رأى خبراء وباحثون سياسيون لبنانيون وسوريون، أنه "لا نهاية قريبة" للأزمة السورية التي تكمل عامها الرابع اليوم، مرجعين ذلك إلى أسباب عدة أبرزها الدعم "القوي والمتين" لرأس النظام، بشار الأسد، من قبل روسيا وايران من جهة، و"التردد" الأمريكي خصوصا والعالمي عموما في وضع حد للنزاع. وحسب الخبراء أنفسهم، فإن "إرادة دولية وإقليمية" ستبقي لبنان بمنأى عن الأزمة السورية، لكنهم لفتوا إلى أنه (أي لبنان) سيبقى في "دائرة الخطر" ولن يشهد عودة للحياة الطبيعية قبل أن تضع الأزمة أوزارها. وقال زياد ماجد، الباحث اللبناني في شؤون الشرق الأوسط والأستاذ في الجامعة الأمريكية في باريس: "لا يبدو أننا أمام نهاية قريبة لمأساة السوريّين نتيجة عوامل عدّة مرتبطة بالتطوّرات الإقليمية والدولية أكثر منها ارتباطاً بالتطوّرات داخل سوريا، خاصة لجهة المفاوضات الأمريكية الإيرانية وما قد ينجم عنها من اتفاق أو من فشل". وتابع أن "بقاء النظام السوري هو اليوم رهن الإرادة والدعم الإيرانيّين بشكل خاص، ثم الروسي. كما أنه رهن استمرار التردّد الأمريكي والدولي عامة تجاه معالجة الملف السوري". ولا يعتقد ماجد أن "الثوار فشلوا، بقدر ما جعل النظام الذي فرض العنف البربري منذ اليوم الأول، السياسة مستحيلة في سوريا، وحوّل العنف إلى الوسيلة الوحيدة لمواجهة المجتمع، ما جعل العنف المضاد يصبح وسيلة اضطرارية لجزء من قوى الثورة لتدافع بواسطته عن وجودها وليس فقط عن حقوقها أو حرّيتها". وأضاف أنه "مع تواصل القتال وتوسّع رقعته، ومع قلة الدعم الذي حصل عليه الثوار، اجتاحت بعض المناطق التي كانوا قد حرّروها من النظام جماعات داعش ومثيلاتها، وافدة عبر الحدود أو عاقدة تحالفات موضعية، ومتجنّبة في معظم الأحيان قتال النظام الذي لم يُبادر بدوره الى قتالها". ووصف النظام السوري بأنه "الطرف الأكثر إرهاباً في سوريا واستخداماً للعنفين العشوائي والمنظّم، وأنه المسؤول عن مقتل العدد الأكبر من السوريين، وأنه الحليف الموضوعي لداعش المستفيد منه سياسياً وترويجاً لنفسه، وميدانياً لقتاله (أي داعش) ضد المعارضة". زياد ماجد قال أيضا: "من يُردّد اليوم مقولات النظام الأسدي ويدّعي مفاضلة بينه بين داعش إنما يقوم بالأمر عن جهل أو عن تواطؤ. فالعارفون بالشأن السوري يدركون أن المعادلة الفعلية هي (الأسد وداعش أو التغيير) وليس (الأسد أو داعش)، إذ أن البربريّتين المذكورتين يمكن أن تتعايشا بسهولة فوق سوريا محطّمة ومقسّمة، والبديل الفعلي هو بالتالي إسقاطهما معاً". وتطرق ماجد الى تداعيات استمرار الأزمة السورية على لبنان، فلفت إلى أن "لبنان معرّض لتداعيات الوضع السوري خاصة بسبب مشاركة حزب الله في القتال داخل سوريا دفاعاً عن النظام". وذكر بأن "أزمات لبنان السياسية في السنوات الأخيرة تصاعدت قبل بد الثورة في سوريا، وأن قضية اللاجئين الشائكة اجتماعياً واقتصادياً ليست المسؤولة عن تردّي الأوضاع المعيشية في لبنان، فالمسؤولية تبقى على عاتق الطبقة السياسية بشكل رئيسي"، مقرا في الوقت نفسه ب"المخاطر الأمنية الناجمة عن استمرار الوضع السوري