على الرغم من التفاؤل السياسي في دمشق نتيجة تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن نية واشنطن البحث مع الرئيس بشار الأسد في ايجاد حل للأزمة السورية، لوحظ تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار الاميركي الذي وصل سعره إلى نحو 240 ليرة في السوق الموازية في حين أن السعر الرسمي في حدود 220 ليرة، ولكن اللافت هو ارتفاعه في سوق بيروت (العاصمة اللبنانية) حيث بلغ تداوله ب 250 ليرة سورية، متذبذباً وفق تطور عاملي العرض والطلب. وقد وصف حاكم مصرف سوريا المركزي اديب ميالة هذا التراجع بأنه غير مبرر، وعزا أسبابه إلى اشتداد ضغوط المضاربين الذين يتاجرون بالعملة ليس في سوريا فقط بل حتى في البلدان المجاورة وخصوصاً في لبنان، مما اضطره (أي المركزي) إلى اعتماد وسائل غير تقليديه لتدخله في سوق النقد الأجنبي متجاوزاً هذه المرة حدود الأسواق السورية إلى العواصم التي تشهد عمليات المضاربة، حيث عرض بائعاً الدولار الاميركي في سوق بيروت، بهدف الحد من تأثير عمليات التلاعب والمضاربة على الليرة السورية فيها، وذلك عبر مؤسسات الصرافة المرخصة من جهة، ومن خلال أدواته الخاصة من جهة اخرى. ويستهدف مصرف سوريا المركزي من هذا الإجراء سحب الكتلة النقدية بالليرة السورية المتداولة في سوق بيروت، بما يتيح ضبطاً اكثر فعالية لحجم المعروض والذي يؤثر سلباً على سعر الصرف. وحذر المركزي من عواقب التلاعب في سعر الصرف والمضاربة على الليرة السورية في السوق الموازية والاستمرار بإشاعة أسعار صرف وهمية واستغلال المضاربين لصغار المدخرين، بهدف تحقيق مكاسب غير مشروعة، كما جدد تأكيده على ضرورة التزام مؤسسات الصرافة المرخصة بالتعليمات والتوجيهات الصادرة عنه فيما يخص آليات التدخل بالقطع الاجنبي. اقتصاد الحرب تأتي هذه التطورات مع دخول الحرب السورية عامها الخامس، وارتفاع الخسائر الاقتصادية والاجتماعية لأكثر من 202 مليار دولار، منذ عام 2011 حتى نهاية عام 2014، وذلك وفق تقرير اعده "المركز السوري لبحوث السياسات" بدعم من برنامج الاممالمتحدة الانمائي ووكالة الأنروا، لتحليل الآثار التنموية الكارثية للنزاع المستمر في سوريا. ومع تدهور سعر صرف الليرة السورية التي خسرت أربعة اضعاف قيمتها الحقيقية قبل الحرب، أشار التقرير إلى أن تفاقم "اقتصاد العنف" خلال العام 2014، واشتداد المعارك واعادة تخصيص الموارد ورأس المال في خدمة آلة الحرب، أدى إلى انخراط كثير من الشباب في شبكات وفعاليات ذات صلة مباشرة بالنزاع في الاتجار بالبشر والاساءة اليهم، وفي أعمال السلب والنهب والخطف والابتزاز، وتجنيد المقاتلين والاتجار بالآثار التاريخية. وكنتيجة طبيعية للشلل الكبير الذي أصاب مختلف القطاعات الاقتصادية، فقد سجلت تغطية الصادرات للمستوردات تدهوراً حاداً من 82.7 في المئة عام 2010 إلى 29.7 في المئة عام 2014، وتجلى ذلك (وفق تقرير المركز السوري لبحوث السياسات) في العجز التجاري الكبير الذي وصل إلى 42.7%، الأمر الذي يعكس مدى انكشاف الاقتصاد السوري على الاقتصادات الخارجية، واعتماده إلى حد كبير على المستوردات الممولة بشكل رئيسي من القروض الخارجية والتسهيلات المالية. وتبرز في هذا المجال أهمية أزمة البطالة التي تفاقمت في العام الماضي وبلغ معدلها 57.7 في المئة، بعدما فقد نحو ثلاثة ملايين سوري عملهم، وهم يعيلون نحو 12.5 مليون نسمة، فضلاً عن أن 30 في المئة من السكان يعيشون في حالة من الفقر المدقع، أي أنهم لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية. وحذر التقرير من "كارثة صامته" تكمن في تعرض 6 في المئة من السكان المقيمين للقتل او الاصابة او التشوه، ما يشير الى تراجع العمر المتوقع عند الولادة من 75.9 سنه عام 2010 الى ما يقدر ب 55.7 سنه بنهاية عام 2014. ديون متعثرة على الرغم من تراجع قيمة الديون المتعثرة في سوريا إلى أقل من ربع قيمتها قبل اندلاع