مع تزايد الأحاديث حول عزم التحالف الدولي بدء مرحلة التدخل البري ضد تنظيم "داعش" الإرهابي بعد تشكل قناعة بأن الغارات الجوية التي يشنها على مواقع التنظيم منذ أشهر لن تفلح في القضاء عليه، ينتظر التنظيم الأمر، بفارغ الصبر، باعتباره تحقيقاً ل"نبوءة" يتبناها ويعيدها لحديث نبوي ورد في صحيح مسلم تحدث عن معركة "آخر الزمان" الفاصلة بين المسلمين وأعدائهم في بلدة شمالي سوريا. وأعلن جون آلان، منسق التحالف الدولي ضد "داعش"، مستشار الرئيس الأمريكي بارك أوباما، الأحد الماضي، أن هجوما على الأرض سيبدأ ضد "داعش" قريباً. وفي تصريحات نقلتها عنه وكالة الأنباء الأردنية الرسمية خلال تواجده في عمّان، قال آلان إن "هجوما على الأرض سيبدأ قريباً ضد عصابة داعش الإرهابية تقوده القوات العراقية بإسناد من دول التحالف". وأشار آلان إلى أن "قوات التحالف تجهز 12 لواء عراقيا تدريبا وتسليحا تمهيدا لحملة برية واسعة ضد داعش"، مبينا أنه سيتوجه إلى دول شرق آسيا لتوسيع التحالف الدولي الذي يضم اليوم 62 دولة. وتسارع الحديث مؤخراً عن التدخل البري ضد "داعش" عقب حشد الجيش الأردني قوات على حدود بلاده مع العراق بعد أيام من إعدام التنظيم الطيار الاردني معاذ الكساسبة الأسبوع الماضي، بعد أكثر من شهر على سقوط طائرته التابعة للتحالف قرب مدينة الرقة المعقل الأساسي ل"داعش" في سوريا ووقوعه بقبضة مقاتلي الأخير. وإضافة إلى القوات الحكومية العراقية، يعتمد القتال ضد "داعش" حالياً على قوات البيشمركة الكردية (جيش إقليم شمال العراق) وميليشيات مسلحة موالية للحكومة العراقية، في حين يتصدى جيش النظام السوري وخصوم التنظيم من قوات المعارضة لمهمة قتال داعش في سوريا، في الوقت الذي يشن طيران التحالف منذ أغسطس/ آب الماضي غارات على مواقع التنظيم في كلتا الدولتين الجارتين. وترفض كل من حكومة بغدادودمشق أي تدخل بري خارجي ضد "داعش" على أراضيها كونهما تعتبرانه "انتهاكاً للسيادة الوطنية"، وفيما تصر بغداد على اقتصار دعم التحالف على تقديم المشورة العسكرية والتسليح والتدريب للقوات التي تقاتل حالياً على الأرض، ترى دمشق أنها ليست بحاجة لقوات برية خارجية في ظل رفض قيادة التحالف التنسيق معها بشكل مباشر. وفي ظل تلويح أطراف التحالف بالتدخل البري، يعتبر تنظيم "داعش" ذلك التدخل أمنية وتحقيقاً ل"نبوءة"، ويزيدون على ذلك بتحديد مكان المعركة الفاصلة في بلدة "دابق" شمالي سوريا التي ذكرت في حديث نبوي ورد في صحيح مسلم حول معركة "آخر الزمان". ويستند "داعش" في روايته عن "دابق" إلى حديث ورد في صحيح مسلم الذي يعتبره المسلمون السنة من بين أصح الكتب بعد القرآن لجمعه الأحاديث النبوية التي وردت بسند صحيح وفق الاعتبارات الدينية عن النبي محمد خاتم المرسلين. وينقل الحديث عن الرسول محمد (ص) قوله: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق (منطقة تتبع أنطاكيا جنوبتركيا) أو بدابق (تتبع حلب شمال سوريا)، فيخرج إليهم جيش من المدينة (يرجّح أن تكون دمشق بحسب تفسير ابن كثير)، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافّوا، قالت الروم: خلّوا بيننا وبين الذين سُبُوا منّا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلّي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فيُهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً (الذين يرتّدون عن الإسلام بسبب الفتن بحسب ابن كثير) أي لا يلهمهم الله التوبة، ويُقتلُ ثُلث هم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يفتنون أبداً، فيفتتحون قسطنطينية". وتقع بلدة "دابق" شمال حلب، وتبعد 45 كيلو مترا عن الحدود التركية وتتبع منطقة