صدق الله العظيم رغم تحذير الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند من الخلط بين الإرهاب والإسلام، ورغم أنه من بين ضحايا مجلة شارلى إيبدو شرطى ورسام مسلمان من أصول عربية، ورغم ظهور «جينات بوغراب» الوزيرة الفرنسية السابقة الجزائرية الأصل شريكة حياة الرسام القتيل «شارب» رئيس تحرير المجلة ووالدة أبنائه على شاشة التليفزيون لتظهر مدى خلطة الاندماج العربى الجزائرى في النسيج الاجتماعى الفرنسى.. رغم كل هذا وأكثر منه فإن التصريحات الهوجاء بدأت تطل برءوسها تطالب بسرعة رفع الحظر على الآراء المعادية للإسلام بحجة تسمية الأشياء بأسمائها، ونبذ سياسة ما يجوز قوله وما لا يجوز تماشياً مع حرية الرأى فى عاصمة الحرية!!!.. وإذا ما كانت الرسوم المسيئة للرسول التي أعادت نشرها المجلة الفرنسية فى الأسبوع الماضى دافعاً للاستنفار الإرهابى القاعدى الذى أدى إلى مصرع 12 شخصاً وأكثر من 10 جرحى فالسؤال الآن حول الدافع الجديد المُلِح والجدوى العائدة اليوم من إعادة نشرها مرة ثالثة بدعوى حرية التعبير على نطاق خمسة ملايين نسخة من عددها الجديد الصادر الأربعآء الماضى، حيث لن يقل عدد القراء بحال من الأحوال عن 25 مليونا وإن كان قد ارتفع ثمن النسخة من 2٫5 دولار إلى 6 آلاف دولار، وليذهب حتى مع دعوة شيخ الأزهر إلى التجاهل السلام والوئام للجحيم تبعاً لخطة جهنمية مدروسة من مفرداتها صدور رواية بعنوان «استسلام SOUMISSION» للكاتب الفرنسى اليمينى ميشيل ويلبيك الحائز على جائزة كونكور الأدبية والتى أصدرت طبعتها الأولى فى 150 ألف نسخة في نفس اليوم الإرهابى ليضع الفرنسيين فيها أمام ما يسميه «الكابوس القادم» وما سوف يعترى فرنسا فى أقل من عقد من الزمان من الوقوع في براثن التطرف الدينى، فهناك بالفعل كما يقول أمة إسلامية تتخلق في الرحم الأوروبى، وهذا معناه أن صداماً أهلياً سيحدث لا محالة مما يجعل من المسلم الفرنسى بدرجة أو بأخرى متهماً لحين إثبات براءته.. وتدور وقائع الرواية التى تستشرف واقع فرنسا التخيلى في عام 2022 حيث يفوز حزب وهمى يحمل لافتة «الإخوة الإسلامية» بأكثرية الأصوات التى تُمَكَنَ زعيمه «محمد بن عباس» من حكم فرنسا لتتحول من دولة علمانية إلى دولة إسلامية تُحرم خروج النساء للعمل، وتُغيِّر عنوان جامعة السوربون إلى «الجامعة الإسلامية» ويبدو أن ويلبيك في روايته الخيالية الاستشرافية الجديدة لم يذهب بعيدًآ عن تجربة الإخوان الواقعية المأساوية في مصر بجميع تفاصيلها ومفرداتها وجموحها وجنوحها وتزويرها ومطابعها الأميرية وفتحة صدرها وخيانة وطنها وتجفيف منابعها وتشفير رأيها وتسريب بترولها وقهر أقباطها، وتدويل حدودها وصداقة أعدائها وتآمر تمويلها وتقزيم قامتها وبرطعة أنفاقها وتبوير فنها وتركيع أمنها وغلق مسارحها وكسب ود تكاتكها ورفض سلامها وقلمها وإعلامها وعلمها وتحريم حلالها وأخونة مفاصيلها، ومرسيها وبديعها وشاطرها وقنديلها وكتانتها، وبلتجياتها وبلطجياتها وحرائرها وحماسيها وباكينامتها وفندقها وقناتها ومحافظينها ودعاتها ودستورها الليلى، ونائبها العام التفصيل، وتبعاتها المدمرة بالمولوتوف والخطف والشماريخ والبانجو والأقراص المخدرة والحريق والمذابح الجماعية وصلاة الجمعة التي يعقبها زحف العناكب