الأزمة، نتيجة تدهور قيمة صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، لم تتمكن المصارف من تسوية هذه الديون. وبلغة الأرقام، وعلى أساس أن خمسة مصارف كبيرة تابعة للقطاع العام تواجه ديوناً متعثرة تبلغ قيمتها 34 مليار ليرة، فإن قيمة هذه الديون قبل اندلاع الثورة وبسعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي 46 ليرة في ذلك الوقت تكون قيمتها نحو 740 مليون دولار، ولكن مع تدهور سعر الليرة إلى نحو 220 ليرة للدولار حاليا، تنخفض قيمتها المستحقة على المدينين الى نحو 154 مليون دولار فقط. وفي محاولة من النظام لحل هذه المشكلة أصدر الرئيس بشار الأسد في مطلع فبراير/ شباط الماضي المرسوم التشريعي رقم 8 للعام 2014، والقاضي بإعادة جدولة القروض والتسهيلات الممنوحة لأصحاب الفعاليات الاقتصادية للمشاريع السياحية أو الصناعية أو التجارية أو الخدمية أو الحرفية، أو غيرها من الفعاليات الاقتصادية الأخرى، المتأخرين عن سداد التزاماتهم تجاه المصارف العامة (أي المملوكة من الدولة) حتى غاية صدور هذا المرسوم، ويتم الإعفاء من كامل فوائد التأخير والغرامات غير المسددة فقط لغاية تاريخ توقيع الجدولة، شريطة التأكد من توفر الضمانات وكفايتها وقدرة المدينين على السداد وعلى مسؤولية إدارة المصرف المعني. ولكن هذا المرسوم وما يقدمه من إعفاءات، لم يشكل حافزاً لأصحاب الديون المتعثرة للإقدام على سداد ديونهم، مع الاشارة إلى أن الإعفاء يشمل فقط الديون المتعثرة لدى المصارف العامة أي المملوكة من الدولة، وهي ضئيلة جداً، مقارنة مع القروض المتعثرة لدى المصارف الخاصة والتي لا يشملها المرسوم، وقدرتها مصادر مصرفية بنحو 10% من اجمالي قروضها، وبما يزيد عن 250 مليار ليرة (أكثر من مليار دولار)، وبذلك يكون مجموع الديون المتعثرة نحو 1.2 مليار دولار. وإذا كانت تسوية جزء ضئيل من الديون المتعثرة قد ساهمت بزيادة نسبية في سيولة بعض المصارف، فان مشكلة التحصيل لا تزال قائمة خصوصاً وأن عدداً كبيراً من المدينين قد تركوا سورية وهربوا أموالهم إلى الخارج، وهي تعتبر المعرقل الرئيسي لعمل القطاع المصرفي في ظل التطورات الأمنية والسياسية القائمة، حتى إن المتعثرين قبل الأزمة وممن حجز على أموالهم المنقولة وغير المنقولة، كان من الصعب ايجاد من يشتري منشآتهم في مثل الظروف الحالية. وحيال ذلك اضطرت الحكومة إلى إصدار القانون رقم 21 بتاريخ الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وهو يقضي بإنشاء محاكم مصرفية (بدائية واستئنافيه) للنظر في القضايا المتعلقة بالديون المعثرة، واتخاذ القرارات المناسبة بما فيها "منع السفر" للضغط على المقترض أو المدعي عليه لسد الديون المترتبة عليه. وقد وصف حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة هذا القانون بأنه يشكل خطوة متقدمة في اطار تطور التشريع السوري، وذلك نظراً للتوسع الكبير الذي شهدته السوق خلال السنوات الماضية، ودخول عدد كبير من المصارف للعمل في سوريا والتنوع في الأنشطة التي تمارسها، الأمر الذي يؤكد أن وجود محاكم متخصصه بات أمراً ملحاً وضرورياً لمجاراة هذا التطور المتسرع. واعتبر ميالة أن احداث محاكم مصرفية في كل المحافظات يشكل نقلة نوعية لجهة ضمان حقوق كل من المصارف والمقترضين منها، وتقصيراً لأمر الاجراءات القانونية التي كانت تطبق في السابق وتحتاج لفترات زمنية طويله للبت بالقضايا المالية، مع العلم أن كلفة الوقت تنطوي على تجميد اموال وما ينتج عن ذلك من خسائر مادية كبيرة قد تلحق بأطراف الدعاوي. ومع التحضير لعمل هذه المحاكم، اعدت المصارف المتضررة ملفات الدعاوي، وقد بلغ عدد الدعاوي لدى المصرف التجاري السوري 390 دعوى، ويأمل مدير عام المصرف فراس سلمان سرعة البت بها، في حين يتوقع مدير عام المصرف الصناعي قاسم زيتون أن يكون العام 2015 "عام تحصيل الديون المصرفية. كتبه : عدنان كريمة الأناضول