البحوث الفلكية يكشف عن سر شعور سكان مصر بزلزال تركيا ويوجه رسالة إلى المواطنين    المعهد القومي للبحوث الفلكية يطمئن المواطنين: مصر لا تقع في حزام الزلازل    أنباء عن هزة أرضية شعر بها سكان القاهرة وعدد من المحافظات    زلزال قوي يضرب القاهرة الكبرى وبعض المحافظات    طقس معتدل والعظمى في القاهرة 31.. حالة الطقس اليوم    الجارديان: استهداف المدارس المستخدمة كملاجئ في غزة "جزء من استراتيجية قصف متعمدة"    «المسافة صفر».. اشتباكات ضارية بين كتائب القسام وجيش الاحتلال في جباليا    بدء التصويت في الانتخابات الرئاسية بكوريا الجنوبية    ترامب: لن نسمح بأي تخصيب لليورانيوم في إيران    مواعيد مباريات مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية 2025    مروان عطية: جوميز طلب انضمامي للفتح السعودي.. وهذا قراري    الكشف عن حكام نهائي كأس مصر بين الزمالك وبيراميدز    بيل جيتس يُعلن استثمار 200 مليار دولار في الصحة والتعليم بأفريقيا خلال 20 عامًا    وسط تحذيرات صهيونية من دخولها . اعتقالات تطال مهجّري شمال سيناء المقيمين بالإسماعيلية بعد توقيف 4 من العريش    أحفاد نوال الدجوي يبدأون مفاوضات الصلح وتسوية خلافات الميراث والدعاوى القضائية    التعليم: البكالوريا اختيارية العام المقبل بعد إقرار البرلمان.. و88% من أولياء الأمور يؤيدون النظام    محامي نوال الدجوي يكشف وصية سرية من نجلتها الراحلة منى    أهم الأعمال المستحبة في العشر الأواخر من ذي الحجة    البيت الأبيض يعلن استعداد ترامب للقاء بوتين وزيلينسكي    رسميًا بالزيادة الجديدة.. موعد صرف معاشات شهر يوليو 2025 وحقيقة تبكيرها قبل العيد    طرح لحوم بلدية بأسعار مخفضة في الوادي الجديد استعدادًا لعيد الأضحى    مستقبل وطن بالأقصر يُنظم معرض «أنتِ عظيمة» لدعم الحرف اليدوية والصناعة المحلية    محامي دولي يفجر مفاجاة بشأن قرار المحكمة الرياضية المنتظر في أزمة القمة    «أنا مش مغيب!».. تعليق مثير من هاني سعيد على احتفالات بيراميدز بعد مواجهة سيراميكا    قناة الأهلي: هناك أزمة في مشاركة ديانج بكأس العالم للأندية    مجلس الاتحاد السكندري يرفض استقالة مصيلحي    بمشاركة 500 صيدلي.. محافظ قنا يشهد افتتاح مؤتمر صيادلة جنوب الصعيد الأول    1400 طالب يوميًا يستفيدون من دروس التقوية في مساجد الوادي الجديد    عاشور يهنئ فلوريان أشرف لفوزها بجائزة أفضل دكتوراه في الصيدلة من جامعات باريس    ارتفاع كبير ب840 للجنيه.. مفاجأة في أسعار الذهب اليوم الثلاثاء بالصاغة (محليًا وعالميًا)    سقوط «نملة» بحوزته سلاح آلي وكمية من المخدرات بأسوان    التعليم: زيادة أفراد الأمن وعناصر إدارية على أبواب لجان الثانوية العامة لمنع الغش    لماذا لا يرغب تامر حسني في دخول ابنته تاليا المجال الفني؟    أحمد السقا يوجه رسالة تهنئة ل ابنته بمناسبة تخرجها    بسبب لحن أغنية.. بلاغ من ملحن شهير ضد حسين الجسمي    رحمة محسن: اشتغلت على عربية شاي وقهوة وأنا وأحمد العوضي وشنا حلو على بعض    "أوقاف سوهاج" تطلق حملة توعوية لتقويم السلوكيات السلبية المصاحبة للأعياد    لاند روفر ديفندر 2026 تحصل على أضواء مُحسّنة وشاشة أكبر    مصدر أمني يكشف ملابسات فيديو لمركبات تسير في الحارة المخصصة للأتوبيس الترددي    قرار من رئيس جامعة القاهرة بشأن الحالة الإنشائية للأبنية التعليمية    طريقة عمل شاورما اللحم، أكلة لذيذة وسريعة التحضير    عامل يتهم 3 أشخاص بسرقة شقته في الهرم    الكشف عن تمثال أسمهان بدار الأوبرا بحضور سلاف فواخرجي    تزوج فنانة شهيرة ويخشى الإنجاب.. 