من الشقوق، وغير مستبعد أن يكون ويلبيك قد ذهب للمراجع الفرنسية التليدة في الأديرة البعيدة والكهوف السحيقة للتوصل إلى مقابل للفظتى «لجلج» و«أبلج» لترجمتها إلى الفرنسية لاتساق الهيكل التكاملى لنظرية فوضاه الخلاّقة في أطروحته الجديدة، هذا إلي جانب بحثه عن دلالة شارة رابعة إذا ما اتخذها من جديد شعارًا في جمهورية ابن عباس الفرنسى على أرض السين وليست حملات ويلبيك جديدة على الإسلام، وكتاباته معروفة بعدم التقيد بأية محاذير أخلاقية أو سياسية أو دينية، وفى روايته الجديدة «استسلام» لا يخلو الأمر من جوانب إيجابية في لهجة ساخرة عندما يقول المؤلف على لسان البطل أن التحول المنتظر الذى سيجعل الفرنسية تقعد في البيت وسينهى ظاهرة البطالة تماما من الأراضى الفرنسية لمزاحمة النساء فى سوق العمل، وكذلك سيشهد الوضع الاقتصادى انتعاشاً مؤكدا بدعم الدول النفطية. ونظرا لاتساع دوائر الجدل حول الرواية السياسية شارك الرئيس فرانسوا هولاند فى التعليق عليها من خلال لقاء مع إذاعة «آر تى أل» حرص فيه على عدم التعرض للحريات الأدبية، لكنه فى الوقت نفسه دعا الفرنسيين لعدم السقوط في بئر الخوف معلقاً بأن ما يمكن أن يعتبره البعض تمادياً وجرأة ليس أكثر من تكرار لمواقف تشاؤمية تعترى صفحات الأدب على مدى القرون.. ذلك التشاؤم الذى لم يلمسه الكاتب والفيلسوف الإنجليزى الشهير برنارد شو الذى وقفَ مع الجانب المصرى فى حادثة دنشواى عندما كتب عن الإسلام ونبيه محمد قوله: «إن أوروبا الآن بدأت تحس بحكمته وبدأت تعشق دينه، كما أنها ستبرئ العقيدة الإسلامية مما اتهمتها به من أراجيف وأكاذيب رجال أوروبا في العصور الوسطى، وسيكون دين محمد هو النظام الذى يؤسس عليه دعائم السلام والسعادة، ويستند على فلسفته فى حل المعضلات» وعاد شو للقول: «وإن كثيرين من أبناء وطنى ومن الأوروبيين الآخرين يقدسون الإسلام، ولذلك يمكننى أن أؤكد نبوأتى فأقول: إن بوادر العصر الإسلامى الأوروبى قريبة لا محالة».. وتأتى المستشرقة الألمانية العالمة «سيجريد هونكة» في عام 1960 لتكتب «شمس الله تسطع على الغرب» ليظل كتابها حتى اللحظة يعاد طبعه مرات حتى وصل لأكثر من ثلاثة ملايين نسخة والذى جاء من بين سطوره: «واليوم، وبعد انصرام ألف ومائتى عام، لايزال الغرب المسيحى متمسكاً بالحكايات المختلقة الخرافية التى كانت الجدات يروينها، حيث زعم مختلقوها أن الجيوش العربية بعد موت محمد نشرت الإسلام بالنار وبحد السيف البتار من الهند إلى المحيط الأطلنطى.. ويلح الغرب على ذلك بكل السبل: بالكلمة المنطوقة أو المكتوبة، وفى الجرائد والمجلات، والكتب والنشرات، وفي وسائل الرأى العام الأخرى، بل في أحدث حملات الدعاية ضد الإسلام، بينما الكلمة القرآنية الملزمة كما ترد فى الآية السادسة والخمسين بعد المائتين من سورة البقرة تقول: «لا إكراه فى الدين».. فلم يكن الهدف أو المغزى للفتوحات العربية نشر الدين الإسلامى، وإنما بسط سلطان الله في أرضه، فكان للمسيحى أن يظل مسيحياً، ولليهودى أن يظل يهودياً كما كانوا من قبل، ولم يمنعهم أحد أن يؤدوا شعائر دينهم، وما كان الإسلام يُبيح لأحد أن يفعل ذلك.. ولم يكن أحد لينزل أذى أو ضررا بأحبارهم أو قساوستهم ومراجعهم، وصوامعهم وكنائسهم.. ولقد كان أتباع المِلل