على حاله من المأساوية لفترة أطول". من ناحيته، قال خطار أبو دياب، الباحث اللبناني استاذ العلاقات السياسية الدولية وشؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للجيوبوليتيك في باريس: "في المدى القريب المفتوح ستستمر لعبة التفتيت والاهتراء، وأرى أن المزيد من تدمير الحجر والبشر سيستمر على الأقل حتى نهاية ولاية (الرئيس الأمريكي باراك) أوباما". وأرجع أبو دياب، سبب غياب أفق لنهاية الأزمة السورية إلى أن "هذه الثورة تحولت بفضل التخلي الدولي والكم الكبير من التجاذب الإقليمي وعدم القدرة على الديناميكية الداخلية إلى أول نزاع داخلي متعدد الأقطاب في القرن 21′′، موضحا أن ما وصلت إليه الأمور الآن "يتعدى ما أراده الشعب السوري الذي خرج في درعا عام 2011′′. ورأى أبو دياب أن هناك "فشل مزدوج يشمل الجميع′′ في سوريا، مضيفا أنه "في البداية تحكم النظام باللعبة ورسم السيناريو الذي واستطاع تنفيذه وعمل على سحق الشباب وكل رمز ليبرالي للثورة من الشباب وإخرج المتطرفين من السجون ليوحي بأن هناك حربا ومؤامرة كونية ضده بينما الحقيقة أن هذه المؤامرة الكونية هي ضد الشعب السوري وليس ضد النظام". ولفت إلى "التقاطع بين روسيا وإيران ومصالح إسرائيل بعدم الرغبة في إيجاد بديل لهذا النظام، وذلك ازاء تردد أمريكي أو قرار أمريكي بالاستنزاف في سوريا، وهذا ما أراح النظام". وأوضح أنه "في مقابل حلف حديدي يدعم النظام، فإن الحلف الداعم للثوار لم يكن متينا خصوصا نتيجة التنافس بين اقطابه الاقليميين واعني قطر والسعودية وتركيا"، ورأى أبو دياب أن "المشكلة الكبرى تكمن في أن القوى السياسية السورية المعارضة للنظام لم تستخلص الدروس والعبر. مثلا جماعة الإخوان المسلمين لم تكن مهيأة للعب دور سياسي داخلي وعوضا عن ذلك قامت بدعم إنشاء معارضة في الخارج ولم تكن موفقة، وكذلك حزب الشعب الذي يترأسه رياض الترك". وقال إن "هناك تصحرا سياسيا في سوريا، بينما وقف الفساد وتضخم الأنا والمال السياسي حاجزا أمام إيجاد البديل للشعب السوري. هناك نقص كبير في إيجاد برنامج وطني بديل وحد أدنى من الوحدة وهذا الفشل في ذلك لا يرجع فقط للتآمر الدولي". ورأى أبو دياب أنه "نظرا لموقع سوريا كدولة وسطى في الإقليم فإن اللعنة السورية انتقلت إلى دول الجوار ومنها مثلا الموصل في العراق"، مضيفا أنه "بالنسبة للبنان يبدو أن هناك قرارا إقليميا ودوليا بمنع تحوله إلى ملحق للأزمة السورية وإبقائه رئة يتنفس عبرها الجميع′′. لكنه لفت إلى أن "دخول حزب الله إلى سوريا خرق سياسة النأي بالنفس التي يتبعها لبنان وله تداعياته"، وقلل من مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان، معتبرا أن هناك "تضخيما للأرقام. في لبنان كان هناك 500 – 700 ألف سوري موجودين قبل الثورة وتحولوا إلى لاجئين بعدها وأضيف إليهم 500 الف آخرين". وأكد أبو دياب على أن "هناك سقوطا عمليا لسايكس -بيكو واتوقع أوضاعا صعبة في لبنان الذي سيبقى في دائرة القلق والخطر خصوصا بوجود طبقة سياسية ضعيفة"، وأوضح أن الأمر "لا يقتصر على لبنان فقط، ذلك لأن لا عودة