- المنظومة الأخلاقية أصابها العطب.. وغياب الوازع الدينى وراء انتشار الجرائم الجنسية - الأزمة الاقتصادية وعدم وجود قناة شرعية لتفريغ شهوة الشباب أدى لانتشار جرائم الاغتصاب - شبابنا يقلد ما يشاهده فى الأفلام الأميركية.. والعقوبات القانونية ليست الحل أكد رئيس قسم الطب النفسى بجامعة المنصورة، الدكتور محمد حافظ الطرونى، أن تكرار الحوادث الجنسية يشير إلى أن هناك انفجارا اجتماعيا وشيكا يهدد كل قيم المجتمع بالانهيار، مشدداً -خلال حواره مع «الصباح»- على أن تلك الظواهر المرضية تحتاج إلى تحليل نفسى يبحث عن العلاج الناجع، متهماً بعض وسائل الإعلام بالترويج للأفكار الإباحية التى تدفع الشباب لارتكاب جرائم جنسية، على غرار الواقعة الشهيرة التى شهدتها محافظة الغربية، والتى كان بطلها مدرب كاراتيه فى نادى «بلدية المحلة» مارس الرذيلة مع 25 سيدة.. وفيما يلى نص الحوار: * كيف تفسر انتشار حوادث الجنس؟ - الظواهر الجنسية الشاذة تساعد فى إظهارها عدة عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية، فحوادث الجنس الغريبة زادت فى الآونة الأخيرة؛ لأن منظومة غير أخلاقية متكاملة بدأت تسود المجتمع حالياً، فالأزمة الحقيقية فى انفراط عقد القيم المصرية التى تضم العادات والتقاليد الراسخة التى تضع منظومة الصواب والخطأ واضحة أمام الجميع، لكن هذه المنظومة القيمية انهارت وتشوهت لظروف عدة، فالانفلات الأخلاقى ضرب جميع المجالات الدينية والاجتماعية والفكرية والعلمية، فأطراف المنظومة الأخلاقية أصابها العطب والتلف، ولا يبدأ الإصلاح إلا من خلال رفض المجتمع لمواطن الخلل والبدء فى عملية إصلاح سريعة لمنظومة القيم، لأننا لو تركنا القيم الغريبة عن مجتمعاتنا تواصل انتشارها مستفيدة من وسائل الميديا الحديثة، فسنجد شبابنا يتعاطى قيما أخلاقية غريبة تنتمى إلى الحضارة الغربية، من خلال عملية المحاكاة للأفلام الأميركية، التى بدأت تؤثر سلباً على القيم المحلية، وهو أمر يستدعى منا جميعا رفض تلك العادات الوافدة اجتماعياً، قبل أن نعاقبها بالقانون. * هل هذا سبب انتشار الجرائم الجنسية فى المجتمعات الراقية؟ - الترويج للأفكار الجنسية بدأ من بعض الأعمال الأدبية التى روجت للجرائم الجنسية وتعاملت معها من منطلق فنى، ولا بد أن ندق ناقوس الخطر لأن المجتمع إذا اعتاد سماع أخبار تلك الحوادث سيعتاد عليها وتتحول إلى أمور عادية لا تثير أى اهتمام بحكم الاعتياد، فلا بد أن ننمى الرفض الاجتماعى، وننمى القيم الأخلاقية السليمة، حتى يكون لها القبول الاجتماعى، ولا بد أن تقابل تلك البذاءات من كلمات أو تصرفات برفض اجتماعى، ويكون هو خط الدفاع الأول لمحاربة تلك الظواهر، وتتوالى بعد ذلك أشكال الرفض والعقاب، وهنا لا بد أن أنبه أنه تحت عبارة حرية الإبداع، أصبح لدى البعض استحسان لتلك الظواهر، فالخبر الشاذ يجذب الانتباه، لذلك يبحث البعض عن الحوادث الشاذة من أجل لفت الانتباه، ويحقق الربح العالى ويحقق أعلى معدل مشاهدة من أوساط مختلفة فى مقدمتها الشباب، ولا يقتصر الأمر الآن على طبقات بعينها إنما أصبح وباء يجتاح المجتمع بمختلف طبقاته وشرائحه. * لماذا انتشرت ممارسة الرذيلة دون خشية من نظرة المجتمع؟ - هذا صحيح للأسف، لأن هناك درجة من درجات القبول بين فئات كثيرة من المجتمع لمرتكب الخطأ الأخلاقى، فمثلاً عندما يدخن شخص ما سيجارة، ويظهر من بجواره بعض التبرم يجبره ذلك على إطفاء السيجارة، أما إذا تجاوب معه من بجواره وطلب منه سيجارة، فهنا تخرج الظاهرة الأخلاقية المرفوضة من خانة الرفض إلى حالة القبول المجتمعى لها، ما يساعد فى انتشارها وسيادتها انتشار النار فى الهشيم، لأن القيم السليمة تحتاج إلى مجهود حتى يكتب لها الذيوع بين أبناء المجتمع الواحد، فى حين لا تحتاج القيم السلبية إلا مجهودا بسيطا حتى تنتشر فى المجتمع كله، فالإنسان بطبيعته يركن إلى الراحة. * لكن البعض يدافع عن الممارسات الجنسية الشاذة باعتبارها تفريغا لانفعالات غير جنسية؟ - هناك نظريات كثيرة تتعامل مع العنف الجنسى وشذوذه وأشكاله المختلفة، على أنه مكتسب وليس أصيلاً فى الإنسان، وفى الحقيقة إذا عدنا إلى قصة قابيل وهابيل، لوجدنا أن العنف أصيل فى الإنسان، فقصة الإنسان الأول تثبت أنه مارس العنف من أجل الرغبة الجنسية ومن أجل الحصول على الأنثى الأجمل بطريقة غير مشروعة وهى القتل، بالتالى العنف أصيل فى نفس الإنسان ويحتاج إلى عملية تقويم مستمرة وتهذيب حتى لا ينحرف، فالأخلاق تكون بمثابة السياج الذى يمنع الإنسان من القفز خارجها وإطلاق العنان لشهواته، فالأخلاق بمثابة الحصن الواقى من أى اختراقات خارجية من سلوك أو تصرفات شاذة أو ألفاظ بذيئة لا تتوافق مع أخلاقه وما تربى عليه. * هل لانتشار الجرائم الجنسية علاقة بالخلل فى العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة؟ - لا يمكن أن أحصر تلك الجرائم فى خلل علاقة الرجل بالمرأة، إنما هو خلل عام فى المجتمع أساساً، فالمجتمع يعانى الكثير من الأمراض، فلم يعد يهتم بقيم العدل والشرف والأمانة، وإنما يركز اهتماماته الآن فى الاستمتاع بحوادث القتل والاغتصاب والتمثيل بالجثث ومعاقرة الخمور وتعاطى المخدرات، فكل ما ينتشر فى المجتمع حالياً ويلقى رواجاً يتعلق بغريزة الإنسان البدائية، التى تجذب المجتمع إلى حياة الغابة حيث البقاء للأقوى، الذى يحصل على ما يريد باستخدام القوة حتى لو لم يكن من حقه. * ألا يدهشك انتشار تلك الظواهر، فى الوقت الذى زاد فيه انخفاض معدلات الخصوبة والنشاط الجنسى لدى الرجال؟ - خصوبة الرجال انخفضت بسبب ارتفاع معدل التلوث وتنوع المواد المخدرة وتعددها وانتشار تعاطيها، وأيضاً لا يمكن إغفال دور ومسئولية وسائل الإعلام خاصة المرئية منها، حيث إنها تلعب الدور الأكبر فى انتشار مثل هذه الجرائم الخطيرة، بتقديمها برامج وأغانى إباحية تداعب الغرائز وتنميها لدى بعض الأفراد غير الأسوياء، فمشاهد ممارسة الرذيلة التى تدس فى الأفلام الدرامية، فضلاً عن نشر الأفلام غير العربية، التى تعتبر ممارسة مثل هذه الأفعال شيئاً طبيعياً، هذه كلها عوامل تدفع لارتكاب الجريمة. * ظل الجنس لسنوات طويلة «تابو» مقدسا ومحاطا بسياج قيمى ودينى.. الآن تحطم هذا التابو.. فماذا حدث؟ - غياب الوازع الدينى الحقيقى، والتوعية من خلال المساجد، وحلقات الدروس، أهم الأسباب القوية لانتشار الظاهرة، فلو التفت خطباء المساجد والشيوخ لخطورة هذه الظاهرة على السلم الاجتماعى، وجعلوها موضوعاً لخطبة الجمعة، لتراجعت معدلاتها، فشيخ المسجد لا تزال له الهيبة، خصوصاً فى المجتمعات الريفية والفقيرة. *من المسئول عن اضطراب الهوية الجنسية فى مصر؟
- المجتمع وحده هو المسئول عن انتشار ظاهرتى الاغتصاب والتحرش الجنسى، لأن المجتمع الآن مفتت، ولا توجد فيه روابط اجتماعية قوية، بالإضافة إلى الفقر والسياسة الخاطئة للدولة تجاه الشباب، والتى أدت لحرمانهم من أبسط حقوقهم، فهناك نوع من الطاقة المخزونة التى يريد الشباب تفريغها، ولا يجدون سوى أسلوب الجرائم، فالحالة الاقتصادية البائسة للشباب مع الإغراء الموجود فى الشارع، تدفعهم لارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة، فهناك رغبات جنسية متأججة تغذيها وسائل الإعلام بنشر الإباحية، دون وجود قناة شرعية لتفريغ هذه الشهوة فتطفو جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسى، بالإضافة إلى أن المجتمع المصرى بما يشهده الآن من ازدياد معدلات العنف العائلى وعقوق الأبناء للآباء، أدى لارتفاع معدلات الجرائم الجنسية، وهو ما يجعلنا نجزم بأننا نعيش مرحلة انهيار أخلاقى كبير، كلما زادت صعوبة الظروف الاقتصادية على الشاب، الذى يحاول الهروب منها فيقع فى سلوكيات إجرامية منحرفة مثل الاغتصاب أو التحرش أو الجنس الجماعى.