صلاح فضل : تعرضنا لنكستين .. و"الروح والمادة" تتزامنان الآن زبيدة عطا : زوجي تعرض للإقصاء والحذف لآرائه الجريئة برادة : الرواية العربية تجسد آلام الاستبداد والتخلف على أنغام أناشيد القومية العربية ، انطلقت ظهر اليوم فعاليات ملتقى الرواية العربية السادس، دورة فتحي غانم، بحضور أكثر من مائة مبدع عربي ومصري بارز، ومئات النقاد المشاركين. وفي مسرح الأوبرا ، أكد الإعلامي محمد شرف، أن الملتقى شهد أوج حضوره مع نهاية التسعينات وبداية الألفية الجديدة، واستمرت حديقة الملتقيات لتؤكد أن مصر "سيدة الحكايات" ونظرة واحدة لمعابدها وشعبها تؤكد أنها قابضة على سحر الحكي وأصالته . فيما أشار رئيس اللجنة العلمية المشرفة على المؤتمر د. صلاح فضل إلى أن مصر بدأت تسترد عافيتها ، الاقتصادية بشرم الشيخ بحضور أشقائها العرب، والأدبية في القاهرة بحضور المبدعين، وهذا تواز للمادة والروح، ويؤكد أن مسيرة النهضة لن تتوقف، وقد شهدت عثرات بالفعل في نكسة 67 والتي تركت جراحا غائرة بضمير كل مثقف عربي، والمرة الثانية التي انتكست فيها مصر كانت مع حكم الإخوان المسلمين ، وقد توقف في هذا العام ملتقى القاهرة، ويعتبر "فضل" أن هؤلاء الإخوان كانوا قد يتوهمون أنهم بوثوبهم على السلطة سيمكنهم محو هوية مصر وتراثها، لكن الشعب خرج دفاعا عن وطنه في ثورة 30 يونيو ، كما خرج في ثورة يناير المجيدة من قبل، فكان له ما أراد. والمثقف الحقيقي كما يؤكد الناقد المصري البارز هو من يحمل شعلة التحرر ويصنع الواقع ، لا أن يكون مجرد انعكاس له أو معبر عنه بالكلمات وفي الغرف المغلقة. أما أعمدة التنوير المصرية فقد شهدتها ربوع البلاد منذ خواتيم القرن التاسع عشر، وانطلاق أفكار رموز التيار الإصلاحي كرفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وغيرهما، وما صاحب ثورة 1919 وتبعها من أفكار ليبرالية وديمقراطية مؤسسة، فكانت لغة العلم تعلو على الخرافة، وقيمة الحرية العقيدية والفكرية والعلمية تعلو على التجمد، وكانت هناك مساع للتجديد الديني الحقيقي قادها طه حسين ورفاقه، وكانت هناك نهضة لإيقاظ العقل النقدي المتسائل بدلا من ذلك الذي يسمع فيطيع بلا تمييز . الملتقى أشرف عليه وزير الثقافة المصري السابق د. جابر عصفور، والذي يشعر كل المشاركون فيه بالامتنان الكبير لجهوده لإنجاح هذا الحدث الضخم، وتغيب عنه وزير الثقافة الجديد د. عبدالواحد النبوي ، لانشغاله بمؤتمر دعم اقتصاد مصر بشرم الشيخ، ولكنه أكد ترحيبه الكبير بالملتقى . أما د. محمد عفيفي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، راعي الحدث، فتذكر مقولة العلامة بن خلدون بأن "القاهرة إيوان العرب" وتذكر توفيق الحكيم صاحب رواية "عودة الروح" التي شهدتها مصر مطلع العشرينات ،وأكد أن هذا الملتقى يكتسب قيمته من مشاركة المبدعين العرب واحتفائهم بمصر . أسرة فتحي غانم وشهد الانطلاق كلمة أسرة الروائي المحتفى به والتي ألقتها زوجته د. زبيدة عطا، وأكدت أنه أحد آباء تجديد الرواية وإدماجها بمشكلات الواقع المعاش، وقد كشف دهاليز الحياة اليومية ولم يكن كما تقول عنه رفيقة حياته "رجل فقد ظله" وهي إحدى رواياته التي جسدتها الدراما وعدت علامة بارزة بمسيرة الإبداع وتلخص حال المثقف والصحفي مع السلطة ، ومسلسل سقوط القيم، وكان غانم ممن تنبأوا بسطوة التيار الديني مبكرا في السبعينات عبر روايته "الأفيال" والتي تحولت لمسلسل تم مسح كثير من حلقاته من قبل الرقابة! . وأضافت المؤرخة المصرية البارزة : لقد قاد زوجي تجربة صحفية ثرية بمؤسسات عديدة بينها روزا اليوسف، ولكنه تعرض للإقصاء المتعمد بسبب آرائه في عهد السادات. وكان قريبا دوما من حياة المصريين، فرواية "حكاية تو" تحكي معاناة أهل النوبة مع مشروعات التطوير التي لا تلمس حياتهم، أما روايته "كثير من العنف قليل من الحب" فتعكس أوضاع المجتمع المصري بعد الانفتاح ، ورواية "تلك الأيام" التي اقتربت من الحياة الاجتماعية لمصر، أما رائعته "زينب والعرش" فهي بحق علامة بارزة تجسد صراعات صاحبة الجلالة . أسئلة الواقع الملحة أما كلمة المبدعين العرب فألقاها الناقد العلامة محمد برادة الذي جاء من المغرب يؤكد أن الروائيين يتلمسون أجوبة لأسئلة الحاضر الشائكة، عبر الإيغال في الماضي وأحداثه، وخاصة أن حاضرنا مليء بالأسئلة الحارقة المرتبطة بأنظمة سلطوية مستبدة لا تحترم الإنسان ولا الديمقراطية ، وحالة احتراب أهلي وعبثية دموية مقيتة، واستغلال للدين وغسيل أدمغة ، ونزوع للفكر الماضوي بديلا عن التجديد الفقهي، وكلها من علامات التأخر العربي، وإن كانت حركات مقاومة فكرية قد ظهرت بالحواضر العربية فإنها لم يكتب لها النجاح على مستوى كبير لظروف الواقع . بدأت محاولات بعث النهضة العربية عبر الرواية من أحمد فارس الشدياق بنهايات القرن التاسع عشر، وشهد العرب كتابات كثيرة لعلامات تنويرية كفرح أنطون ونجيب محفوظ صاحب التجربة التأسيسية ، كلهم ساهموا بزعزعة الموروث المهتريء، فليس الدين هو التخلف الذي نلاحظه بمجتمعاتنا. وعبر مائة عام أنجزت الرواية الكثيرفي سبيل تكشف سبل النهضة وإجابة أسئلتها الملحة ، وليس هذا النمط الإستهلاكي الشائع لدى الغرب. اخيرا أكد "برادة" أن مجتمعاتنا تحتاج لمن يرفع عنها وصاية السلطة والمثقفين وكثير من رجال الدين غير المتنورين، وأن يترك العنان لعوالم التخييل لتفتح آفاقا جديدة للنهوض والتحرر الحقيقي .