دخلت الثورة السورية، أمس الأول عامها الثالث، مخلفة أكثر من 70 ألف شهيد، وما يزيد على مليون لاجئ ونازح ومشرد، فضلا على المفقودين والمصابين والمعتقلين، وخسائر اقتصادية فاقت 80 مليار دولار. مازالت سوريا تتأرجح بين السياسة والسلاح، حيث ينادى حلفاء دمشق فى طهران وموسكو بحوار لا يستثنى الرئيس بشار الأسد على الرغم من كل تلك الدماء، فيما تدعم واشنطن خيارين، الأول لا يبتعد كثيرا عن الطرح الروسى، والثانى تسليح «المعارضة المعتدلة».
أما الأوروبيون والأتراك والخليجيون فلا يرون سوى تسليح المعارضة حلا، دون النظر إلى ما امتلأت به الساحة السورية من تنظيمات إسلامية وجهادية بعضه له علاقات بالقاعدة وتنظيمها المتطرف.
لكن الواقع كشف لنا أن سوريا «أهم مما كنا نظن»، فقد صار شأنها الوطنى مؤثرا على جيرانها فى العراق الذى يشهد صراعا سنيا شيعيا يتصاعد يوما بعد يوما، وعلى لبنان المقسم طائفيا منذ ميلاده، وله خبرة حرب أهلية سابقة، وحتى الأردن يمكن أن تنفجر فيه أزمة اللاجئين السوريين بما يفوق طاقته.
أما تركيا، البلد الأكبر بين جيرانها، فقد تأثرت بمسار الصراع بين السنة والعلويين والأكراد فى سوريا، حيث تتشابه مكوناته مع التركيبة الدمشقية.
وصدق ما قاله باتريك سيل كاتب سيرة حافظ الأسد.. «من يسيطر على سوريا يحكم الشرق الأوسط»
فى سوريا، وبعد سنتين من اندلاع الثورة ضد نظام الرئيس بشار الأسد، مازال الحل السياسى بعيد المنال فى ظل حالة من الاستقطاب الشديد بين السلطة والمعارضة وعجز أى من الطرفين عن حسم المعركة العسكرية على الأرض، فيما يفرض سيناريو تمدد الأزمة وانفجارها فى دول الجوار نفسه فى المرحلة المقبلة.
فى هذا الإطار، قال المحلل السياسى المختص فى الشئون العربية هانى المصرى «فى سوريا، الاهتراء هو العنوان الآن، أى المزيد من التدمير والتفتيت، ولا أرى أفقا جديا غير ذلك».
إلا أن المصرى عاد وأكد ل«الشروق» أن التفاهم السياسى يعد الحل الأفضل والمخرج الأقل تكلفة من الأزمة السورية».
وكان رئيس الإئتلاف السورى المعارض أحمد معاذ الخطيب قد ألقى حجرا فى المياه الراكده بدعوته فى يناير الماضى إلى الحوار مع عناصر النظام التى لم ثلوث يديها بدماء الشعب السورى، الأمر الذى علق عليه أستاذ العلاقات الدولية بجامعة باريس أبو دياب قائلا: «كل حوار، إن حدث، سيكون لعبا فى الوقت الضائع».
ورغم تعقد الوضع على الأرض فى سوريا، يبدو تدخل بعض القوى الغربية لدعم المعارضة فى الشهور القليلة المقبلة أمرا مستبعد نظرا لما وصفه الخبير السياسى العراقى حامد الخزرجى ب«التخوف الغربى من مرحلة ما بعد الأسد أكثر من الأسد نفسه فى ظل الوجود السلفى الجهادى فى صفوف المعارضة السورية».
وقال المصرى: «عندما يصبح الوضع مستنقعا بكل معنى الكلمة، ويدرك الكبار (الدول الكبرى) أن لا مصلحة لهم فى تحول بلد متجذر فى التاريخ إلى صومال الشرق الأوسط، عندها قد يتحركون».
إلا أنه حذر من «خطر الوصول إلى مرحلة تأتى بالأسد إلى طاولة الحوار ممثلا عن العلويين وتصبح المسألة محاصصة طائفية على الطريقة اللبنانية. هذا سيعنى تفتيتا فعليا يتمدد فى المنطقة وحروبا طويلة الأمد».
وتمدد الأزمة السورية وانفجارها إقليميا، سيناريو محتملا فى حال استمر النزاع، حيث أشارت دراسة حديثة للباحث بمركز الشرق الأوسط للدراسات جون كالابريس إلى أن استقرار فى كل من العراق ولبنان مرهون بتطور الأوضع فى سوريا. وبرز التأثير السورى على الداخل العراقى فى تعرض مجموعة من الجنود السوريين الذين هربوا للعراق لهجوم من مسلحى القاعدة أودى بحياة 48 منهم، وفق ما ذكره الكاتب باتريك كوبيرن فى صحيفة إندبندنت مؤخرا.
هنا، قال الخزرجى ل«الشروق» إن رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى يعلم ما تحمله الثورة السورية وتداعياتها من تهديدات لحكمه، ويبذل كل ما بيده لدعم الأسد، مرجحا أن يعجل أى سقوط وشيك للأسد برحيل المالكى من الحكومة فى ظل الاحتجاجات السنية ضده. كما تمثل مسألة اللاجئين، حال طال آمد الصراع فى سوريا، تحد كبير لاستقرار الأردن وتماسكه فى ظل وجود أكثر من مائتى ألف لاجئ سورى أراضيه، وفق وكالة الصحافة الفرنسية
مصالح حلفاء الأسد.. السلاح والنفوذ والاستقرار
مسئول اتصال الكتائب المسلحة ل «الشروق»: بريطانيا وفرنسا لم تقررا تسليحنا إلا بعدما وصلنا إلى نقطة اللا عودة