رئيس الوزراء يشهد فعالية الإعلان عن إنشاء مركز التجارة الإفريقي في العاصمة الجديدة    السياحة تنظم رحلة تعريفية لمنظمي الرحلات والمؤثرين الفرنسيين لزيارة المقصد المصري    الإغاثة الطبية في غزة: موجة الأمطار الأخيرة كشفت فشل الحلول المؤقتة    الفوج الثاني من البعثة المصرية يغادر إلى أنجولا للمشاركة في دورة الألعاب الإفريقية للشباب    غاز السخان يحول زفافًا حديثًا إلى مأساة في قرية ريده بالمنيا    عاجل- مدبولي: الإسراع في تنفيذ مستشفى التأمين الصحي الشامل بالعاصمة الجديدة أولوية لضمان تقديم خدمات طبية متكاملة    إخلاء سبيل والدة المتهم بالاعتداء على معلم ب"مقص" في الإسماعيلية    كمبوديا تعلن تعليق جميع المعابر الحدودية مع تايلاند    طلعات جوية أميركية مكثفة فوق ساحل فنزويلا    الصحف العالمية اليوم: مطاردة من القبر.. صور جديدة من تركة ابستين تقلق الكبار وأولهم ترامب.. ستارمر يستعد لاختيار سفير جديد لواشنطن وسط توتر العلاقات مع ترامب.. والإنفلونزا والإضرابات تهددان قطاع الصحة البريطانى    الأمين العام للأمم المتحدة: نقدر التزام الحكومة العراقية بالمضي قدمًا في خطط التنمية    النقابة العامة للأطباء تعقد اجتماعًا موسعًا لمناقشة تطبيق قانون المسؤولية الطبية الجديد    فليك يعلن قائمة برشلونة لمواجهة أوساسونا في الدوري الإسباني    أسعار الفاكهة والخضراوات اليوم السبت 13-12-2025 بأسواق أسيوط    عبد المنعم إمام يُسائل وزير التعليم عن واقعة انتهاك جسد أطفال بمدارس النيل المصرية الدولية    فيديو.. الأرصاد: عودة لسقوط الأمطار بشكل مؤثر على المناطق الساحلية غدا    محافظ الغربية يتابع أعمال كسح مياه الأمطار    ضبط 121 ألف مخالفة متنوعة في حملات لتحقيق الانضباط المروري خلال 24 ساعة    تموين الفيوم يضبط محطتين تموين سيارات يتلاعبان في المعيار الخاص بطلمبة سولار    محمود الليثي ينتهي من تسجيل أغاني مسلسل "الكينج"    غدا.. إزاحة الستار عن تمثال الملك أمنحتب الثالث في كوم الحيتان بعد 3 آلاف عام من الدفن    رئيس التعاون الإفريقى: زيارة الوفد المصرى لأنجولا خطوة لتعميق الشراكات الصناعية    روتين صباحي صحي يعزز المناعة مع برودة الطقس    إبراهيم حسن يشيد بإمكانات مركز المنتخبات الوطنية.. ومعسكر مثالي للاعبين    هل الجدل حوله يمنح فيلم الملحد إيرادات كبيرة؟    مصرع وإصابة 5 من أسرة واحدة في قرية الدير جنوب الأقصر.. صور    العرجاوي: الغرفة التجارية بالإسكندرية تبحث مع الجمارك و"إم تي إس" ميكنة التصدير    صحة دمياط تضرب بقوة في الريف، قافلة طبية شاملة تخدم 1100 مواطن بكفور الغاب مجانا    قبل انطلاقه.. النعماني يستقبل نجوم لجنة تحكيم "تياترو الجامعة" سامح حسين ولقاء سويدان    مهرجان القاهرة للفيلم القصير يعلن قائمة محكمي مسابقات دورته السابعة    القضاء الإداري يؤجل دعوى الإفراج عن هدير عبد الرازق وفق العفو الرئاسي إلى 28 مارس    الأهلي يواجه الجيش الرواندي في نصف نهائي بطولة إفريقيا لكرة السلة للسيدات    الأعلى للثقافة: الكشف الأثرى الأخير يفتح ملف عبادة الشمس ويعزز القيمة العالمية لجبانة منف    الصحة: فاكسيرا توقع بروتوكول تطوير المعامل المركزية لضمان جودة الأمصال واللقاحات    أمانة المراكز الطبية المتخصصة تكرّم إدارة الصيدلة بمستشفى الشيخ زايد التخصصي    لخدمة