أعطيت نفسى حق اللجوء الدائم والمطلق إلى الكتاب على امتداد سنوات حياتي التي عشتها ولا تزال بكل ما فيها من نسائم وأعاصير كان الكتاب ولا يزال هو الصديق الدائم الذي لم أمله ولم ابغضه ولم يحدث بيننا ادنى اختلاف بل ظل دائما الى جواري مجوادا وفيا مخلصا ومؤازا لذا فاننى اعتبر ان عمرى مع القراءة هو حياة اخرى عشتها تضاف الى حياتى . وفى حياة فرسان الكلمة للكتاب والقراءة مكانتهما فعندما سئل العقاد لماذا تقرأ اجاب وأفاض (اقرأ لان ليست لدى الا حياة واحدة اعيشها و انا اريد ان اعيش اكثر من حياة وحياتى مع القراءة تطول من ناحية العمق وإن كانت لا تزيد من ناحية الحساب) و يقول فى موضع آخر ( الكتب كالناس منها الكيس الفطن ومنها الصادق والكاذب ) وكأنه يرشدنا الى انتقاء ما نقرأ ولمن نقرأ وآية ذلك ان الكتاب يعبر عن ذهن كاتبه وما فى دخيلته. كذلك للقراءة والكتب نصيب معلوم فى حياة الامم الراقية فمتوسط نصيب المواطن الامريكى هو سبعة كتب فى العام و متوسط نصيب المواطن البريطانى هو اربعة كتب فى العام اما المواطن اليابانى فيقضى عشرين فى المائة من وقته اليومى فى وسائل المواصلات هى ايضا فى القراءة وسوق التأليف والترجمة والنشر فى اليابان معروفة برواجها وقوتها وعلى مدخل معرض فرانكفورت الدولى للكتاب والذى يعد اهم معرض فى العالم ثلاث كلمات من يقرأ لا يهزم . ولما كان لانتشارالكتب وتداولها اثره فى حياة الامم والمجتمعات فإن مراكز السلطة والنفوذ قاومت اختراع الة الطباعة فى فجر عصر النهضة فى اوروبا لانها ارادت ان تبقى المعرفة حبيسة و لاتنتشر ادواتها وتصل الى الجماهير فتتفتح عقولها وتستنير وربما ثارت على ماهو كائن ومستقر من سلطة وسطوة وهو ماحدث بعد ذلك بالفعل فانتفضت الجماهير الاوروبية وثارت على ماهو كائن وكان ثمرة ذلك شتى صور الرقى والتحضر التى نلحظها الان . ومن منظور اسلامى فأول شئ خلقه الله هو القلم وقال له اكتب فكتب مقادير كل شئ الى ان تقوم الساعة ويذهب المفسرون ان تفسير القلم فى عصرنا يشمل المطبعة والكومبيوتر والانترنت الى غير ذلك من وسائل وادوات ولعل اول ما نزل من آى القرآن فعل امر هو (اقرأ) ثم بعده بسور قلائل جاء القسم بالقلم وفعله و هو الكتابة فيقول ( ن والقلم وما يسطرون) و علينا ادراك مغزى هذا التلازم فى اوائل سور القرآن بين الامر والقسم ربما يعطى هذا التلازم دلالة قوية لدور هذا الثلاثى فى حياة الامم وحركة التاريخ من يكتب وما يكتب ومن يقراءون. وقصة الكتاب والقراءة مرتبطة بالخلق والوجود فيرى الراحل الكبير مصطفى محمود ان الحياة ليست إلا قراءة فى صفحات كتاب رائع لا نهائى اسمه الدنيا علينا اذن ادراك قيمة القراءة فالقراءة تندرج فى إطار تزكية النفس قال تعالى ( و نفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها) أرى أن القراءة وسيلة لا غنى عنها لتزكية النفس شريطة ان تكون قراءة واعية لما هو جيد من الكتب والا تخلو من عبرة ودرس مستفاد يكون له اثر فى حياتنا وسلوكنا والا تكون قراءة جاهلة لا تزد صاحبها إلا خسارَا كما كان من امر ابليس حين قرأ اللوح المحفوظ دون ان يفطن انه سيكون امام الجهلاء وشيخ الهالكين . ويأتى الكتاب فى نهاية المشهد حيث سيلقى كل منا يوم الحساب كتابه منشورا ويتكرر فعل الامر نفسه ( اقرأ) ليقرأ ساعتها كل منا ما خطه وسطره فى حياته ودنياه من اقوال وافعال وربما نوايا وظنون صالحة او آثمة ليكون مشهد النهاية قرأءة فى كتاب . E: [email protected]