للحياة الطبيعية في لبنان والأردن وسورياوالعراق من دون تسوية الوضع السوري". وفي السياق نفسه، قال رضوان زيادة، الباحث السوري والمدير التنفيذي ل "المركز السوري للدراسات الاستراتيجية" في واشنطن، إنه منذ بدء الثورة السورية "اصطدمت المعارضة (السورية) بثلاث عقبات رئيسية: الأولى عدم قدرتها على تنظيم نفسها بسبب دخول العدد الكبير من الناشطين في الحقل السياسي والراغبين بالانضواء إلى مؤسسات المعارضة التي لم تكن قد تأسست بعد، والثاني استمرار الأسد في ماكينة القتل اليومي الذي انهك المجتمع السوري وأفقد المعارضة القدرة على المناورة السياسية". أما العقبة الثالثة، حسب ما قاله زيادة ل"الأناضول"، هي "المجتمع الدولي الذي تجاهل بإصرار دموع وعذابات السوريين وآلامهم وتعامل معها باحتقار ودون مسؤولية حتى دخلت سوريا في أعظم وأكبر كارثة إنسانية في تاريخها". وشدد زيادة على أن "نظام الأسد استطاع تدريجيا تحويل هذه الثورة السلمية إلى حرب أهلية طاحنة، كما تحول النظام السوري نفسه تدريجيا إلى ميليشيا قوية تشارك في صراع يائس مع الشعب السوري"، موضحا أن "بشار الأسد يسعى لاستنزاف سوريا من الموارد المالية والبشرية، والأكثر خطورة من كل ذلك هو تدمير النسيج الاجتماعي السوري من خلال خلق صراع طائفي بغيض". وأكد أن "النظام تجاهل أو تحلل منذ بداية الثورة من جميع الالتزامات في زمني الحرب والسلم... بل وحتى لم يتردد في سحق ودوس قواعد الحرب أيضا"، موضحا أنه إزاء كل ذلك "نجد أن الشعب السوري يكافح منذ أربع سنوات ليس فقط للحفاظ على المقاومة، ولكن الأهم من ذلك، من أجل ضمان تماسكه ضد سياسة منهجية تهدف إلى كسره وتحويله إلى أقليات متناحرة ومتصارعة". وذكّر بأن الاسد ورغم كل التحولات في سوريا "ما زال يكرر تقريبا نفس الكلمات التي استخدمها في بداية الانتفاضة في آذار/ مارس 2011، وكأنه يعيش في عالمه الخاص الذي نسجه من خياله بأنه قادر على العودة بسورية على ما كانت عليه قبل ذلك"، معتبرا أن هذا التصرف "نموذجي لأي دكتاتور. رأينا ذلك من قبل مع (الزعيم النازي الالماني ادولف) هتلر، (الرئيس العراقي الراحل) صدام حسين، و( الرئيس الصربي الراحل سلوبودان) ميلوسيفيتش". وقال زيادة إن "لبنان قد يكون من أكثر الدول المحيطة (بسوريا) تأثرا (بالأزمة) بسبب العدد الكبير من اللاجئين السوريين في لبنان وبسبب تدخل مليشيات حزب الله في سوريا ومساهمتها في قتل السوريين، مما عقد وضع اللاجئين في لبنان وأخيرا، بسبب ضعف الحكومة اللبنانية وعدم قدرتها على بسط سلطتها فوق كل الاراضي اللبنانية". ومضى قائلا: "لذلك سيدفع لبنان ثمنا أكبر لتداعيات الأزمة السورية مع تصاعد الأمور في سوريا". ومنذ منتصف مارس/ آذار (2011)، تطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من (44) عامًا من حكم عائلة الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة، غير أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف الاحتجاجات؛ مما دفع سوريا إلى دوامة من العنف، ومعارك دموية بين القوات النظام والمعارضة، لا تزال مستمرة حتى اليوم.