"يباغتنا الحرمان فنهرب إلى القراءة" عبارة كتبها أيمن العتوم في رائعته "يا صاحبي السجن"، وهي معبرة تماما عن حالة سجناء الرأي والذين يحتاجون للتعلم والتزود من بحور الثقافة على تنوعها، والانطلاق لعوالم بديلة والإفادة من محنة السجن القاسية . ولأن الثقافة حق، فقد انطلق نشطاء مصريون في مبادرة جديدة تحمل اسم "كتابي لأجلك" وجمعوا نحو 3000 كتاب ، واستطاعوا تقديمها لعدد كبير من الشباب المصري المحبوس على ذمة قضايا الرأي والمشاركة بتظاهرات، وذلك بالتعاون مع إدارات السجون التي تفهمت حاجة هؤلاء للكتاب، وخاصة تلك الكتب التي لا تحمل بطبيعتها تحريضا على عنف أو تطرف . بالطبع، لا نستهدف هنا إسباغ صفة معتقل أو سجين على أي من هؤلاء الشباب، فكل منهم يحمل قصة خلفه، وربما نشهد قريبا بادرة إيجابية بالإفراج عن كافة سجناء الرأي غير المتورطين بجرائم جنائية، لكن في كل الأحوال ما لا يمكننا الاختلاف حوله هو أن القراءة حق لكل مواطن، وأن من واجب الدولة المتحضرة أن توفر فرص التعلم والتثقف لكل مواطنيها على السواء، بل إن هناك بعض الدول من تخفف من عقوبة الجنائيين إذا ما كانوا يقرأون وهو ما يعني بادرة لتغير سلوكياتهم للأفضل. وهناك نماذج عديدة لأدباء ذاقوا مرارة السجن فأبدعوا أروع إنتاجهم خلف قضبانه ومن ينسى سولجنتسين وبيجوفيتش أو أعمال رضوى عاشور وغيرهم . قال إبراهيم عبدالرحمن أحد مؤسسي المبادرة ل"محيط" أنهم واجهوا بعض الصعوبات مع بعض السجون ومنها سجن الاستقبال بطرة، حين تم التخلص من كافة الكتب بالزنازين بحجة أنها مواد ممنوعة بالسجن، ولكن هذه التجربة ليست صالحة للتعميم، فقد استطاعوا إدخال كتب لسجن المنصورة ومزرعة طرة والأبعدية وغيرهم . أما عن طبيعة مؤسسي المبادرة، فهم نشطاء سياسيون "مستقلون" ، توجهاتهم متراوحة بين التيارات الإسلامية واليسارية، ولكنهم قرروا تقديم العون الثقافي لسجناء الرأي والسياسيين بدون تفرقة، ليمنحوهم فرصة التعايش مع واقعهم، وقد تواصلوا مع نشطاء بمبادرات مختلفة ومنها "الفن ميدان" وتلقوا تبرعات عبارة عن كتب من أفراد ومؤسسات، واستجابوا لطلبات محددة رفعها إليهم أصدقاؤهم المحبوسين، ثم بدأ نشاطهم يتوسع لكل نشطاء الرأي . بدأت المبادرة منذ نحو ثمانية أشهر، ويقودها شباب مصري متطوع بجزء من وقته وجهده ، ويشترط مؤسسي الحملة أن يكون معتدلا بالفكر ولديه عمل يتكسب من خلاله ويحقق نجاحا. ولا تقتصر المبادرة على تقديم الكتب، إذ أن "إليك كتابي" جزء من مبادرة أشمل تحمل أسماء "برد الزنازين" لتوفير البطاطين، ومشروع لكفالة أسر المحتجزين والمسجونين . وتعليقا على المبادرة، تحدث مؤسس حملة "ثقافة للحياة" ، باسم الجنوبي، وأكد ل"محيط" أنه تقدم بنحو 100 كتاب للحملة، إيمانا منه بأن الثقافة حق إنساني لا يجوز التفريط فيه أو الحرمان منه، ولهذا يسعون لوصول الكتب للقرى المهمشة وذوي الاحتياجات الخاصة، ومن الطبيعي أن يشمل ذلك المحرومين من الثقافة بالسجون المصرية، خاصة وأن الإحصاءات تشير لوجود نحو 40 ألف شاب مسجون على خلفية قضايا التظاهر ، وبعضهم متهم بالعنف لكن ذلك غير مثبت على أرض الواقع. وأكد "الجنوبي" أنهم يركزون على الكتب التعليمية وكتب التنمية البشرية وعلم النفس والاجتماع وجانب كبير من الروايات العالمية والعربية ، وجميعها تشجع على التغلب على الشدائد، وتعزز قيم الصبر والتحمل عند الإنسان . ويرى الجنوبي أن الحملة تحمل رسالة أيضا لكل شاب مصري بأهمية القراءة، فإذا كان هناك من يحرص على الكتب من وراء القضبان، فإنه من باب أولى يكون واجب الشاب التزود بالمعارف وهو يملك الزخم الثقافي وترف الاختيار. وبزيارة صفحة الفيس البوك التي دشنتها المبادرة باسم #كتابي إليك ، وجدنا إقبالا على أدب السجون، وقصص الناجحين الذين تعرضوا للمحن، وطلب بعض السجناء كتب علم النفس العالمية وكتب حول تاريخ التنظيمات السياسية ومنها "الإخوان المسلمين" ، وبالطبع كان للأدب نصيب الأسد من طلبات السجناء ، وترددت أسماء نجيب محفوظ ويوسف ادريس وتوفيق الحكيم ومريد البرغوثي ورضوى عاشور وبهاء طاهر ومحمد المخزنجي ، وبعض الروايات الرومانسية كأعمال أحلام مستغانمي، وأعمال الرعب لأحمد خالد توفيق، وهناك تركيز على الكتابات الإسلامية الفكرية كأعمال راغب السرجاني ومحمد عمارة وطارق البشري وعناوين ك "المستخلص في تزكية النفس" و"صور من حياة الصحابة" و"التربية السياسية في السيرة النبوية" و"دخلت الخيل الأزهر" وغيرها . بعض المحتجزين وجدناه يطلب كتبا في موضوع محدد أو لمؤلف بعينه، كالإمام أبوزهرة وكتابه عن رأب الصدع بين الشيعة والسنة، وهناك من بحث عن الحياة الليبرالية في مصر منذ العصر الملكي ، وهناك من بحث عن ماهية الديمقراطية.