه بكل التقدير لمبتكراته التقنية الحاسوبية وتتردد كلمات ومصطلحات مثل الماكينتوش والأى باد والأى فون.
وعندما عرف هذا العبقرى الذى اقترن اسمه بآبل الشهيرة فى عالم الحاسوب لأول مرة أنه مصاب بسرطان فى البنكرياس رفض أسلوب التدخل الجراحى وفضل مواجهة الورم الخبيث باستخدام ماوصفه "بقوة العقل والطاقة الذهنية ووصفة من الاعشاب العضوية والعصائر الطبيعية ومطهرات البطن والأمعاء".
وإذا كانت التكنولوجيا تصنع المستقبل فانها بفضل ستيف جوبز رسمت ملامح مرحلة جديدة في تطور الانسانية على حد تعبير بيتر كونراد فى صحيفة الاوبزرفر البريطانية ، الذى يقول إن هذا العبقرى لم يتخل عن حلمه النبيل فى عالم افضل بمبتكرات أفضل.
في مقر عمله بوادى السيليكون الأمريكى الشهير فى قصة التقدم والتطبيقات البحثية كان ستيف جوبز يحلم بأن يقدم للانسانية انجازات ومآثر تقنية ترقى لمصاف ماقدمه عظماء الدنيا مثل المهاتما غاندى والعبقرى اينشتاين.
إنه ابن عصر الميديا وثورة المعلومات بامتياز ومع ذلك فهو بحكم تركيبته الغريبة لم يكن يجيد التواصل مع الآخرين ولايمكن القول بأنه تفوق يوما ما فى مجال العلاقات الانسانية وهو البسيط والعازف عن ملذات الدنيا وبذخها بقدر مايشعر بنرجسية ويكن اعجابا كبيرا للذات.
واذا كان ستيف جوبز عرف التمرد فى شبابه الباكر وكان اقرب "للهيبيز" وافكارهم المتمردة حتى على المستوى السياسى فان الثورة التى حلم بها يوما ما واسهم فى تحقيقها للانسانية كلها لم تكن ثورة سياسية وانما ثورة الكترونية جعلت العالم عند أطراف أصابع الانسان المعاصر ورهن اشارته على الحاسوب بكبسة زر واحدة.
العزاء الجميل ان هذا العبقرى الذى يحمل دماء عربية ورأى أن اتقان العمل نوع من العبادة ستتذكره الانسانية دوما بفضل ابتكاراته الراسخة فى عالم الحاسوب وثورة الاتصالات.