طمأن حاكم مصرف سوريا المركزي الدكتور اديب مياله السوريين على أن سعر صرف الليرة خلال الفترة المقبلة يميل نحو الاستقرار والتراجع التدريجي، حيث وصل إلى مستوى بين 164 و 166 ليرة للدولار الاميركي، وأرجع أسباب التحسن إلى عدة عوامل منها حالة الاستقرار الامني وفتح عدد من الطرق داخل العاصمة دمشق، فضلاً عن تلبية الطلب على النقد الأجنبي للأهداف تجارية وغير تجارية بشكل مستمر. ولكن في المقابل، لوحظ معارضة عدد من خبراء المال والاقتصاد لتفاؤل الحاكم مياله محذرين من استمرار تراجع سعر صرف الليرة السورية والذي يصل في السوق الموازي إلى نحو 170 ليرة للدولار الاميركي، وذلك بعدما شهد تراجعاً كبيراً وصل إلى اكثر من 150 في المئة منذ عام 2011، لأسباب تعود الى فقدان معظم محددات قوته واستقراره، خصوصاً بعد تراجع معظم احتياطات البنك المركزي بالعملات الاجنبية والمقدر بنحو 18 مليار دولار، فضلاً عن توقف عائدات السياحة والنفط وشلل قطاعي الزراعة والصناعة، وفقاً للأناضول. ولعل أبرز المؤشرات السلبية، تتمثل بالناتج المحلي الإجمالي السوري الذي سجل تراجعاً بنسبة 15% بنهاية 2011، ونحو 35% بنهاية العام 2012، وكان التراجع الكبير بنسبة 60% في العام 2013. وتوقع بعض الخبراء وبينهم المحلل المالي علي الشامي لجوء المسؤولين الحكوميين إلى وسائل عدة لتوفير العملات الصعبة لمنع انهيار الليرة السورية ومنها طرح بعض أصول الدولة والقطاعات الحكومية للبيع عبر توسيع برنامج "الخصخصة" لتأمين السيولة، بحجة أنها قطاعات خاسرة، وفتح المجال لرأس المال الخاص، المحلي والخارجي ليشارك في جميع القطاعات بما فيها النفط والكهرباء. ويرى المحلل الشامي "أن استمرار الحرب تؤثر على النظام اكثر من المعارضة، وقد استنفذت الحكومة السورية كل ما لديها من احتياطات وفرص، وإن لم تتحقق خططها في "الخصخصة" واعادة الاعمار نتيجة الظروف الامنية السيئة التي تبعد أي رأسمال ليستمر في سوريا، فإنها ستلجأ إلى مزيد من الديون، ورهن الثروات الباطنية لإيران وروسيا، والا ستنهار العملة السورية". القطاع المصرفي قبل اندلاع الثورة، كانت قيمة أصول المصارف الحكومية والخاصة في سوريا تقدر بنحو 43 مليار دولار، وهو مبلغ ضئيل جداً مقارنة ببعض البلدان المجاورة، ومنها لبنان الذي كان حجم أصول مصارفه يتجاوز ال 120 مليار دولار في العام 2011، وقد ارتفع إلى نحو 150 ملياراً بنهاية العام 2013، لكن المصارف اللبنانية والخليجية التي دخلت القطاع المصرفي السوري في السنوات الاخيرة قبل اندلاع الثورة، كانت تعتبر سوريا بلداً واعداً للمستثمرين ورجال الاعمال العرب، وهم يتطلعون الى حركة استثمارية كبيرة ومشاريع سياحية وصناعية ضخمة، تأخذ بالاعتبار موقعها الجغرافي على البحر المتوسط وطرق العبور الى منطقة الخليج والعراق وايران. ومع اندلاع الثورة وتدهور الوضع المصرفي والمالي والاقتصادي، انعكس ذلك ضرراً على المصارف، وكانت المصارف التي يساهم فيها مستثمرون خليجيون، الاكثر ضرراً، من الديون المتعثرة، عكس المصارف اللبنانية التي كانت اكثر مرونة لما لديها من قاعدة عملاء جيدة، وهي تتعامل معها منذ مدة طويلة. وتعاني المصارف العاملة في سوريا حالياً من أزمة حادة بعد انخفاض سيولتها وتفاقم نسبة القروض المتعثرة والمحتجزة لدى افراد او شركات، امتنعت عن السداد لأسباب اقتصادية أو سياسية، وتشير تقارير إلى أن نسبة كبيرة من القروض المتعثرة تعود إلى رجال أعمال سوريين مقيمين في الخارج، ويمارسون أعمالهم الاستثمارية بنجاح، لكنهم يمتنعون عن سداد القروض المستحقة عليهم، ولا يقتصر الامر على رجال الاعمال المعارضين للنظام السوري أو المنشقين عنه، بل ينطبق ايضاً ذلك بصورة اكبر على رجال اعمال معروفين بتأييدهم ودعمهم للنظام. أما بالنسبة للمصارف التي تواجه مشكلة الديون المتعثرة، فقد افادت معلومات تستند الى تقارير للبنك المركزي السوري، ان خمسة مصارف كبيرة تابعة للقطاع العام، تواجه ديونا متعثرة تبلغ قيمتها 34 مليار ليرة سورية، وعلى اساس سعر الدولار ب 166 ليرة، تساوي نحو 205 ملايين دولار. جدولة الديون وفي محاولة من النظام لحل مشكلة الديون المتعثرة، اصدر الرئيس بشار الاسد في مطلع شباط (فبراير) الماضي المرسوم التشريعي رقم 8 للعام 2014، والقاضي بإعادة جدولة القروض والتسهيلات الممنوحة