"نقد التراث.. الطريق نحو التنوير" كان عنوان اللقاء الفكرى الذى أقيم بالقاعة الرئيسية ضمن سلسلة ندوات تجديد الخطاب الدينى بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وكان الكاتب والباحث إسلام بحيرى هو ضيف اللقاء الذى أدارته الكاتبة الكبيرة فريدة الشوباشى. قال إسلام بحيرى: لقد سبق وقلنا منذ زمن مبارك، أن السلفيين هم الإخوان وهم داعش، ولكن لم يكن أحدًا يسمع لنا، لظروف كثيرة، ولقد جاء صعود الإسلاميين واستيلائهم على السلطة لكى نعرف جميعًا ونضع أيدينا على موطن الخلل، فالإسلاميون جاءوا بهذه الأفكار المتطرفة من ما يطلقون عليه كتب التراث والسلف الصالح، وأرى أن كل هذه الكتب فى حاجة إلى محاكمة تاريخية، تلك الكتب المليئة بالخرافات والتى أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن. وأشار إسلام إلى أن هناك من يلقى باللوم على المثقفين والمفكرين، ولكنى أرى أن التغيير فى هذه المرحلة يجب أن يكون من الدولة والقائمين عليها، فنحن فى حاجة إلى نقد وتطوير من المجتمع نفسه، وألا ننتظر قيام المؤسسات الدينية وحدها بعملية التجديد، فيجب ألا يترك الأمر للأزهر وحده ولكن يجب أن يتم تشكيل لجنة بها شخصيات من خارج نطاق المنظومة الأزهرية. فكيف سيتولى الأزهر تصحيح هذه المفاهيم التى يعلمها لطلابه منذ عقود طويلة، ولذا فلا مفر من أن تتولى الدولة وضع تصور للتجديد. وأشار إسلام إلى أنه هناك مشاكل واجهها الكثيرون فى التعامل مع كتب التراث منها أن هذه الأحاديث المنسوبة للرسول، قد كتبت بعد وفاته بحوالى قرن ونصف من الزمان كما أن بها عديد من النصوص التى تخالف القرآن الكريم، ولذا فكل كتب الأحاديث فى حاجة إلى إعادة تنقيحها وفرزها وخاصة أحاديث البخارى ومسلم. وفيما يتعلق بالمنهجية فلا أحد يخترع منهجية جديدة، وإن حدث ذلك فيجب أن تبنى على أسانيد علمية، ودلائل منطقية واستشهادات تاريخية تؤيد ما جاء بها، ومن المعروف أن هناك عاملين أساسيين يقاس عليهما مدى صحة الحديث النبوى، أولهما علم مصطلح الحديث والثانى علم نقد الرواة ؛ ومن هنا يمكن تقدير الحديث ما بين الصحيح والضعيف؛ والرأى القاطع هنا ألا يتعارض الحديث مع القرآن الكريم، وفى حالة التعارض فهذا ثبات لعدم صحته، وهذا هو الأسلوب الذى اعتمده فى الوصول إلى النتائج التى تتضمنها أبحاثى فى قياس أحاديث البخارى. ثلاثة وعشرون عاما بين مكة والمدينة، والإسلام يحاول استئصال الخرافة والأسطورة الراسخة فى العقول، ليؤسس لثقافة جديدة تتخذ العقل منهجا والتفكير المنطقى ديدنا, وبعد أربعة عشر قرنا من ظهور الإسلام أصبحت الخرافات تُستنبط من ذات الدين الذى كان يحاربها عند ظهوره, وذلك من خلال نصوص كاذبة التحقت بالدين على حين غفلة من أهله, وبالطبع كونت هذه النصوص الخرافية وشروحها شبكة متماسكة الأطراف، بحيث أصبحت من الرسوخ فى الوعى المسلم بمكان لا يجعل من نقضها أو نقدها شيئا يسيرا. وشرح إسلام ردًا على أحد الأسئلة أسباب ما تعانى منه الأمة العربية والإسلامية الآن بقوله: لو أردنا أن نعدد الأسباب والدواعى التى أدت بالمسلمين إلى الانزواء عن سرب الأمم المتقدمة، لوجدنا أننا أمام تلال من الأسباب والتداعيات التاريخية والمعاصرة التى تضافرت لتنتج هذا النسق الذى نرى عليه المجتمعات الإسلامية, ليس من بين هذه الأسباب البعد عن ممارسة الدين, أو بمعنى مقارب ليس من بينها الابتعاد عن الطقوس والعبادات والشعائر الإسلامية. فالملايين يقومون سنويا بأداء العمرة والحج، والمساجد تعج بالمصلين فى رمضان وفى غير رمضان, وغطاء الرأس أصبح فوق رؤوس بنات الروضة والصفوف الابتدائية, والفتاوى بالآلاف على مسامع شيوخ الفضائيات, وأبواب الفتوى فى كل زاوية ومسجد مشرعة لا تنغلق, أما الإعلام فقد أصبحت هناك فضائيات بقيادة أشباه العلماء وأرباع الرجال، تغطى الوعى المسلم برداء السفاهة والجهل من إخمص قدميه إلى منابع شعره, وغير ذلك من المظاهر الثانوية التى تؤكد الفكرة وتؤيد الاستدلال. إذاً فعلى المستوى الشكلى الظاهرى، المسلمون الآن يؤدون الدين شعائر, ولكن الحقيقة المريرة أن كل ذلك زبد على السطح، لا يمثل إلا دليلا ضد نفسه, فلو كان الإسلام كما يروج له الآن دين التفاصيل والقشور والطقوس، لكان المسلمون على ذلك أنجح المجتمعات, غير أن الحقيقة المريرة أننا بفضل ذلك الزبد الذى فرَّغ الدين من معنى إقامته إلى معنى تأديته، والذى هبط بالقيم العليا والأصول الكلية والكبرى إلى ركام الفتاوى المؤطرة، وتدين الإنسان الآلى، والتنطع بالولوج إلى التفاصيل التافهة التى جُعِل منها أصولا كبرى وأمهات عليا لدين الفقه التراثى ثم الوهابى، بفضل ذلك أصبحنا نتذيل الأمم والمجتمعات فى كل شىء تقريبا. يواصل: علينا أن ننحى كل هذه الكتب التراثية جانبًا، ونبدأ التجديد، وأن نفهم وبشكل واعى المقصود من الآيات العامة والآيات الخاصة فى القرآن الكريم. أوضح إسلام أنه لم يدرس بالأزهر وأن الحديث فى الدين ليس حكرًا على أحد، فهل من نص يجيز الكلام فى الدين لفئة دون أخرى؟ وهذا السؤال ذكرنى بالبهوات الذين يدعون بأنهم أهل الذكر، وأن على من يسألونهم أن يسمعوا ويخرسوا ولا يجادوا، فليست الدراسة الدينية حكرًا على الأزهر أو غيرة من المؤسسات الدينية، فسلطة الأزهر هى سلطة روحية فقط، فأنا للعلم خريج حقوق جامعة القاهرة ودرست الشريعة أربع سنوات. وفى رده على كيفية معرفة الأحاديث الصحيحة وغير الصحيحة وخاصة إذا كانت هناك فى البخارى ومسلم أحاديث غير صحيحة وفى حاجة إلى حذف؟؛ أوضح إسلام إلى أنه قريبًا سيصدر له كتاب به عدد من هذه الأحاديث، كما أنه له أكثر من مائة وثمانين بحث مُحكم معظمهم منشور على موقع جريدة اليوم السابع منذ عمل بها فى عام 2007 وحتى تركها فى عام 2012.