في مثل هذا اليوم من العام 1922 من القرن الماضي انتهت الحماية البريطانية على مصر والتي بدأت في 18 ديسمبر 1914، وغُير فيها اسم الدولة إلى السلطنة المصرية، وتعتبر تلك الفترة تاريخيا جزء من الاحتلال البريطاني لمصر. إعلان الحماية عندما نشبت الحرب العالمية الأولى وضعت بريطانيا مصر تحت حمايتها وأنهت السيادة العثمانية عليها كما قامت بخلع الخديوي عباس حلمي الثاني ونصبت السلطان حسين كامل مكانه. وأعلن وزير خارجية ملك بريطانيا وضع مصر تحت حماية انجلترا، نظرا لحالة الحرب الناشئة مع تركيا وأصبحت بذلك مصر تحت الحماية البريطانية. وانتهت بذلك سيادة تركيا على مصر، وقالت حكومة ملك بريطانيا أنها ستتخذ جميع الإجراءات الضرورية للدفاع عن مصر وحماية سكانها ومصالحها. وعندما نشبت الحرب، عهد بحماية مصر إلى جيش الاحتلال البريطاني، بينما اضطلع الجيش المصري متعاونا مع الحامية البريطانية الصغيرة في الخرطوم بمسئولية الأمن في السودان. وقامت جنود السودان بمساعدة فعالة في أثناء الحرب، ووضعت مخازن الجيش، ومستشفياته وإدارات ذخائره تحت تصرف الحاميات المصرية. نتائج الحماية أنهت الحماية البريطانية السيادة العثمانية على مصر بعدما كانت قبل الإعلان ولاية تابعة للدولة العثمانية. وتم خلع الخديوي عباس حلمي الثاني "المنحاز" لتركيا، وتنازل عن أي دعاوي أو حقوق في العرش نظير مبلغ 30000، وعين عمه حسين كامل بدلا منه، وتم إلغاء نظارة الخارجية المصرية. وسخرت إمكانيات مصر ومقوماتها الاقتصادية لخدمة الوجود العسكري البريطاني مما زاد من معاناة الطبقة الكادحة خاصة العمال والفلاحين وهو أهم عوامل قيام ثورة 1919 م بعد ذلك. ثورة 1919 كانت الأوضاع في تلك الفترة يسودها الظلم والفقر والاستغلال طيلة أربع سنوات هي عمر الحرب العالمية الأولي، ففي الريف كانت تصادَر ممتلكات الفلاحين من ماشية ومحصول لأجل المساهمة في تكاليف الحرب، وكان هناك إجبار للفلاحين على زراعة المحاصيل التي تتناسب مع متطلبات الحرب، وبيعها بأسعار قليلة. كما تم تجنيد مئات الآلاف من الفلاحين بشكل قسري للمشاركة في الحرب فيما سمي ب "فرقة العمل المصرية" التي استخدمت في الأعمال المعاونة وراء خطوط القتال في سيناء وفلسطين والعراق وفرنسا وبلجيكا وغيرها. وكان هناك نقص حاد في السلع الأساسية، وتدهورت الأوضاع المعيشية لسكان الريف والمدن، وشهدت مدينتا القاهرة والإسكندرية مظاهرات للعاطلين ومواكب للجائعين تطورت أحيانا إلى ممارسات عنيفة تمثلت في النهب والتخريب، ولم تفلح إجراءات الحكومة لمواجهة الغلاء، مثل توزيع كميات من الخبز على سكان المدن أو محاولة ترحيل العمال العاطلين إلى قراهم، في التخفيف من حدة الأزمة، كذلك تعرض العمال ونقاباتهم لهجوم بسبب إعلان الأحكام العرفية وإصدار القوانين التي تحرم التجمهر والإضراب. الوفد المصري وخطرت للزعيم سعد زغلول فكرة تأليف الوفد المصري للدفاع عن قضية مصر سنة 1918م، ودعا أصحابه إلى مسجد "وصيف" للتحدث فيما كان ينبغي عمله للبحث في المسألة المصرية بعد هدنة الحرب العالمية الأولى عام 1918. وتم تشكيل الوفد المصري الذي ضم سعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي وأحمد لطفي السيد وآخرين، وأطلقوا على أنفسهم "الوفد المصري". اعتقال سعد وقام الوفد المصري بجمع توقيعات من أصحاب الشأن وذلك بقصد إثبات صفتهم التمثيلية وجاء في الصيغة: "نحن الموقعين على هذا قد أنبنا عنا حضرات: سعد زغلول و.. في أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعي سبيلاً في استقلال مصر تطبيقاً لمبادئ الحرية والعدل التي تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمى". وعلى اثر ذلك اعتقل سعد زغلول ونفي إلى جزيرة مالطة بالبحر المتوسط هو ومجموعة من رفاقه في 8 مارس 1919م، فانفجرت ثورة 1919م. اندلاع الثورة وفي اليوم التالي لاعتقال سعد زغلول وأعضاء الوفد، أشعل طلبة الجامعة في القاهرة شرارة التظاهرات، وفي غضون يومين، امتد نطاق الاحتجاجات ليشمل جميع الطلبة بما فيهم طلبة الأزهر. وبعد أيام قليلة كانت الثورة قد اندلعت في جميع الأنحاء من قرى ومدن، ففي القاهرة قام عمال الترام بإضراب مطالبين بزيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل وغيرها، وتم شل حركة الترام شللا كاملا، تلا ذلك إضراب عمال السكك الحديدية. لجنة ملنر وبعد أن هدأت الثورة أوفدت "انجلترا" لجنة "ملنر" التي قاطعها الوفد؛ نتيجة إصرار الحكومة البريطانية على عدم إلغاء الحماية إلا إذا اعترفت مصر رسميًا بكل ما تدعيه بريطانيا من مصالح لها في مصر. ونتيجة لعدم قبول الشعب المصري لهذا الشرط أعلنت "بريطانيا" من جانب واحد انتهاء الحماية، واستقلال "مصر" بمقتضى تصريح 28 فبراير 1922. تصريح 28 فبراير في 28 فبراير 1922 أعلنت بريطانيا من طرف واحد في لندنوالقاهرة إنهاء الحماية البريطانية على مصر، وان مصر "دولة مستقلة لها سيادة"، لكنها احتفظت بحق تأمين مواصلات إمبراطوريتها في مصر، وحقها في الدفاع عنها ضد أي اعتداء أو تدخل أجنبي، وحماية المصالح الأجنبية والأقليات فيها، وإبقاء الوضع في السودان على ما هو عليه. إلا أن التحفظات الأربعة لم تعط مصر استقلالا فعليا ففرض الأحكام العرفية استمر، ووجود جيش بريطاني في مصر، يعنى حرمان مصر من تكوين جيش مصري، كما أن تبرير التدخل البريطاني في شئون مصر يعني فصل مصر عن السودان. بيد أن أهم الايجابيات هو دخول مصر في المرحلة الليبرالية وتعنى الأمة المصرية أصبحت هي مصدر السلطات فقد تألفت لجنة لوضع الدستور الجديد (دستور1923) ولكن الملك تدخل لإعطاء نفسه بعض الصلاحيات في الدستور للتدخل في شئون مصر حيث أصبح من حقه حل البرلمان دون قيد أو شرط أو إقالة الوزارة مهما كانت رغبة الشعب.