18 معلومة عن طارق صبري بعد ارتباط اسمه ب مها الصغير    4 أبراج «بيعرفوا ياخدوا قرار»: قادة بالفطرة يوزّعون الثقة والدعم لمن حولهم    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات الأخرى قبل بداية تعاملات الثلاثاء 3 يونيو 2025    صرف 11 مليون جنيه منحة عيد الأضحى ل7359 عاملًا بالوادي الجديد    حين يتعطر البيت.. شاهد تطيب الكعبة في مشاهد روحانية    سعد الهلالي: كل الأضحية حق للمضحي.. ولا يوجد مذهب ينص على توزيعها 3 أثلاث    أسطورة ميلان: الأهلي سيصنع الفارق بالمونديال.. وما فعله صلاح خارقًا    أخبار 24 ساعة.. برنامج جديد لرد أعباء الصادرات بقيمة 45 مليار جنيه في الموازنة    وزارة الإنتاج الحربي تنظم ندوات توعوية للعاملين بالشركات    أمين الفتوى يحسم حكم توزيع لحوم أو مال بدلاً عن الأضحية    القومي للبحوث يقدم نصائح مهمة لكيفية تناول لحوم العيد بشكل صحي    رئيس الشيوخ يهنئ الرئيس والشعب المصري بحلول عيد الأضحى المبارك    الرئيس السيسى يستقبل مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثيقة نوبل وابن الحضارتين
نشر في محيط يوم 01 - 03 - 2015

ما زلنا مع وثيقة نوبل، متمثِّلة فى الكلمة البديعة، التى كتبها أديب مصر العالمى نجيب محفوظ، لتلقى باسمه فى حفل تسلُّم الجائزة، وهو الحفل الذى لم يحضره هو، وحضرت عنه ابنتاه: أم كلثوم وفاطمة.
لا أظن أن هذه الكلمة البديعة البليغة، قد لقيت من العناية والتأمُّل والتدبُّر ما تستحقه، ومن الكشف عن معانيها النافذة ودروسها العميقة، ما يجعل منها وثيقة تاريخية، تضاف بحق إلى آثار نجيب محفوظ وعالمه الإبداعى الحافل. ولأن نجيب محفوظ كان يدرك القيمة التاريخية والأدبية لما يقول - بوصفه أول مبدع عربى ينال جائزة نوبل، وتتجه إليه الأنظار من كل بقاع العالم، فى لحظة مفعمة بالدهشة والتساؤل- فقد تمكن بكل ما لديه من الدربة والمهارة، أن يعزف على أوتار شديدة الوخز والتنبيه. بدأت برجائه إلى أصحاب الحفل أن يتقبلوا بسعة صدر حديثه إليهم بلغة غير معروفة لدى الكثيرين منهم هى اللغة العربية. لكنها هى الفائز الحقيقى بالجائزة: افمن الواجب أن تسبح أنغامها فى واحتكم الحضارية لأول مرة، وإنى كبير الأمل ألا تكون المرة الأخيرة، وأن يسعد الأدباء من قومى بالجلوس بكل جدارة بين أدبائكم العالميين الذين نشروا أريج البهجة والحكمة فى دنيانا المليئة بالشجن».
ثم وهو يقدم نفسه إليهم بالموضوعية التى تتيحها الطبيعة البشرية قائلا: أنا ابن حضارتين تزوجتا فى عصر من عصور التاريخ زواجا موفقا، أولاهما: عمرها سبعة آلاف سنة وهى الحضارة الفرعونية، وثانيتهما: عمرها ألف وأربعمائة سنة، وهى الحضارة الإسلامية ولعلى لست فى حاجة إلى التعريف بأى من الحضارتين لأحد منكم، وأنتم من أهل الصفوة والعلم، ولكن لا بأس من التذكير ونحن فى مقام النجوى والتعارف.
وعن الحضارة الفرعونية: لن أتحدث عن الغزوات وبناء الإمبراطوريات فقد أصبح ذلك من المفاخر البالية التى لا ترتاح لذكرها الضمائر الحديثة والحمد لله. ولن أتحدث عن اهتدائها لأول مرة إلى الله سبحانه وتعالى وكشفها عن فجر الضمير البشرى فذلك مجال طويل، فضلا عن أنه لا يوجد بينكم من لم يُلمّ بسيرة الملك النبى إخناتون. بل لن أتحدث عن إنجازاتها فى الفن والأدب ومعجزاتها الشهيرة: الأهرام وأبو الهول والكرنك. فمن لم يسعده الحظ بمشاهدة تلك الآثار فقد قرأ عنها وتأمل صورها. دعونى أقدمها - أى الحضارة الفرعونية - بما يشبه القصة مادامت الظروف الخاصة بى قضت بأن أكون قصاصا، فتفضلوا بسماع هذه الواقعة التاريخية المسجَّلة. تقول أوراق البردى إن أحد الفراعنة قد نمى إليه أن علاقة آثمة نشأت بين بعض نساء الحريم وبعض رجال الحاشية. وكان المتوقع أن يجهز على الجميع، فلا يشذ فى تصرفه عن مناخ زمانه. ولكنه دعا إلى حضرته نخبة من رجال القانون وطالبهم بالتحقيق فيما نمى إلى علمه. وقال لهم إنه يريد الحقيقة ليحكم بالعدل. ذلك السلوك فى رأيى أعظم من بناء إمبراطورية وتشييد الأهرامات، وأدلّ على تفوق الحضارة من أى أُبهة أو ثراء. وقد زالت الإمبراطورية وأصبحت خبرا من أخبار الماضى وسوف تتلاشى الأهرام ذات يوم، ولكن الحقيقة والعدل سيبقيان مادام فى البشرية عقل يتطلع أو ضمير ينبض.
