عبر عدد من المثقفين المصريين عن أسفهم لرحيل "مؤرخ الثورة" وأحد الضباط الأحرار أحمد حمروش، مطالبين بجمع تراثه الفكري وإعادة طباعته وخاصة موسوعته عن ثورة يوليو التي تعد الكتاب العمدة في التأريخ لهذا الحدث. وقال الأديب الكبير جمال الغيطاني ل"محيط" أنه عرف حمروش منذ أوائل الستينيات ، وقد كان حمروش رئيسا لتحرير مجلة "روز اليوسف" آنذاك ونشر للغيطاني روايته الشهيرة "الزيني بركات" عام 1969، كما استطاع الغيطاني من خلاله الإنضمام لمنظمة التضامن الأفرو آسيوي التي ترأسها الراحل. ويضيف الغيطاني أن حمروش كان شخصا وديعا طيبا ، وله دور بارز في كتابة تاريخ ثورة يوليو وحواراته مع قادتها، وقد التقاه منذ شهر خلال تأبين السفير الراحل أحمد ماهر ، وكان حمروش وقتها حزينا أيضا لفراق زوجته وابنه الأكبر.
من جهته قال الناقد البارز شعبان يوسف أن حمروش هو أحد الأسماء المهمة في تاريخ مصر بشكل عام، وتاريخ ثورة يوليو بشكل خاص، وقد لعب الراحل دوراً أساسياً في الوصل بين تيار اليسار وثورة يوليو.
كما كان له برأي الناقد دورا بارزا في الحياة الثقافية المصرية حيث تولى رئاسة مجلة "التحرير" التي صدرت في أغسطس عام 1953، وتم حبسه بعد نشر بضعة أعداد من المجلة لمدة 50 يوما من قبل سلطة يوليو، وحينما عرض عليه تولي المنصب مجددا رفض وتولى رئاسة تحرير المجلة المثقف الراحل ثروت عكاشة.
كذلك تولى حمروش رئاسة تحرير مجلة "الكاتب" التي صدر أول عدد منها في إبريل عام 1961، وترأس المسرح القومي وله كتابين عنه بعنوان "المسرح في 5 سنوات"، و"المسرح في الكواليس"، ويحكي فيهما عن النصف الثاني من الخمسينيات ويتحدث عن النهضة التي شهدها المسرح في هذه الآونة.
ترأس الراحل كذلك مجلة "روز اليوسف" لفترة، وظل يكتب بها حتى الرحيل، وكان يسعى إلى إحياء مؤتمر أدباء منظمة الأفرو آسيوي "اتحاد أدباء آسيا وإفريقيا"، وكتب كذلك في صحيفة "الجمهورية"، و"أخبار اليوم"، كما شارك في تأسيس مجلات تيار اليسار، مثل مجلة "الغد".
وأهم ما كتبه حمروش برأي الناقد المصري هو "قصة ثورة يوليو" في خمسة مجلدات تحدث فيه عن دور الجيش في السياسية، وقد كان أحد الضباط الأحرار ولكنه لم يكن ضمن الدائرة القريبة ، وكان يتوقع كما يروي شعبان يوسف أن يشغل منصب وزير الثقافة في عهد عبد الناصر، لكن ثروت عكاشة منافسه الأكبر تولى هذا المنصب، كذلك يشير يوسف إلى أن حمروش كان يعتبر لطفي الخولي بجانب عكاشة من أكبر منافسيه.
أولى كتابات الراحل حمروش كان بعنوان "حرب العصابات" الذي صدر عام 1947 حين كان ضابطاً في الجيش المصري – يواصل يوسف – كذلك كتب الراحل ثلاث مسرحيات وعدة قصص قصيرة، كما كتب عن علاقة مصر بالسودان، وضرورة الوحدة بينهما.
يضيف يوسف : ظل حمروش يشيد بعبد الناصر وينحاز إليه، وفي مقاله الأخير عاتب الشاعر عبد الرحمن الأبنودي لمهاجمته عبد الناصر لما فعله بأبناء النوبة. من جانبه قال الكاتب صلاح عيسى أن حمروش كان أحد القلائل من ضباط الجيش المصري الذين انضموا إلى منظمات ماركسية في الأربعينيات، كما انه كان المسئول السياسي عن قسم الجيش في حركة "حدتو". وكان حمروش أول من أصدر مجلة ناطقة باسم 23 يوليو هي مجلة "التحرير"، التي كانت أساساً لما يعرف بدار التحرير للطبع والنشر .
أهم ما كتبه الراحل برأي عيسى هو كتابه عن ثورة يوليو الذي بدأ كتابته عام 1970 بعد وفاة عبد الناصر، واستطاع الحصول على شهادات عدد كبير من الضباط الأحرار الذين كانوا على قيد الحياة آنذاك، ويعد كتاب "قصة ثورة 23 يوليو" هو الكتاب العمدة في التأريخ للثورة.
كما كتب حمروش مذكرات محمد نجيب الأولى وصاغها بقلمه وخرجت بعنوان "كلمتي للتاريخ"، حيث حفظ شهادة نجيب عن الوقائع التي عاصرها في الثورة. وكما يقول عيسى فقد تميز حمروش إنسانياً بدماثة الأخلاق، فضلاً عن دأبه في العمل حيث ورث من الجيش الانضباط وحب العمل، كما كان متابعاً جيداً لكل ما ينشر بالصحف.
يذكر أن حمروش كانت له آراء هامة بخصوص ثورة يوليو، من بينها روايته أن الضباط الأحرار اتفقوا مع محمد نجيب على أن يظل في منزله حتى تنتصر الحركة ثم يستدعى لتولي رئاسة الجمهورية . وأكد أن ثورة يوليو كانت حقيقية لأنها ناهضت منذ اندلاع شرارتها الوجود الاستعماري في مصر، وأزالت طبقة الأقطاع ومكنت الفلاحين من حقوقهم ، ولكن كانت هناك سلبيات منها أن التوقيت الذي قامت به كان مفاجأة ولهذا لم تكن الأهداف كلها مصاغة مسبقا . وبرأي حمروش لم تكن الثورة أيدولوجية متكاملة حتى نحاسبها منذ لحظة قيامها، ومع ذلك فقد لعبت دورها الرائد في القومية العربية وخاصة بعد تأميم قناة السويس وبعد العدوان الثلاثي على مصر، وقطع أنابيب البترول عن العدو .