تجد الأقلية المسلمة أقصى شمالي الكاميرون نفسها على رأس لائحة من تسلط عليه فظاعات بوكو حرام وانتهاكاتها منذ بضعة أشهر. وتكمن المفارقة في أن التنظيم النيجيري المسلح يرتكب هذه الانتهاكات "بإسم الإسلام"، بحسب تصريحات أئمة كاميرونيين . مسلمو الكاميرون الذين تبلغ نسبتهم من مجموع عدد السكان 20.9 بالمئة بحسب بيانات ديمغرافية رسمية حديثة، يتركزون بالخصوص في منطقة أقصى الشمال على الحدود مع نيجيريا، تحديدا حيث تنشط جماعة بوكو حرام. مدينة "فوتوكول" الكاميرونية التي لا يفصلها عن نيجيريا أكثر من كيلومتر واحد، مازالت إلى اليوم تنعى أكثر من 200 من الضحايا يشكل منهم المسلمون السواد الأعظم، قتلوا بوحشية قل أن وجد لها مثيل. وتتمثل الواقعة في اقتحام حوالي 800 من عناصر بوكو حرام البلدة حيث هاجموا العشرات من المصلين من الذين كانوا يتهيؤون لأداء صلاة الفجر، فاتحين النار على الجميع، فسقط المصلون تحت وابل من الرصاص، بمن في ذلك إمام المسجد، ولم يكتف الجناة بذلك، بل قاموا بإشعال النيران في المسجد، انتقاما على ما يبدو لعدم تعاون الاهالي معهم ضد الجيش الكاميروني. "هذه الهجمات هي إهانة للإسلام"، كانت هذه كلمات "عليم غارغا لاميدو"، كبير الأئمة في مدينة "غاروا" الكاميرونية التي علق بها على الحادثة في تصريحه لوكالة "الأناضول." وأضاف "غارغا: "الإسلام لم يدع يوما إلى إيذاء أي كان، و ما حدث للسكان في فوتوكول أمر مؤسف جدا، فالإسلام دين سلام ولم يكن يوما دين توحش. أدين بشدة ما حدث في فوتوكول وفي أي مكان آخر بالكاميرون أو في نيجيريا أو في التشاد أو في النيجر". وفي خطوة تهدف إلى تفادي تجنيد من يمكن تجنيدهم من السكان، وترسيخ قراءة خاطئة للدين في أذهان العديدين، قام "غارغا" بعملية غربلة للأئمة الذين يعتلون المنابر ولم يترك منهم إلا أولئك المرخص لهم لتقلد هذا المنصب الدقيق. وعلل هذه الخطوة بالقول: "ما يحصل في أقصى الشمال، يمكن أن يحصل في مناطق أخرى من البلاد إذا لم نتوخ الحذر، ولتجنب عملية غسل الدماغ التي يقوم بها البعض قصد ضمهم إلى صفوفهم، طلبت من جميع الأئمة الذين يشتغلون تحت إمرتي، مدي بمحاور الخطب التي سيلقونها أمام المصلين". وتابع "غارغا" وفي صوته قبس من الاستياء: "نحن نفهم إسلامنا جيدا ولسنا بحاجة إلى من يعتقدون أنهم يفهمون هذا الدين أفضل منا. لقد قامت بوكو حرام بتجنيد شبان في غاروا، وأنا من جانبي قمت بجولة على جميع البلدات التابعة لنطاق سلطتي "الدينية" وطلبت من شيوخها التنسيق مع قوات الدفاع والسلطات الإدارية الكاميرونية. ينبغي عليهم الإعلام عن أي شخص مشبوه يفد عليهم من خارج هذه القرى". من جانبه، عبر "عبد القادر عبد الله"، إمام بلدة "راي بوبا" شمالي الكاميرون، ونائب رئيس مجلس شيوخ منطقة الشمال عن "عميق تأثره" بهذه الانتهاكات التي يعيشها سكان أقصى الشمال بشكل يومي. قال "عبد الله" كمن لم يستوعب بعد ما يجري من فظاعات سلطت تسليطا على أبناء بلده: "إنه لأمر محزن حقا ما يجري في بلادنا وبالخصوص لإخوتنا وأخواتنا في أقصى الشمال. قلوبنا معهم ونأمل أنه مع التزام الدولة ومشاركة الدول الشقيقة، سنتمكن قريبا من وضع حد لهذه المعاناة". وشدد على أن "عناصر بوكو حرام هم مجموعة من المجرمين وقطاع الطرق يريدون منا أن نصدق أنهم يقومون بما يقومون به تحت إسم الله عز وجل. الله لم يأمر قط بأن يستغل إسمه لقتل أي كان. ليس مذكورا في القرآن الكريم أنه ينبغي أن تنزع الحياة عن أي كان في سبيل الله". وعلى إثر عدة جلسات تشاورية مع أبناء وبنات منطقة أقصى الشمال بشأن بوكو حرام، سار "لاميدو" "راي بوبا" على خطوات "لاميدو" مدينة "غاروا" بأن دعا السكان المسلمين لأن يساهموا في المعركة، بل وأن يكونوا جزء لا يتجزأ منها، ضد بوكو حرام". "الشيخ ابراهيم مبومو مبارك"، رئيس "جمعية أئمة الكاميرون" من جانبه، اعتبر أن تقنين مجال الخطب الدينية ومجال المدارس القرآنية، إلى جانب إنشاء آليات للمراقبة، وتعزيز حضور الدولة من شأنه أن يمثل الإجابة الأنسب لتردي الوضع الراهن. وبرر "الشيخ ابراهيم" ذلك في ختام كلامه قائلا بأن "البعض يشرف على الشأن الديني دون ترخيص مسبق، وهو ما مهد الطريق أما الحركات المتطرفة للولوج إلى الكاميرون".