وعن الحضارة الإسلامية: فلن أحدثكم عن دعواتها إلى إقامة وحدة بشرية فى رحاب الخالق تنهض على الحرية والمساواة والتسامح، ولا عن عظمة رسولها. فمن مُفكّريكم من كرّمه كأعظم رجل فى تاريخ البشرية. ولا عن فتوحاتها التى غرست آلاف المآذن الداعية للعبادة والتقوى والخير، على امتداد أرض مترامية ما بين مشارف الهند والصين وحدود فرنسا. ولا عن المؤاخاة التى تحققت فى حضنها بين الأديان والعناصر، فى تسامح لم تعرفه الإنسانية من قبل ولا من بعد. ولكنى سأقدمها فى موقف درامى مؤثر يلخص سمةً من أبرز سماتها. ففى إحدى معاركها الظافرة مع الدولة البيزنطية ردّت الأسرى فى مقابل عدد من كتب الفلسفة والطب والرياضة من التراث الإغريقى العتيد. وهى شهادة قيمة للروح الإنسانى فى طموحه إلى العلم والمعرفة، رغم أن الطالب يعتنق دينا سماويا والمطلوب ثمرة حضارة وثنية.
ثم يعقب نجيب محفوظ - فى كلمته المؤثرة - على ما ذكره من سمات هاتين الحضارتين: الفرعونية والإسلامية بقوله: «قُدّر لى يا سادة أن أولد فى حضن هاتين الحضارتين، وأن أرضع لبانهما وأتغذى على آدابهما وفنونهما. ثم ارتويت من رحيق ثقافتكم الثرية الفاتنة، ومن وحى ذلك كله - بالإضافة إلى شجونى الخاصة - ندّت عنى كلمات أسعدها الحظ باستحقاق تقدير أكاديميتكم الموقرة، فتوّجت اجتهادى بجائزة نوبل الكبري، فالشكر أقدمه لها باسمى وباسْم البناة العظام الراحلين من مؤسسى الحضارتين».
لقد أعاد كتاب «محاكمة أولاد حارتنا» للأديب والمحامى الفذ الدكتور أحمد السيد عوضين، الذى كان يترافع عن نجيب محفوظ فى قضية رواية أولاد حارتنا، وما انتهى إليه الحكم من براءة الكاتب الكبير من تهمة ازدراء الأديان، الأمر الذى مهد لطبع الرواية فى مصر - أقول إن هذا الكتاب الحديث الصدور عن دار المعارف فى العام الماضى - قد أعاد تذكيرى بوثيقة نوبل المتمثلة فى كلمة نجيب محفوظ الضافية والعميقة، وهى تكشف عن الجانب الأصيل فيه الذى التفت إليه بعض الدارسين، حين كان حديثهم عن نجيب محفوظ مفكرًا يسير بالتوازى - فى القدر والقيمة مع نجيب محفوظ مبدعا روائيا. فالنسيج الفكرى الممتد فى ثنايا كتابات نجيب محفوظ جميعها، يشهد لأديبنا العالمى بالرؤية العميقة السمحة، والتمثل الصافى الجميل لعطاء الحضارات، والالتفات الدائم إلى معنى الضمير الإنساني، والتأكيد المستمر لقيمة العدل والقانون. ولقد كان لهذه الخلفية الفكرية العميقة والشاملة أثرها البارز فى شحن عالمه القصصى والروائى بأبعاد إنسانية ذائبة فى رؤى سياسية واجتماعية وحياتية وروحية. الأمر الذى جعل من إبداع نجيب محفوظ عالما يضج بالثراء والتنوع والسّبْر النافذ فى أعماق النفس الإنسانية.
ومع إعادة التذكير بهذه الوثيقة الأدبية والفكرية والتاريخية النادرة، أعود بدورى لتذكير المسئولين عن مؤسساتنا التعليمية والثقافية بجوهر ما تشتمل عليه من قيم ورؤي، ونحن فى معركتنا المصيرية الراهنة مع الإرهابيين والشواذ الخارجين على قانون الحياة والوجود، الذين لم تسل فى عروقهم قطرة واحدة من دماء هاتين الحضارتين الخالدتين، بحيث تصبح كلمات نجيب محفوظ بين أيدى النشء المتعلم فى مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، ومدارا للحوار والكشف والتأمل فى ساحاتنا الثقافية الممتدة فى المراكز والكفور والنجوع، وإلهاما لكل من يقفون اليوم - بوعى وحكمة وثبات - إلى جانب العدل والقانون فى معركة البقاء والمصير.
نقلا عن " الاهرام" المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.