الأخرى هم الذين سعوا سعياً لاعتناق الإسلام والأخذ بحضارة الفاتحين، ولقد ألحّوا فى ذلك شغفاً وامتناناً، فاتخذوا أسماء عربية وثياباً عربية وعادات وتقاليد عربية، وتزوجوا على الطريقة العربية ونطقوا بالشهادتين.. لقد كانت الروعة الكامنة فى أسلوب الحياة العربية، والتمدن العربى والسمو والمروءة والجمال، وباختصار: السحر الأصيل الذى تتميز به الحضارة العربية بغض النظر عن الكرم العربى والتسامح وسماحة النفس.. كانت كلها قوة جذب لا تُقاوم».. المصطفى «لئن كان قد أثم محمد حسين هيكل فى دنياه فلقد اشترى بكتابه «حياة محمد» آثامه ولسوف يتقدم يوم الدين وكتابه بيمينه يشفع له في دخول الجنة، ولسوف يدخلها بإذن الله متأبطاً ذراع طه حسين بما قدمت يمناه هو أيضا من كتاب أدبى جميل «على هامش السيرة».. كلمات تقريظ نقدى كتبها توفيق الحكيم يستعرض فيها قراءاته الأدبية عن المصطفي صلى الله عليه وسلم، وكلمات هجاء على لسانه يهاجم فيها تطاول الكاتب الفرنسى «فولتير» في مؤلفه «قصة محمد» على نبينا الكريم ظلماً وبهتاناً: «أصبح بعدها فولتير متهماً لن أبرئه أبدًا ولن أعدُّه أبدًا من بين أولئك العظام الذين عاشوا بالفكر وحده وللفكر، وأحسب أن التاريخ العادل سوف يحكم عليه هذا الحكم، وأن الإسلام وهو أحدث الأديان لم يخاصم العلم وإنما اتسع صدره لكل شيء يصلح لمعالجة أزمات العصر الحاضر الروحية والاجتماعية والاقتصادية، وهو رأى صادق إذ قيَّض الله للإسلام رجالا ذوى نظرة نافذة فوذهن مستنير واطلاع واسع يبرزون فضائله بأساليب جديدة ويتولون إذاعته والدفاع عنه بأقلام ذكية قديرة، وحقاً لقد خجلت من أن يكون فولتير كاتبا معدودا من أصحاب الفكر الحر، فقد سبَّ النبى العربى بقُبح عجبت له، وما أدركت له علَة، لكن عجبى لم يطل إذ رأيته يهدى قصته عن الرسول إلى البابا بنوا الرابع عشر!!».. وجد الحكيم فى كتاب «حياة محمد» لهيكل ردًا بليغاً علي فولتير: «لقد أبرز الكتاب أن محمدًا هو أعظم من فَهِمَ حقيقة النبوة ووعى معنى الحقيقة العليا وأدرك أن أكبر معجزة في هذا الكون هى أنه لا يوجد في الكون معجزات وأن كل شيء يسير طبقاً لنظام دقيق.. إن النبى ليس في حاجة إلى معجزة كى يكون نبياً، إنما النبى من حمل رسالة علوية لا ينصرف عن الحياة حتى يؤديها، ومن فضل محمد أنه لم يشأ أن يقنع الناس بغير ذلك، فلقد بلغهم رسالته واعتمد في إثباتها على العقل المجدد».. ومثال لذلك يسوقه الحكيم من كتاب «حياة محمد» عندما جهد المسلمون عطشاً أثناء مسيرة الجيش إلى غزوة تبوك ثم أمطرتهم السماء ذهب بعضهم إليه إلى النبى يقول: إنها معجزة فكان جوابه «إنها سحابة مارة» ولما كسفت الشمس يوم اختار الله ابنه إبراهيم إلي جواره قال الناس: إن هذا الكسوف معجزة فكان جوابه «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته».. إن محمدًا قد تأملَ الطبيعة كثيرًا وفكر ملياً فى نظامها العجيب فكشف عن بصيرته وبصره فامتلأ قلبه بالله كما اقتنع عقله بوجوده فجاء دينه كاملا صادقا في نظر القلب والعقل معاً، ولئن كان على الأرض نبى أحبَ العلم ولم يخش دينه العلم ولم يضطهد العلماء فهو محمد الذى قال «فضل العلم خير من فضل العبادة»، و«اطلبوا العلم ولو في الصين» و«هل ينفع القرآن إلا بالعلم»، و«لا