الشباب والنشء.. رئيس الوزراء يؤكد دعم الدولة للمشروعات الثقافية وتنمية الوعي بالمحافظات    مواعيد مباريات السبت 13 ديسمبر - بيراميدز ضد فلامنجو.. وليفربول يواجه برايتون    «أسرتي قوتي».. المجلس القومي لذوي الإعاقة يطلق برامج شاملة لدعم الأسر    تربية بني سويف تنفذ تدريبًا للمعلمين على مهارات المعلم الرقمي    استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي في جباليا    "عربية النواب": اتصال السيسي وماكرون يعكس التوافق حول حتمية حل الدولتين    وزيرة التضامن الاجتماعي تلتقي رئيس الطائفة الإنجيلية ووفد من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    البيت الأبيض بعد نشر صور جديدة من تركة إبستين: خدعة من الديمقراطيين    السكك الحديدية تعتذر للركاب لهذا السبب    الخدمة هنا كويسة؟.. رئيس الوزراء يسأل سيدة عن خدمات مركز طحانوب الطبى    وزير الرياضة يطلق نصف ماراثون الأهرامات 2025    إدراج معهد بحوث الإلكترونيات ضمن لائحة منظمة الألكسو لمراكز التميز العربية    تشويه الأجنة وضعف العظام.. 5 مخاطر كارثية تسببها مشروبات الدايت الغازية    بيراميدز يتحدى فلامنجو البرازيلي على كأس التحدي    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك بدقه    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    اسعار الذهب اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى محال الصاغه بالمنيا    "يا ولاد صلّوا على النبي".. عم صلاح يوزّع البلّيلة مجانًا كل جمعة أمام الشجرة الباكية بمقام الشيخ نصر الدين بقنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    هشام نصر: سنرسل خطابا لرئيس الجمهورية لشرح أبعاد أرض أكتوبر    محافظ الدقهلية يهنئ الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم من أبناء المحافظة    ننشر نتيجة إنتخابات نادي محافظة الفيوم.. صور    تعيين الأستاذ الدكتور محمد غازي الدسوقي مديرًا للمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثيقة نوبل وابن الحضارتين
نشر في محيط يوم 01 - 03 - 2015

ما زلنا مع وثيقة نوبل، متمثِّلة فى الكلمة البديعة، التى كتبها أديب مصر العالمى نجيب محفوظ، لتلقى باسمه فى حفل تسلُّم الجائزة، وهو الحفل الذى لم يحضره هو، وحضرت عنه ابنتاه: أم كلثوم وفاطمة.
لا أظن أن هذه الكلمة البديعة البليغة، قد لقيت من العناية والتأمُّل والتدبُّر ما تستحقه، ومن الكشف عن معانيها النافذة ودروسها العميقة، ما يجعل منها وثيقة تاريخية، تضاف بحق إلى آثار نجيب محفوظ وعالمه الإبداعى الحافل. ولأن نجيب محفوظ كان يدرك القيمة التاريخية والأدبية لما يقول - بوصفه أول مبدع عربى ينال جائزة نوبل، وتتجه إليه الأنظار من كل بقاع العالم، فى لحظة مفعمة بالدهشة والتساؤل- فقد تمكن بكل ما لديه من الدربة والمهارة، أن يعزف على أوتار شديدة الوخز والتنبيه. بدأت برجائه إلى أصحاب الحفل أن يتقبلوا بسعة صدر حديثه إليهم بلغة غير معروفة لدى الكثيرين منهم هى اللغة العربية. لكنها هى الفائز الحقيقى بالجائزة: افمن الواجب أن تسبح أنغامها فى واحتكم الحضارية لأول مرة، وإنى كبير الأمل ألا تكون المرة الأخيرة، وأن يسعد الأدباء من قومى بالجلوس بكل جدارة بين أدبائكم العالميين الذين نشروا أريج البهجة والحكمة فى دنيانا المليئة بالشجن».
