معلومة عابرة قادتني لاكتشاف أسرار الأورطة المصرية بالمكسيك عند مقام البخارى استعدت عالمى الذى ظننت فقد حكامنا يعاملوننا كقطيع .. ومجهول سرق مني "جواز سفر" المنسي لمحيط : "انكسار الروح" تستكمل بجزء ثالث بعد الثورة انقلبت الحقائق و لا يوجد حاكم يليق بمصر " كتيبتى السوداء .. الجنود ذوي الوجوه السود الذين عشت معهم أكثر من ثلاث سنوات، وأخذت أنقب عن آثارهم في البلاد البعيدة، كنت أريد فقط أن أعطيهم فرصة لحياة ثانية، يعبرون فيها عن توقهم لحياة لم يعيشونها، وأحلام لم يحققوها، لكنهم لم يكونوا وحدهم في التجربة، كان هناك الملوك الذين صنعوا لهم آتون الحرب وآخذوهم من دفء الغابات والقرى إلى صقيع المنفى، وكانت هناك النساء الذين أحببن بشغف ونزق" هذه الرواية هي تحية لكل أرواح الغرباء العابرة، وللحظات الحب غير المتوقعة، هذه هي روايتي يا سادة، عبرت بها حدود الزمان والمكان بحثًا عن نوع ما من الخلاص وملاذ للروح، أرجو فقط إن تروا فيها ما أراه" فى حفل توقيع رواية " كتيبة سوداء " للروائى الكبير محمد المنسى قنديل ، بمكتبة الشروق ، أكد أن ما جذبه للكتابة عن تلك الكتيبة هو كيف أنه تم الدفع بهم فى حرب ليست حربهم و عليهم خوضها و إلا كان الموت مصيرهم ، منشغلا بالمصير الإنسانى وحده ، و الكتابة عن الأرواح المهمشة التى تم إسقاطها من التاريخ الإنسانى . الأحداث مستلهمة من وقائع حقيقية وإن كانت منسية ، و برغم أنها واقعة تاريخية هامة و غريبة ، و لكنها لم تأخذ حظها من التاريخ ، و مر عليها المؤرخين مرورا عابرا ولم يتوقف أحد عند مصير هذه الكتيبة ، مما دفع المنسى للكتابة عنها . وهي حادثة الكتيبة المصرية التى تكونت من 450 رجلا ، التي حاربت تحت لواء الجيش الفرنسي في المكسيك عام 1863؛ حيث طلب الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث من الخديوي سعيد باشا مساعدته في حربه ضد الشعب المكسيكي، والتي بدأت منذ عام 1861، فأرسل له "أورطة" كتيبة من الجنود المصريين والسودانيين و العبيد الذين تم أسرهم من أحراش أفريقيا ، وقال المنسى قنديل أن الأمر بدأ بمعلومة عابرة فى كتب التاريخ ، و منها كتاب لعبد الرحمن الرافعى ، فيما كتب عنهم " طوسون باشا " من الأسرة العلوية كتابا كاملا عن بطولات " الأورطة المصرية فى مكسيكا " كتب فيها عن أخبار الفرقة الأجنبية من خلال مراسلات الخديوى مع القادة، فكان كتابا توثيقيا لجميع المراسلات التي تمت وأسماء البعثة وكيف ذهبوا وتدرجوا في عملهم ومصائرهم . و لكن شعر المنسى أن هناك شيئا ناقصا ، فقرر أن يسافر للمكسيك بعد قراءته لتقرير فى مجلة قديمة تعود لعام 1930 ، عن وفد مصري عسكري ذاهب للمكسيك لكى يضع أكاليل الزهور على مقابر جنود هذه الكتيبة إلا أنه لم يجد لهم أى أثر، و فى المكسيك تفتحت له الكثير من الحقائق ، و شاهد النصف الآخر من الحقائق عن الصراع الاستعمارى و طمع الملوك و الأباطرة فى السيطرة على العالم . و تابع المنسى قنديل : هناك شاهدت المتاحف التى أقيمت عن تلك الحقبة ، و رأيت صور الأمير