بعد أن نجحت ثورة25 يناير تزايدت دعوات بين المصريين بصورة كبيرة بأن يكون هذا النجاح بداية لمجتمع جديد يتخلص من عاداته التي يرفضها. وكان كل مواطن يري آخر يرتكب فعلا خارجا عن السلوك يقترب منه ويقدم له نفسه ويحاول إصلاح الخروج عن الصواب وعادة ماكانت الاستجابة هي رد الفعل. فجأة ومع تزايد الفوضي والانفلات تحول النصح الي شتائم وأصبح رد فعل كل شتيمة مساويا لها في البذاءة أو يزيد بل تحول الجميع الي الشتائم في الأمور الصغيرة والكبيرة ومايستحق وما لايستحق. هيرودوت كان أول من وصف المصريين قبل الميلاد بأن من عادتهم المجون والألفاظ البذيئة الفاضحة وسلاطة اللسان والسخرية اللاذعة ولذلك فإننا كمصريين نحتفظ بما لايقل عن20 ألف شتيمة مصرية تنتشر بين مختلف فئات الشعب وتتزايد بين الحرفيين. استطلاع سريع أجراه الأهرام المسائي كشف أن غالبية الشتائم بين المصريين تكثر في المشاجرات التافهة وزحام المرور الا أنه بعد الثورة تحول المزاح الي شتائم سياسية مثل فلول ومتطرف ووصولي وعادة مايصاحب تلك الكلمة وصف يزيد من حدة الاتهام وعادة مايكون خارجا عن المألوف. وقالت الدكتورة سامية خضر استاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن الالفاظ الساقطة انتشرت بشكل كبير خلال آخر عشر سنوات نتيجة ما اسمته ب انهيار تام للأخلاق وبعد الثورة تزايدت الظاهرة بشكل كبير وساهم الاعلام في انتشارها عبر الافلام والمسلسلات والاغاني التي تركز علي تداول هذه الالفاظ وتتم تنشئة الاطفال من البداية علي تبادلها, وهذا يؤكد أننا نحتاج الي إعادة تدوير القيم الاخلاقية من جديد وتفعيل دور المثقفين مع تراخي دورهم خلال الفترة الماضية وعدم تفعيل دورهم. وشبهت الحالة التي تمر بها البلاد حاليا بأولياء الامور الذين تركوا أولادهم وسافروا فاستغل الاولاد الموقف وبدأوا يكسرون محتويات المنزل ويتبادلون الشتائم والسباب فيما بينهم رغم أن الايام الاولي للثورة تنبأ فيها الجميع بحالة ثورة اخلاقية لتنعكس علي المصريين جميعا لكن مع خروج المسجلين خطر والبلطجية وسكان العشوائيات ومع عدم ظهور شخصية قوية قادرة علي تشكيل فكر المصريين من جديد, مازال المصريون جماعات متفرقة ولم يجدوا قائدا يجمعهم, موضحة أن تداول الالفاظ ليس نتيجة كبت أو حرمان ولكن السبب الرئيسي هو تداولها عبر وسائل الاعلام واستخدامها في افيشات الأفلام بشكل مستمر وتهدف في الاساس لإلهاء المواطنين عن القضايا الاساسية ومع الفوضي المنتشرة الآن ساعدت علي انتشار هذه الالفاظ وتكسير حائط القيم. وأوضح الدكتور عاطف فايد استاذ الطب النفسي أن تداول الشتائم والالفاظ البذيئة بين المواطنين ينتج عن ممارسات البيئة المحيطة بالانسان ولكن في حالة سيادة القانون والنظام سينعكس بشكل إيجابي علي سلوكيات المواطنين, مؤكدا أن الاعلام هو المسئول الاول عن تداول هذه الالفاظ ولكن مع عودة التوازن مرة أخري ستهذب الاخلاق وسيقل تداول هذه الالفاظ تدريجيا, حيث أن تداول هذه الالفاظ غير مرتبط بمستوي مادي ولكن يرتبط بالمستوي التعليمي والثقافي وكلما ارتفع المستوي الثقافي كان الشخص أكثر تهذبا وينأي عن استخدام مثل هذه الالفاظ. وأرجع أحمد البحيري استاذ الطب النفسي انتشار الشتائم الي أنها صدي لحالة من القهر يعيشها المصريون ولكنه يلفت النظر الي أن الشتائم ليست حكرا علي المصريين بل هي عادة غالبية الشعوب العربية الاخري التي وصفها بأنها تعاني من نفس الحرمان أو نتيجة انفلات الأعصاب وبدأت تدخل ألفاظ ومصطلحات تدريجيا علي قاموس الشتائم ويستخدمها الشباب للتحرش وبرر ذلك بالقهر والرغبة في التنفس. وأوضح أن الشتيمة اذا تناولناها في التحليل فهي عدوان لفظي وليست كلها علي نفس الدرجة, فقد تكون الشتيمة بغرض المزاح او اخراج الطاقة الزائدة وقد يكون للإهانة وهي ظاهرة عالمية وتزداد في فترات الضغط الاجتماعي والظروف القاسية وأكثر ماتنتشر الشتيمة بين المراهقين. وأشار الي أن أفضل الحلول لهذه الظاهرة التي استباحاها الجميع لإيذاء الآخرين هو تغليظ العقوبة لتتوازي مع الايذاء البدني من تعويض مالي وحبس لكل من تسول له نفسه باستخدام هذه الالفاظ للنيل من الآخرين وجرح مشاعرهم وتشديد الرقابة علي مايقدم عبر الاعلام باعتباره المصدر الاساسي لانتشارها بهذا الشكل.