لا يمكن تحديد خطورتها على الشباب ظاهرة اجتماعية أكثر منها لغوية المجتمع تخاذل في الحفاظ على التراث تستخدم بشكل عادى في وسائل الإعلام مواقع التواصل ساهمت في ظهورها مع تعاقب الأجيال تختلف الأفكار ولغة الحوار فالقديم يظل محتفظًا بمعتقداته التي آمن بها وتربي عليها والجديد يبحث دائمًا عن الحديث ليواكب التطور، والشباب في العصر الحديث يتحدثون بلغة تحتوى على لغويات مبهمة وألفاظ دارجة "تافهة"، لا يمكن قبولها في مجتمع شرقي مرآته الثقافة وقيم وعادات وتقاليد المتحدثين فيه. ويعد الفراغ الاجتماعي والثقافي والفكري والفجوات بين الأجيال المختلفة أهم أسباب انتشار ظاهرة الانحدار اللغوي، واتجاه قطاع عريض من الشباب لخلق لغات مختلفة غير المتعارف عليها في التعامل فيما بينهم. النشأة والتربية بعض طلاب الجامعات أجمعوا على أن السبب الرئيسي في تلك الظاهرة يرجع إلى النشأة والتربية الأسرية التي تحمل عبء خلق جيل صالح، ورغم رفضهم واستيائهم من السلوك، إلا أنهم أوضحوا أن هذه الكلمات والألفاظ التي تحمل إيحاءات وإيماءات غير لائقة أصبحت تستخدم بشكل عادى في وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي. وقالوا انه بالرغم من توسع ألفاظ اللغة العربية بين الشباب إلا أنهم قادرين على انتقائها وطريقة كلامهم على حسب المكان الذي نشئوا فيه. ويرى بعض شباب القرى أن انتشار الظاهرة يرجع إلى انخفاض وانحطاط في المستوى الاجتماعي والأخلاقي، إلا أن انتشارها في القرى أقل منها في الحضر، ولكن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، ساعد في ظهور اللغة الشبابية في القرى بشكل ملحوظ. ظاهرة اجتماعية وتمرد الدكتور طارق شلبى، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة عين شمس، قال إن اللغة المستخدمة بين أوساط الشباب ظاهرة اجتماعية أكثر منها لغوية، ونوع من أنواع التمرد تعبيرا عن رفضهم لبعض جوانب المجتمع، ولكنها غير مؤثرة على اللغة العربية. وأوضح شلبي، أن اللغة العربية مرة باختبارين في حياتها وهما أصعب من المستجدات الحضارية الحالية، الأول هو نزول القرآن الكريم بما يحمل من مفاهيم لم تكن معروفة من قبل نزول القرآن، ومع ذلك استطاعت اللغة العربية، أن تعبر عن هذه المفاهيم بوضوح ودقة. والثاني كان في العصر العباسي، حيث نشطت حركة الترجمة من كل اللغات في مختلف المعارف والمجالات واستطاعت اللغة العربية التعبير بكل جدارة عن كل المستجدات العلمية المختلفة. وأكد شلبي أن الأسباب التي جعلت الشباب يتحدثون بهذه اللغة رفضهم لكثير من الظواهر الموجودة منها العملية التعليمية، لافتًا إلى أنها لا تحقق لهم أهدافهم ولا تشبع احتياجاتهم الثقافية والنفسية مع إحساس الشباب بالخوف من المستقبل. وأشار إلى أن قسم اللغة العربية ساهم في إحياء اللغة العربية بين أوساط الشباب في الحرم الجامعي عن طريق تنظيم دورات متخصصة مبسطة في النحو العربي بالتعاون مع مركز الاستشارات والتدريب. ولفت إلى أن الأسرة عليها دورا أكبر في