لأصحاب المشاريع الاقتصادية السياحية او الصناعية او التجارية او الخدمية او الحرفية، أو غيرها من الفعاليات الاقتصادية الاخرى، المتأخرين عن سداد التزاماتهم تجاه المصارف العامة (اي المملوكة من الدولة) حتى غاية صدور هذا المرسوم، ويتم الاعفاء من كامل فوائد التأخير والغرامات غير المسددة فقط لغاية تاريخ توقيع الجدولة، شريطة التأكد من توفر الضمانات وكفايتها وقدرة المدينين على السداد وعلى مسؤولية ادارة المصرف المعني. وعلى رغم عدم تعويل المصارف العامة على مسألة التسويات المصرفية في زيادة الدرجات المئوية لسيولتها والأموال الجاهزة المتوفرة بين يديها، لكن التسويات افرزت كتلاً مالية مهمة تصل الى مئات الملايين من الليرات السورية في بعض المصارف، في حين وصلت هذه الكتل المالية الى مليارات الليرات في نتاج المصارف العامة كلها، ولذلك اتفق مديرو المصارف على ضرورة اقتراح تمديد العمل بالمرسوم رقم 8 نظراً لما يحمله من محفزات مهمة للمقترضين المتعثرين بسبب الظروف الراهنة، ولان مدة الثلاثة اشهر المحددة لنفاذ المرسوم لم تكن كافية بالنسبة لبعض المقترضين، فضلاً عن مسألة دفعات حسن النية التي تقدم بها المقترضون الذين استفادوا من المرسوم في حينه. ومثال على ذلك أن التسويات حققت للمصرف العقاري مبالغ ب 480 مليار ليرة، وهي تشكل نصف درجة مئوية من زيادة السيولة التي حققها المصرف ووصلت في آخر رقم لها الى 30 في المئة، وبذلك تكون التسويات قد لعبت دوراً محدوداً. اما المصرف التجاري السوري فقد كانت له حصة اكبر، اذ ابرم تسويات يصل بعضها الى ستة مليارات ليرة، ووصل اجمالي دفعات حسن النية الى 15 مليار ليرة، وكذلك ابرم المصرف الصناعي تسويات لمبالغ مجموعها نحو 1.8 مليار ليرة، وسجل سيولة وصلت الى 9 مليارات ليرة في تموز (يوليو) الماضي. ولكن يرى بعض خبراء المال والاقتصاد أن هذا المرسوم وما يقدمه من اعفاءات لا يشكل حافزاً لأصحاب الديون المتعثرة للإقدام على سداد ديونهم، لأن مشكلتهم متعلقة بالتضخم النقدي الذي لحق بالليرة السورية جراء تدهور سعر صرفها مقابل العملات الاجنبية، وإن كانت خسارة الليرة من قيمتها تجاوزت 150% منذ اندلاع الثورة عام 2011، فان التضخم سيأكل من كتلة الايداع اضعاف ما يمكن أن يعوض سعر الفائدة الذي لا يتجاوز 11%، مع الاشارة إلى أن حجم الاقراض زاد عن الايداعات لدى بعض المصارف قبل اندلاع الثورة، حتى تجاوز رأسمال هذه المصارف والاحتياطي الالزامي المودع في البنك المركزي، كضمان لاستعادة الودائع في حالات الطوارئ. إضافة الى ذلك فان مرسوم الاعفاء يشمل فقط الديون المتعثرة لدى المصارف العامة أي المملوكة من الدولة، وهي ضئيلة جداً، مقارنة مع القروض المتعثرة لدى المصارف الخاصة والتي لا يشملها المرسوم، وقدرتها مصادر مصرفية بنحو 10% من اجمالي قروضها، وبما يزيد عن 250 مليار ليرة (نحو 1.5 مليار دولار). شركات مساهمة وفي اطار خطتها لإنقاذ القطاع المصرفي السوري من حالته الراهنة، تدرس وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية تحويل المصارف الحكومية إلى شركات مساهمة تمتلكها الدولة. وأكدت مديرة التخطيط في الوزارة سمر قصيباتي أن لجنة القطاع المالي لدى الهيئة العليا للبحث العلمي قد وضعت جملة مقترحات لتطوير القطاع المالي والمصرفي، منها ضرورة البدء مباشرة بدراسة اولويات المنتجات المصرفية والمالية المطلوبة في مرحلة اعادة الاعمار وما بعدها، وتدعيم استقلالية السلطة النقدية، مؤكدة الدور الاساسي للقطاع المصرفي والتأميني، ووضع البدائل الملائمة لنظام الصرف وللسياسة النقدية لما بعد الازمة، بحيث يكون هناك رابط بين معدلات الفائدة والتضخم واثر ذلك على الاستثمار. وقد عمدت الهيئة الى اعداد دراسات لإعادة هيكلة المصارف الحكومية وتحويلها إلى شركات مساهمة تمتلكها الدولة وتدرج اسهمها في السوق المالية، مع تحسين أساليب اشراف البنك المركزي على المصارف الخاصة والعامة، والتوصل الى صيغة مناسبة لجذب المدخرات المحلية والدولية للإيداع في المصارف المحلية، اضافة إلى وضع آلية جديدة لإنشاء سوق للسندات وتوسيع ادوات السياسة النقدية وحماية حقوق المقرض والمقترض القانونية. ولا يستبعد المراقبون أن يكون تحويل المصارف الحكومية إلى شركات مساهمة، خطوة تمهيدية لبيع اسهمها في السوق المالية.