ثم وهو يقدم نفسه إليهم بالموضوعية التى تتيحها الطبيعة البشرية قائلا: أنا ابن حضارتين تزوجتا فى عصر من عصور التاريخ زواجا موفقا، أولاهما: عمرها سبعة آلاف سنة وهى الحضارة الفرعونية، وثانيتهما: عمرها ألف وأربعمائة سنة، وهى الحضارة الإسلامية ولعلى لست فى حاجة إلى التعريف بأى من الحضارتين لأحد منكم، وأنتم من أهل الصفوة والعلم، ولكن لا بأس من التذكير ونحن فى مقام النجوى والتعارف.
وعن الحضارة الفرعونية: لن أتحدث عن الغزوات وبناء الإمبراطوريات فقد أصبح ذلك من المفاخر البالية التى لا ترتاح لذكرها الضمائر الحديثة والحمد لله. ولن أتحدث عن اهتدائها لأول مرة إلى الله سبحانه وتعالى وكشفها عن فجر الضمير البشرى فذلك مجال طويل، فضلا عن أنه لا يوجد بينكم من لم يُلمّ بسيرة الملك النبى إخناتون. بل لن أتحدث عن إنجازاتها فى الفن والأدب ومعجزاتها الشهيرة: الأهرام وأبو الهول والكرنك. فمن لم يسعده الحظ بمشاهدة تلك الآثار فقد قرأ عنها وتأمل صورها. دعونى أقدمها - أى الحضارة الفرعونية - بما يشبه القصة مادامت الظروف الخاصة بى قضت بأن أكون قصاصا، فتفضلوا بسماع هذه الواقعة التاريخية المسجَّلة. تقول أوراق البردى إن أحد الفراعنة قد نمى إليه أن علاقة آثمة نشأت بين بعض نساء الحريم وبعض رجال الحاشية. وكان المتوقع أن يجهز على الجميع، فلا يشذ فى تصرفه عن مناخ زمانه. ولكنه دعا إلى حضرته نخبة من رجال القانون وطالبهم بالتحقيق فيما نمى إلى علمه. وقال لهم إنه يريد الحقيقة ليحكم بالعدل. ذلك السلوك فى رأيى أعظم من بناء إمبراطورية وتشييد الأهرامات، وأدلّ على تفوق الحضارة من أى أُبهة أو ثراء. وقد زالت الإمبراطورية وأصبحت خبرا من أخبار الماضى وسوف تتلاشى الأهرام ذات يوم، ولكن الحقيقة والعدل سيبقيان مادام فى البشرية عقل يتطلع أو ضمير ينبض.
وعن الحضارة الإسلامية: فلن أحدثكم عن دعواتها إلى إقامة وحدة بشرية فى رحاب الخالق تنهض على الحرية والمساواة والتسامح، ولا عن عظمة رسولها. فمن مُفكّريكم من كرّمه كأعظم رجل فى تاريخ البشرية. ولا عن فتوحاتها التى غرست آلاف المآذن الداعية للعبادة والتقوى والخير، على امتداد أرض مترامية ما بين مشارف الهند والصين وحدود فرنسا. ولا عن المؤاخاة التى تحققت فى حضنها بين الأديان والعناصر، فى تسامح لم تعرفه الإنسانية من قبل ولا من بعد. ولكنى سأقدمها فى موقف درامى مؤثر يلخص سمةً من أبرز سماتها. ففى إحدى معاركها الظافرة مع الدولة البيزنطية ردّت الأسرى فى مقابل عدد من كتب الفلسفة والطب والرياضة من التراث الإغريقى العتيد. وهى شهادة قيمة للروح الإنسانى فى طموحه إلى العلم والمعرفة، رغم أن الطالب يعتنق دينا سماويا والمطلوب ثمرة حضارة وثنية.