محاولة استيعاب هؤلاء الشباب والتقرب منهم وإزالة الفجوات فيما بينهم، وضرورة إحياء معنى الانتماء في نفوس شبابنا. اللغة مرآة مستخدمها وقالت الدكتورة مي حمزة أستاذ مساعد العلاقات العامة بجامعة عين شمس، المقصود باللغة هنا اللغة المنطوقة، والتي يظهر فيها لهجات كثيرة، فتطور اللغة أمر طبيعي بحكم استخدامها. وأضافت "حمزة" أن اللغة هي مرآة لثقافة وقيم متحدثها، ونحن في مجتمع متخلل في القيم، يرى في اللغة العربية الفصحى أنها تقليدية، وأن اللغة الأجنبية هي القادرة على إظهار المستوى العالي وإتقانها أهم من اللغة العربية. وأشارت إلى أن الأسرة والوسائل الإعلامية يقع عليهما عبء كبير، فعلى الأسرة أن تنتقي كل ما يعرض على شاشات التليفزيون عامة، وأن تنمى اللغة العربية في أبنائها، وتجنب التواصل معهم بنفس الألفاظ البذيئة التي يميلون لاستخدامها. وشددت على مراعاة الوسائل الإعلامية لميثاق المسئولية الاجتماعية والتي توجب عدم استخدام أى من الألفاظ الخارجة، وعليها أيضا توعية الشباب. موضة وهتعدي وقال الدكتور على فرغلي أستاذ علم الاجتماع، إن لكل زمن أساليبه الخاصة به، مثل اختيار الملابس المناسبة له واختيار اللغة التي يتحدث بها مع زملاؤه. وأشار فرغلي، إلى أن هذه الظاهرة لدى الشباب لا يمكن تحديد إيجابيتها أو سلبيتها بناءً على اختلاف الآراء، لافتًا إلى أن وسائل الاتصال استخدمت نفس اللغة مع الجمهور بما فيها من ألفاظ وتعبيرات سفيهة، قائلاً "موضه وهتعدى". التواصل الأخلاقي اندثر وقالت منة أبو طيرة المتخصصة في مجال علم النفس، إن ظاهرة استخدام الألفاظ البذيئة يجب أن تؤخذ في السياق الذي تتم فيه. وأضافت أن هذه الألفاظ كانت تستخدم في طور الاستثناء سابقا، لكن حاليًا ترتبط بأسلوب حياة، فهي تعبر عن جيل الشباب، ولا تقتصر على الطبقات المتدنية بل تشمل الطبقات الراقية. وأوضحت "أبو طيرة"، أن "الألفاظ" ثلاث أنواع أولها استخدامها على سبيل التباهي، وثانيهما مضطرون لاستخدامها خوفًا من نظرت أصدقائهم إليهم على أنهم غير مسايرين للعصر، وثالثهما، من لا يدرك أنها ألفاظ ترتبط بسوء الأخلاق. ونوهت إلى أنه لا يجب أن نضع كل هؤلاء في خانة واحدة، ولكن في جميع الأحوال لا ننكر أننا تخاذلنا كمجتمع في الحفاظ على التراث الأخلاقي وجعله من القناعة والقوة وأن يتمسك بها أولادنا. وشددت على أن المسئولية لا تقع فقط عل الأولاد، لكن على جيل الكبار أيضا، فالآباء والأمهات وضعوا فجوة كبيرة بينهم وبين أولادهم، وتوجيه السلبيات إليهم بدون أية مبررات، وهو ما أدى إلى فشل التواصل بينهم، وجعل الشباب يخلق مجتمعا خاصا يستخدمون فيه ألفاظهم الخاصة بهم، وبطريقة تفكير تعبر عنهم، واستخدام شفرات في الحديث فيما بينهم إذا انتبهوا لوجود الآباء. وكشفت "ابوطيرة" عن العلاج المناسب للخروج من ظاهرة الألفاظ بين الشباب، والتي تتمثل في خلق تواصل بين جيل الكبار والأبناء، وتقديم النقد لهم بطريقة إيجابية، والرجوع إلى القيم والأخلاق والثقافة التي نشئوا عليها.