أعزاز، ووقعت فيها معركة كبرى معروفة تاريخياً باسم "مرج دابق" بين العثمانيين بقيادة سليم الأول والمماليك بقيادة قنصوه الغوري عام 1516م انتصر فيها العثمانيون، وكانت المعركة مقدمة لدخولهم المناطق العربية وتأسيس امبراطوريتهم فيها. وتنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي عشرات الصفحات والحسابات المنسوبة لأنصار "داعش" تحت اسم "دابق موعدنا"، وأيضاً "هاشتاغات" تحمل نفس الاسم على نفس الشبكات، وتهدف جميعها للتذكير بأن التنظيم يترقب لقاء قوات التحالف البرية في دابق وأنه بدأ فعلياً بالتحضيرات للمعركة الفاصلة مع أعدائه. ويستند أنصار "داعش" في روايتهم على علامات وردت بالحديث النبوي ويرون أنها تحققت وبدأت تظهر بالفعل، مع انضمام المئات من الغربيين إلى التنظيم وأسر عدد آخر منهم، والاستعدادات الدولية لقتال التنظيم عبر التحالف الذي يتوسع باضطراد. ويستعين أنصار التنظيم عبر حساباتهم بحديث آخر مسند يشير إلى أن المعركة في دابق ستكون "عظيمة" تضم مئات الآلاف من المقاتلين، وينص الحديث في نهايته على "تغدر الروم وتجمع للملحمة فيأتونكم تحت ثمانين غاية (راية) تحت كل غاية اثنا عشر ألفا"، ما يجعل تقدير العدد الإجمالي للجيش الذي سيخوض المواجهة مع المسلمين 960 ألف رجل من 80 دولة. وبإعلان جون آلان، منسق التحالف، نيته التوجه إلى دول شرق آسيا لتوسع التحالف الدولي الذي يضم اليوم 62 دولة، ينظر أنصار "داعش" إلى الأمر على أنه علامة جديدة تتحقق من "النبوءة" بإمكانية وصول رايات الدول المعادية للتنظيم إلى 80 ليكون الموعد مع مقاتليهم في "دابق". وفيما يشير علماء دين إلى أن موقعة "دابق" التي وردت في الحديث النبوي حدثت بالفعل في حروب سابقة بين المسلمين والروم، يرى آخرون أنه من الصعب تحديد المكان بالتحديد الذي ستقع فيه موقعة "آخر الزمان"، إلا أن "داعش" يصر على تدعيم روايته حول "الملحمة" و"النبوءة" والترويج لها واستثمار الأمر في حشد وتجنيد مقاتلين جدد وضمهم إلى صفوفه. ولعل إحدى أبرز دلائل تبني "داعش" رسمياً لتلك الروايات إطلاقه اسم "دابق" على مجلته الرسمية الناطقة باللغة الانجليزية التي أصدر منها عدداً من الأعداد خلال الأشهر الماضية، وينشر فيها أخباره وأفكاره و"تعاليمه الشرعية". كما أن التنظيم أصدر في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تسجيلاً مصوراً بعنوان "ولو كره الكافرون" وبثته مواقع تابعة له، ظهر فيه عنصر "داعش" الملثم الشهير ب"الذباح" ذو البذة السوداء واللكنة البريطانية، في موقع عرّف به على أنه بلدة دابق، بحسب ما ظهر بالشريط وبين قدميه رأس الرهينة الأمريكي بيتر كاسيغ. وقال العنصر الملثم في المقطع الذي اطلع عليه مراسل "الأناضول" ولم يتسن التأكد من صحته، مخاطباً التحالف إن التنظيم "سيدفن أول صليبي أمريكي في دابق (في إشارة إلى كاسيغ)، وينتظر بلهفة مجيء باقي جنودكم لتذبح أو تدفن في البلدة نفسها". وأعلن "داعش" نهاية يونيو/حزيران الماضي، عن تأسيس "دولة الخلافة"، في المناطق التي يسيطر عليها في العراقوسوريا، وكذلك مبايعة زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي "خليفة للمسلمين" بعد مبايعته من قبل "مجلس شورى التنظيم"، بحسب تسجيل صوتي منسوب لأبو محمد العدناني الناطق باسم التنظيم وبثته مواقع جهادية. ويتخذ أنصار "داعش" من "باقية وتتمدد" شعاراً لدولتهم "المفترضة" ورؤيتهم التوسعية لها خارج حدود سورياوالعراق، كما أنهم يتخذون من عبارة "خلافة على منهاج النبوة" المجتزأة من حديث نبوي مسند، شعاراً آخر يضعونه على الأوراق الرسمية وترد في معظم التسجيلات المصورة الصادرة عن التنظيم لتدعيم روايته عن الخلافة التي أعلنها.