ينبغى للجاهل أن يسكت على جهله، ولا للعالم أن يسكت على علمه»، وقوله «من عَلِمَ عِلماً فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار».. وقالت عائشة.. «قلت يا رسول الله بمَ يتفاضل الناس في الدنيا، قال: «بالعقل»، قالت: «وفي الآخرة»، قال: «بالعقل»، قالت: «أليس إنما يجزون بأعمالهم»، قال: يا عائشة وهل عملوا إلا بقدر ما أعطاهم عز وجل من العقل فبقدر ما أعطوا من العقل كانت أعمالهم، وبقدر ما عملوا يجزون».. وقوله «علموا ويسروا، علموا ويسروا، علموا ويسروا، قالها ثلاث مرات»، وقوله: «لكل شىء دعامة ودعامة المؤمن عقله، فبقدر عقله تكون عبادته، أما سمعتم قول الفُجار فى النار: (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير»، وقوله: «من يرد الله به خيرًا يفقهه فى الدين»، و«إنما العلم بالقلم»، وقوله «من سلك طريقا يطلب به علما سهل الله له طريقا إلى الجنة»، وهو القائل «لا عبادة كتفكر»، ويقول المصطفى كما أورده الإمام الغزالى عن أبى ذر رضى الله عنه: «حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة، وعيادة ألف مريض، وشهود ألف جنازة، فقيل يا رسول الله ومن قراءة القرآن؟ فقال: «وهل ينفع القرآن إلا بالعلم»، وقوله: «كلمة من الحكمة يسمعها المؤمن فيعمل بها ويعلمها خير له من عبادة سنة وصيام نهارها وقيام ليلها»، وقوله «تفكر ساعة خير من عبادة سنة»، ولكن المسلمين اليوم كما رأى توفيق الحكيم بعيدون عن قول نبيهم صلوات الله عليه، لأن الأذن عندهم أقوى من العقل، ويرى الحكيم أنهم بعيدون عن فهم آيات الله البينات التى توضح فضل العلم والعلماء.. «اقرأ وربك الأكرم الذى علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم»، «يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات»، «إنما يخشى آلله من عباده العلماء»، «وقل ربى زدنى علماً»، «قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون».. ويرى الحكيم فيما إذا كان فولتير يعتقد أن الله هو رب السلام في المسيحية فقد جاء الإسلام بخطوة أكبر إذ جعل السلام من أسماء الله الحسنى: الملك. القدوس.. السلام.. وجعل القرآن الهداية للسلام، وأكد سبحانه أن الله يدعو إلى دار السلام، وذكر في آياته «دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام»، وعندما يبشر الصابرين يقول لهم «سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار»، ويعد المتقين بالجنة «ادخلوها بسلام آمنين»، «ولا يسمعون فيها لغوًا ولا تأثيماً إلا قيلا سلاما سلاما»، وفى كتابه الكريم عن المسيح يقول المولى: «وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً»، وهو لا يكتفى برد السلام على المؤمنين، بل يوصى المسلمين «ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً» بل يتسامح مع الجاهلين بقوله فى سورة الفرقان: «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما»، وقال محمد: «إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأماناً لأهل ذمتنا».. ويرى الحكيم فى كتاب «على هامش السيرة» لطه حسين دفاعا عن الإسلام كما يستطيع الأدب أن يدافع عندما يخلق جوا شعريا يحبب إلى الناس سيرة النبى، ويستشهد بروعة وصف طه عن ولادة رسول الله «هنالك دعت آمنة