«عساف ياجوري»: أهالي سيناء غيروا المفاهيم العسكرية للأسلحة البرية «فهيمة».. نقلت الطعام للجنود المحاصرين خلف خطوط العدو «الرويشد».. نسف 30 مستودعًا للذخيرة في إسرائيل خلال حرب أكتوبر لم تكن سيناء مقبرة للغزاة فقط، وإنما كانت مصنعا للرجال، وملحمة لبطولات رواها المصريون بدمائهم، مثلما كانت أيضا شاهد عيان على تضحيات ووفاء وارتباط السيناوية بالوطن الأم، وزودهم عن حدود مصر الشرقية، وسيسجل التاريخ بحروف من نور الأدوار البطولية التي لعبوها خلال كل الحروب التي خاضتها «أم الدنيا» ضد الصهاينة. التقرير التالي يرصد أهم بطولات أهل سيناء في الحرب والسلم. بطولة متلا "إن المصريين غيروا الكثير من المفاهيم العسكرية للأسلحة البرية بسب وقوف أهالي سيناء مع قواتهم المسلحة".. بهذه الشهادة سجل الجنرال الصهيوني "عساف ياجوري" دور أهالي سيناء في حماية جنود مصر في مضيق "متلا" أثناء تنفيذ حلقات إعدام الأسرى المصريين بالجملة، إذ كانت القبائل السيناوية مأوى لأفراد القوات المسلحة واحتضنتهم وقدمت لهم العون عقب هزيمة 1967. كان أهالي سيناء يخفون الجنود الناجين من الأسر في منازلهم وفي أماكن بعيدة عن أنظار الإسرائيليين، في وقت بلغت فيه المذابح الصهيونية بحق الجنود المصريين أشدها بعد النكسة. ويحكي الشيوخ القدامى أن الضباع كانت تنهش أجساد الجنود أثناء انسحابهم وتنام لتستيقظ وتكمل التهام الأحياء، وكان الأهالي يجمعون العظام لدفنها. أسود السواركة أسود "السواركة".. لقب يطلق على ثلاثة شباب من أهالي سيناء، هم: بريك جهيني، وحسن علي خلف، وأحمد سالم، الذين قاموا بتصوير الموانع المائية الإسرائيلية شمال سيناء، ووجهوا ضربات لقيادة القوات الإسرائيلية في العريش بصواريخ كاتيوشا، وقبض عليهم وتم تعذيبهم قبل أن يتم استبدالهم في صفقة تبادل أسرى بين مصر وإسرائيل بعد الحكم عليهم 149 سنة سجنا قضوا منها 4 سنوات. البطولة لم تكن حكرًا على رجال سيناء فقط، وإنما لعبت النساء أيضا دورًا عظيمًا في ملحمة تحرير مصر، فقد كانت البطلة فهيمة، وهي أول سيدة تعمل في منظمة سيناء العربية، تحمل جهاز لاسلكي، وتنقل التموين للأفراد خلف الخطوط، وقامت بإيواء أحد الفدائيين في منزلها فترة طويلة بعد أن حفرت له حفرة كبيرة ووضعته فيها وغطته بأكوام الحطب، وكانت تقدم له الطعام والشراب في حفرته. الرويشد موسى الرويشد ابن سيناء المخلص الذي اشتهر ببراعته في تركيب الألغام، وخطط ونسف أكثر من 30 مستودعًا للذخيرة في إسرائيل أثناء معارك أكتوبر 1973، وقد فقد إحدى عيناه وتهشم قفصه الصدري عقب القبض عليه وتعذيبه في آخر عملية قام بها، بعد أن أصيب وأغشي عليه، ليفاجأ عندما استرد وعيه بانه أضحى أسيرا داخل السجون الإسرائيلية. حاول الجنود الإسرائيليين بكل الطرق إجباره على الافصاح عن المجموعة التي يعمل معها، وجاءوا بوالدته معصوبة العينين لعلها تقنعه بالتراجع عن إصراره، لكن المفاجأة أنها همست في أذنه قائلة "اصمد، فالشدائد تصنع الرجال. وحكمت إسرائيل على البطل موسي الرويشد بالحبس لمدة 31 عاما، قبل أن يطلق سراحه بعد مبادلته برفات 4 جنود إسرائيليين. قرية أبكت شارون يحكي البطل موسى الرويشد عن قرية على بعد 7 كيلومترات من حدود مصر الشرقية في رفح تسمي "أبو شنار" ويسكنها مئات البدو، كانت إسرائيل قد احتلتها وطردت سكانها وحولتها إلى مستعمرة إسرائيلية وأطلقت عليها اسم "ياميت" وجعلتها صرحا صناعيا وزراعيًا. وبعد انتهاء معارك أكتوبر 1973حاولت إسرائيل التمسك بالقرية والإبقاء عليها، وأثناء انسحاب إسرائيل منها بكى شارون مع سكان "ياميت"، ثم قامت إسرائيل بنسفها وإبادة كل ما أقامته وشيدته فوق الأرض من مصانع ومزارع، إلى جانب الأنفاق التي استغلتها في عملياتها العسكرية. الشيخ الذي أحرج ديان خلال سنوات حرب الاستنزاف سجل أهالي سيناء بطولات عديدة، فلا أحد ينسي موقف كبير مشايخ سيناء سالم الهرش عندما رفض طلب وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان بإعلان ولائه هو وقبيلته للكيان الصهيوني قائلا "لا تتفاوض معنا واذهب لجمال عبدالناصر.. فقل له ما تريد" مما تسبب في إحراج ديان. كما لعب أهل سيناء دورا كبيرا في عودة الجنود من الجبهة ومساعدتهم في نقل المعدات والمؤن خلف خطوط العدو، بل وتخطى الأمر ذلك إلى المشاركة في شن هجمات تدميرية على مواقع العدو. وفي الوقت الذي كان الجيش المصري محاصرا خلف خطوط العدو دون طعام أو شراب، كان بدو سيناء يحملون الطعام ويدلون الجنود على الطرق الوعرة التي لا يستطيع العدو الوصول إليها. وهناك ايضا مواقف لا تنسى ل" منظمة مجاهدي سيناء"، التي قادها ضابط شجاع من أبناء العريش، وأظهرت بطولات فائقة خلف خطوط العدو، سواء في العمليات الحربية أو الاستطلاع. حرب أكتوبر قدم بدو سيناء خدمات جليلة للجيش المصري خلال حرب أكتوبر المجيدة، بدءا باصطياد الجنود الصهاينة وتدمير أهداف العدو، ومرورا بإنقاذ أفراد الجيش المصري وتقديم المعلومات الاستخباراتية لهم، وانتهاء بإعادة الجنود والضباط الذين كانوا يضلون الطريق داخل سيناء الموحشة، فكانوا يرشدونهم ويعيدونهم من جديد.. وقد تم تكريمهم بأوسمة ونياشين مثلهم مثل الضباط والمحاربين، لأن دورهم لا يقل أهمية ووطنية عن غيرهم، وبطولاتهم وقصصهم في هذا الصدد كثيرة ومعروفة وغير خافية على أحد.