في خضمّ الأزمة التي تشهدها بوروندي، جراء تواتر الاحتجاجات المناهضة لترشح الرئيس بيير نكورونزيزا، لولاية رئاسية ثالثة، تحوّلت رواندا المجاورة إلى ملجأ للعديد من قيادات المعارضة، ممن وجدوا فيها سبيلا للإفلات من نظام يترصّد مناوئيه بشكل ممنهج. الفرار نحو رواندا المجاورة لا يعدّ أمرا غريبا، بإعتبار التوتّر الذي يسود العلاقات بين البلدين، وفقا لعدد من الخبراء ممن إلتقتهم وكالة "الأناضول". وفي هذا الصدد، يمكن إحصاء 3 حالات الفرار خوفا من النظام البوروندي، آخرها كانت سبيس كاريتاس نديرونكوي، نائبة رئيس الهيئة الانتخابية المستقلة، والتي غادرت بوجمبروا، الجمعة الماضي، نحو العاصمة الرواندية كيغالي، تاركة رسالة استقالة أوضحت من خلالها أنها ترفض المشاركة عبر هذا الهيكل في الإشراف على الإنتخابات التشريعية المقررة الجمعة المقبلة. قبل شهر من ذلك، ومع بداية شهر مايو/أيار الماضي، فرّ سيلفير نيمباغاريست، نائب رئيس المحكمة الدستورية البوروندية، بدوره، إلى رواندا، رافضا مصادقة الهيكل الذي يعمل صلبه على إعطاء شرعية دستورية لولاية رئاسية ثالثة للرئيس المنتهية ولايته، بيير نكورونزيزا. أما ثالث المغادرين نحو رواندا، فكان بوب روجوريكا، مدير "الإذاعة الافريقية العامة" في بوروندي "مستقلة"، وهي من أبرز وسائل الإعلام في البلاد، وقد تعرض، بداية العام الجاري، للسجن بعد تغطيته الإعلامية لمقتل 3 راهبات في بلدة كامينجي، في ضواحي العاصمة بوجمبورا، بثذ من خلالها شهادات تثبت تورّط ضباط مخابرات بورونديين في القضية. روغوريكا اضطر للهرب/ منتصف مايو/ أيار المنقضي، في وقت صعّد فيه نكورونزيزا من تدابير الصرامة ضدّ وسائل الإعلام المستقلة، بحسب ما تداولته وسائل إعلام بلجيكية. وتأتي هذه المغادرات في اتساق مع منطق الأسباب التي دفعت آلاف البورونديين إلى المغادرة نحو رواندا خوفا من اندلاع أعمال عنف، حتى قبل أن تعم المسيرات شوارع بوجمبورا و مناطق متفرقة من البلاد، ضد ولاية ثالثة تعتبرها المعارضة "غير دستورية" . ويعتبر فيليب بييويا ماكوتو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كنشاسا إن اختيار جميع هؤلاء المغادرة نحو رواندا وليس دونها إلى تنزانيا أو إلى الكونغو الديمقراطية، يفسر منطقيا بالتوتر السياسي القائم بين بوروندي و رواندا، قائلا إنّ "دولا مثل تنزانيا و الكونغو الديمقراطية ليس لديها التزام كاف تجاه الأزمة البوروندية. نعم هنالك معارضون مثل حسين رجبو "أحد مؤسسي الحزب الرئاسي في بوروندي" اختاروا اللجوء إلى تنزانيا ولكن مع الاضطرابات القائمة بين بوروندي ورواندا، فإنه تنتفي أي إمكانية ترحيل لهؤلاء المعارضين نحو بوروندي مرة ثانية". ومنذ اندلاع الأزمة البوروندية، برز الرئيس الرواندي بول كاغامي كناقد شرس لمواقف نظيره البوروندي ويعود ذلك إلى أنه في فترة الاحتجاجات السياسية التي تعرضت لها رواندا، فإن النظام البوروندي "أغلبية الهوتو" وجه اتهامات لأحياء التوتسي "العرقية التي تمثل أغلبية في رواندا" في بوجمبورا بإيقاد النار تحت مرجل الاحتجاجات المتواصلة منذ 26 أبريل/نيسان الماضي. وعرفت العلاقات بين البلدين تدهورا كبيرا في الأشهر الأخيرة على الرغم من أن الرئيس الرواندي ، كان الرئيس الوحيد الذي تكبد مشقة السفر إلى بوجمبورا لحضور مراسم تنصيب نكورونزيزا في أغسطس/آب 2010. توتر تعود أسبابه إلى 3 قضايا محورية بين البلدين، لعل أبرزها، النزاع الترابي حول تل سابانيغوا، فيما يرتبط النزاع الثاني بقضية جثث بحيرة رويرو الواقعة بين البلدين، التي تبادلت فيها كل من رواندا و بوروندي الاتهامات بشأن مسؤولية كل منهما في ذلك، ثم أخيرا قضية مقتل الراهبات الإيطاليات الثلاث في كامينجي. ومن جانبه، وجه السفير البوروندي بالعاصمة البلجيكية بروكسيل اتهامات للروانديين بالوقوف أمام هذه الجريمة الأخيرة، وهو تصريح ردت عليه رواندا بطرد السفير البوروندي من كيغالي. الخبير السياسي البوروندي وأستاذ قسم التاريخ في جامعة بوروندي، جون سالاثيال مونتونوتويي، استبعد من جهته في حديث لوكالة "الاناضول" أن تكون رواندا " تعمل بشكل فاعل من أجل التغيير في بوروندي، على الرغم من أن مغادرة نكورونزيزا قد تروق لها"، مضيفا إنّ "رواندا تدافع بالأساس عن امن الروانديين، لا سيما وأنها قد تكون بحوزتها معلومات وافدة من الكونغو الديمقراطية بشأن "علاقات محتملة" بين الحكومة البوروندية و المتمردين الهوتو التابعين للجبهة الديمقراطية لتحرير رواندا، لذلك فإنه قد يبدو من الملائم للمسؤولين الروانديين أن يتغير النظام في بوروندي. ويختم الخبير بالقول إنه كنتيجة لجملة هذه المعطيات، فإن "رواندا ليست بصدد النفخ على جمر الاحتجاجات ببوروندي ولكنها تحاول بشكل استراتيجي احتواء التهديد الذي قد يفد من بوروندي. فرواندا ليست وراء الاحتجاجات في بوجمبورا ولكنها تستغل ما يحدث من أجل قلب الأوضاع لصالحها".