النمساوي ماكسمليان وزوجته شارلوت ابنة ملك بلجيكا الذين طمعوا فى بناء إمبراطورية جديدة ، و صور أفراد الكتيبة ، و النهر الذي حاربوا بجانبه والجبل الذي صعدوه، والقلعة التي سجنوا فيها، كل ذلك جعلني استعيد المشهد، لقد زرت خمس مدن من السبع الذين حاربوا فيهم بمقاطعة فيراكروز". و أشار المنسى أنه بحديثه مع المكسيكيين لم يرغبوا فى الكلام عن تلك الكتيبة ، فكانوا يكرهونها ، لأن الجيش الفرنسى كان يستخدمها لتنفيذ عملياته القذرة ، و كانوا يأمرونهم بعدم الإبقاء على أى أسرى و قتلهم على الفور . و عن مصير تلك الكتيبة ، قال المنسى قنديل أنهم بعد ذلك تعلموا أصول الحرب و أساليبها الحديثة على يد فرنسا ، و لكن للأسف لم تستفد مصر منهم ، فقد خاف الخديوى منهم مما جعله يفرقهم ، و معظمهم مات فى " الحروب الطائشة " و تمرد الدراويش فى السودان ، بينما تبقى ستة منهم فى المكسيك ، و لم يتتبع أحد أثرهم . و لفت المنسى أن حرب المكسيك أدت لاختلال التوازن العالمى ، و كان لها تأثير مباشر على مصر ، بعد ما أصاب الجيش الفرنسى من ضعف بعد حربه مع المكسيك مما جعله ينهزم أمام ألمانيا ، و مساندة أمريكا للمكسيك للحصول على استقلالها للحفاظ على حدودها ، و قد نالت استقلالها بالفعل بعد 4 سنوات ، فى حين خلت الساحة لبريطانيا التى احتلت مصر لأكثر من ثمانين عاما ، و كانت أمريكا تدعم الأساطيل البريطانية ، لنقع فى نفس المصير الذى أفلتت منه المكسيك ، و أن موقع مصر الفريد يجعلها دائما مهددة لضعفنا و رضائنا بهذا الضعف . و ردا على تساؤل شبكة " محيط " قال المنسى قنديل أنه أراد أن يرسل رسالة من خلال روايته ، بعدم الزج بالجيش فى المغامرات العسكرية الخارجية التى لا تؤخذ فيها آراء الشعوب ، و يقوم بها الحكام بشكل منفرد ، مشيرا أن التاريخ يعيد نفسه بصورة أكثر هزلية و لا نتعلم الدرس أبدا . و بسؤاله عن نيته لاستكمال ثلاثية " انكسار الروح " ، قال أن رواية انكسار الروح و هى روايته الأولى تحمل الكثير من سيرته فيها ، و بها دمج بين المحلة و المنصورة فى مدينة واحدة ، و قد رغب فى استكمالها فى ثلاثية عن حياة الطبيب أثناء الدراسة ، و بالريف المصرى الذى كان له تجربة فيه بقرية " دمشاو هاشم " بالمنيا ، و عن تجربة عمله بالخليج فى الجزء الثالث . و تابع المنسى قائلا أن المشروع فى ذهنه و لكنه لم يفرض نفسه عليه بعد ، فهو يؤمن أن الرواية هى التى تفرض نفسها على الكاتب و تستدعيه لا هو ، مشيرا أن الرواية لا تصلح للريف ، فهى ليست مسرح جيد للأحداث ، فالرواية بنت المدينة مسرح الأحداث الزخم ، فحتى الآن الريف لم يعطيه الكثير ليكتب عنه . عالم المنسى الروائى فى أثناء نقاشه المفتوح مع الحضور ، أعرب المنسى عن عشقه للتاريخ ، مؤكدا أنه لا يصح لكاتب أن يتجاهل هذا الإرث التاريخى الكبير ، و أنه مؤمن بأن التاريخ نوعين " التاريخ الكبير" للملوك و الأمم ، و " التاريخ الصغير " للعمال و الصناع و الزراع و البسطاء ، و هو الأهم عنده . و أشار قنديل أن أسفاره الكثيرة لعمله فى مجلة "العربى" الكويتية ، جعلت منه مواطنا عالميا ، مطلعا على ثقافات العالم ، و بشكل خاص رحلته لعشرين يوما إلي منطقة وسط آسيا التي تتضمن أوزباكستان وكازاخستان ، و هناك التقى ب " نور الله " الشخصية الحقيقية التى استوحاها فى روايته " قمر على سمرقند " و هو سائق التاكسى الذى قطع به 1500 كيلو من طشقند لسمرقند ، و أخذه لمقام البخارى الذى يحجون له هناك ، و فى هذ الجو الروحانى ، تولدت فى ذهنه رواية " قمر على سمرقند " بأكملها ، مشيرا أن رحلته لسمرقند غيرت الكثير من مفاهيمه ، و عرفته على هذا الجزء الهام من تاريخنا المنسى و على حضارتنا الإسلامية هناك ، و الذى خرج منها الكثير من العلماء على رأسهم البخارى . وأضاف المنسى: هناك استعدت عالمى الروائى الذى ظننت أنى فقدته للأبد ، و عن شخصية " نور الله " أنه منذ رأه عرف أن ورائه قصة ، فهو يتحدث العربية بطلاقة ، و يعرف عن مصر الكثير ، فحدثه عن عبد الناصر و سيد قطب ، و كان المنسى منتبها لتلك الشخصية التى لعبت دورا هاما فى روايته و كانت حكايته مشابهة كثيرا لما خطه فى الرواية ، لكل ما رآه فى تلك الرحلة ، و ظهر ذلك فى وصفه للمكان ، فالمنسى قنديل مؤمن أن الرواية الجيدة جغرافيا جيدة . أما فى " يوم غائم فى البر الغربى " قال عنها المنسى قنديل أنها إعادة اكتشاف للهوية المصرية ، و فى " أنا عشقت " اراد تصوير العالم المتفسخ الملئ بالفساد الذى استطاع فيه بطل الرواية " على " أن يحافظ على برائته . و عن مشروعه الروائى قال أن مزاجه التاريخى أحيانا يستولى عليه ، و أحيانا أخرى يرغب فى قول شهادته المعاصرة على الأحداث و المدن ، متمنيا أن يكتب رواية عن الثورة ، و ما حدث بعدها من انقلاب مروع للحقيقة لينقلب الثائر لعميل ، و يبرأ المجرم ، و كأننا عرائس ماريونيت يتحكموا فينا . و تابع : كل الحكام لا يؤمنون بالاختلاف ، و يعاملوننا كقطيع يريدون أن يجعلوه على شاكلة واحدة كما يريدون ،و كل منهم يظن نفسه آله منزل من السماء ، مؤكدا أن لا حاكم يليق بهذا الشعب . و بسؤاله عن مسلسل " أنا عشقت " المأخوذ عن روايته و الذى يعرض حاليا ، قال أنه مؤمن بمقولة نجيب محفوظ أنه مسئول عن الكتاب فقط ، فالدراما لدينا لا تحترم قيمة العمل الفنى ، و عندما حولوا " يوم غائم فى البر الغربى " لمسلسل باسم " وادى الملوك" كان بشعا بحسب المنسى قنديل ، و برغم مساويء ذلك و لكن التلفزيون يصل لأشخاص أكثر من الكتاب ، معلنا أنه لم يتدخل فى سيناريو أنا عشقت سوى بإصراره أن تكون بداية المسلسل كبداية الرواية . أما عن إعادة نشر رحلاته فقال أنها موجودة بالفعل على الإنترنت ، و لن يعيد نشرها ، و أنه حاول كتابة رواية بعنوان " جواز سفر " عن أسفاره الكثيرة ، و لكن أحدهم سرقها من درج مكتبه أثناء سفره ، و لم يستطع أن يستعيدها . و أشار المنسى قنديل أنه يفكر حاليا فى عمل كتاب كوميكس مع دار الشروق ، مثمنا أهمية هذا الفن الذى لقب ب " الفن الثامن " بالعالم ، كما أنه يحضر لعدد خاص من خلال " إبداع " عن الكوميكس و يضم مجهودات ورش الكوميكس فى مصر .