ثم يعقب نجيب محفوظ - فى كلمته المؤثرة - على ما ذكره من سمات هاتين الحضارتين: الفرعونية والإسلامية بقوله: «قُدّر لى يا سادة أن أولد فى حضن هاتين الحضارتين، وأن أرضع لبانهما وأتغذى على آدابهما وفنونهما. ثم ارتويت من رحيق ثقافتكم الثرية الفاتنة، ومن وحى ذلك كله - بالإضافة إلى شجونى الخاصة - ندّت عنى كلمات أسعدها الحظ باستحقاق تقدير أكاديميتكم الموقرة، فتوّجت اجتهادى بجائزة نوبل الكبري، فالشكر أقدمه لها باسمى وباسْم البناة العظام الراحلين من مؤسسى الحضارتين».
لقد أعاد كتاب «محاكمة أولاد حارتنا» للأديب والمحامى الفذ الدكتور أحمد السيد عوضين، الذى كان يترافع عن نجيب محفوظ فى قضية رواية أولاد حارتنا، وما انتهى إليه الحكم من براءة الكاتب الكبير من تهمة ازدراء الأديان، الأمر الذى مهد لطبع الرواية فى مصر - أقول إن هذا الكتاب الحديث الصدور عن دار المعارف فى العام الماضى - قد أعاد تذكيرى بوثيقة نوبل المتمثلة فى كلمة نجيب محفوظ الضافية والعميقة، وهى تكشف عن الجانب الأصيل فيه الذى التفت إليه بعض الدارسين، حين كان حديثهم عن نجيب محفوظ مفكرًا يسير بالتوازى - فى القدر والقيمة مع نجيب محفوظ مبدعا روائيا. فالنسيج الفكرى الممتد فى ثنايا كتابات نجيب محفوظ جميعها، يشهد لأديبنا العالمى بالرؤية العميقة السمحة، والتمثل الصافى الجميل لعطاء الحضارات، والالتفات الدائم إلى معنى الضمير الإنساني، والتأكيد المستمر لقيمة العدل والقانون. ولقد كان لهذه الخلفية الفكرية العميقة والشاملة أثرها البارز فى شحن عالمه القصصى والروائى بأبعاد إنسانية ذائبة فى رؤى سياسية واجتماعية وحياتية وروحية. الأمر الذى جعل من إبداع نجيب محفوظ عالما يضج بالثراء والتنوع والسّبْر النافذ فى أعماق النفس الإنسانية.
ومع إعادة التذكير بهذه الوثيقة الأدبية والفكرية والتاريخية النادرة، أعود بدورى لتذكير المسئولين عن مؤسساتنا التعليمية والثقافية بجوهر ما تشتمل عليه من قيم ورؤي، ونحن فى معركتنا المصيرية الراهنة مع الإرهابيين والشواذ الخارجين على قانون الحياة والوجود، الذين لم تسل فى عروقهم قطرة واحدة من دماء هاتين الحضارتين الخالدتين، بحيث تصبح كلمات نجيب محفوظ بين أيدى النشء المتعلم فى مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، ومدارا للحوار والكشف والتأمل فى ساحاتنا الثقافية الممتدة فى المراكز والكفور والنجوع، وإلهاما لكل من يقفون اليوم - بوعى وحكمة وثبات - إلى جانب العدل والقانون فى معركة البقاء والمصير.
نقلا عن " الاهرام" المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.