إليها من حضرها من نساء بنى هاشم، فأسرعن إليها وقضين معها ليلة لا كالليالي أنكرن فيها كل شيء وأعجبن فيها بكل شيء، أنكرن حتى أنفسهن، فقد رأين ما لم ير أحد، وسمعن ما لم يسمع أحد، ولم تكن آمنة أقلهن إنكارا وإكبارا وإعجابا، فقد كانت ترى وهى يقظة غير نائمة أن نورا ينبعث منها فيملأ الأرض من حولها ويزيل الحجب عن عينها، وكانت تنظر فترى قصور «بصرى» في أطراف الشام، وكانت تنظر فترى أعناق الإبل تردى فى أقصى الصحراء، وكانت لا تتحدث إلى من حولها بما ترى مخافة أن ينكرن ما تقول، وأن يظن بها الظنون، وكانت هذه من صاحباتها لا تمد بصرها إلى شيء حتى تراه نوراً كله، لا ظلمة فيه وإنما هو مشرق مضىء، أو هو الإشراق الخالص، وكانت هذه الأخرى من صاحباتها تنظر، فإذا نجوم السماء تدنو من الأرض وتمد إليها أشعة قوية نقية باهرة ساهرة، وأنها لتغدو منها وتدنو حتى يخيل إلى الرائية أنها توشك أن تمسها وتحتويها». هذا أدب طه حسين فى وصف ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بينما تأتى صفوة عبارات أدب الحكيم عن النبى فى رواية قصيرة نادرة من فصل واحد وسبعة مناظر عن الهجرة كتبها عام 1934 وبدأها بشهادته: إنى أشهد أن محمدًا نبي كريم إنى أشهد أن محمدًا بشر عظيم إنى أسجد للعظمة والنور وما صفحاتى إلا إشهاد وسجود ويصوغ توفيق الحكيم كتابه «محمد» ليقول فيه بأدواته الأدبية الفريدة لماذا هو «المصطفى»: «هى حياة البشرية.. حياة واحد من البشر.. يتيم فقير لا يملك شيئا غير قلب فيه عقيدة.. هو وحده الذى يدين بها.. بينما الدنيا كلها أهله وعشيرته وبلده وأمته.. وكل الأمم من فرس وروم وهند وصين.. كل شعوب الأرض لا يرون ما يرى ولا يشعرون له وجودًا.. هو الواحد من البشر، الضعيف الأعزل من كل قوة وسلاح.. أمام عالم زاخر كبحر مملوء بالعدد، تدعمه القوة في العدة والثروة، وتؤازره عقيدة قديمة شب عليها وورثها عن أسلافه واتخذت لها فى قرارة النفوس وأعماق التاريخ جسورًا ليس من السهل اقتلاعها.. هى إذن (مبارزة) بين فرد بشر أعزل وبين عصر بأسره يزمجر غضباً.. وهنا المعجزة الكبرى كيف خرج هذا البشري الوحيد الضعيف الأعزل من هذه المعركة المخيفة منتصرًا؟! هنا التساؤل: كيف استطاع النبى أن يُرى الناس ما يرى، وأن يقنعهم بما جاء به.. هنا يكون لشخصية النبى دخل وأثر.. وهذا عندى هو معنى: (الاصطفاء).. فالله تعالى يصطفي ويختار من بين البشر عظيماً، له كاهل قوى ومزايا العقل والقلب مما يمكنه من تحمل أعباء الرسالة.. فيوحى له بالعقيدة ليجاهد في سبيل نشرها.. فالنبى ليس مجرد آلة تحركها يد الله فى كل خطوة.. وإلا كان كل فرد في الناس يصلح للنبوة.. لا.. إنما هو رسول اصطفاه الله واختاره لمزايا تجعله صالحاً لحمل الرسالة والصبر عليها.. وكان المصطفى يواجه البشر بيد خالية من مطامع البشر، بعثه الله لا للعرب وحدهم إنما للعرب والعجم وخلق الله كافة، قوته فى الإقناع وإتقان العمل: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم».. ولقد أتقن توفيق الحكيم عمله... فليجعل الله من كتابه «محمد» ما يشترى به ما قد يكون من آثامه ليتقدم يوم الدين وكتابه فى يمينه يشفع له فى دخول الجنة لينعم ثلاثى الأدب هيكل وطه والحكيم بجنات النعيم.. نقلا عن " الاهرام" المصرية