حينما تفكرت مليا في حديث رواه ابن داود ومجمله أن سب الشيطان لا يزيده إلا غرورا.. وقتها تيقنت أن النفس البشرية لا تسب إلا الأقوى منها ، فالسائق يسب زميله في الطريق لأن الأخير استطاع تخطيه بنجاح واغلاق طريقه، وصاحب المشكلة يسب الطرف الآخر لأنه نجح في إهانته أو استفزاز مشاعره السلبية أو توجيه لكمة مفاجئة تركت آثارها على وجهه أو الكشف عن نقطة ضعفه التي طالما خبأها في ثنايا نفسه، والفتاة تسب مثيلتها التي تعلو عليها جمالا أولأنها نجحت في نبش صندوق أسرارها، كما يسب الرجل زوجته جينما تخرج عن الاستسلام المألوف وقد برزت قوة لسانها في توجيه التهم وكشف النواقص، وقِس على ذلك سبنا لأبنائنا حينما يقفون في مواجهتنا بأرائهم المخالفة لما أفرغناه في عقولهم...إلخ وهكذا تبدو الأسباب الحقيقية للسباب نقاط ضعيفة نجدها في أنفسنا ونعوض ذلك النقص بسب من هو أقوى ومن هو أذكى، وعندما لا نجد القوة فيمن نسب يصفنا الآخرين بالمجانين والمرضى النفسيين فما المبرر للسباب؟ .. لا شيء يهم فلا شيء مميز لدى الخصم.. ونصنف "مجانين" وفقا للمثل المحرَّف – من لدني- "السب بدون سبب.. قلة أدب" ولا يفعل ذلك إلا من ذهبت عقولهم مع نفثات "الحشيش" أو جرعات حبوب الهلوسة. وفي الحقيقة، السباب اعتراف وثيق بقوة خصمك ونجاحه في كسر ثقتك في نفسك بينما هو بداخله فرحة انتصار تختبيء تحت محاولات لرد سبابك له، ولكن لا تحزن فخصمك أيضا يضر نفسه، فعندما يرد سبتك له بسبة مثلها فهو يشاطرك الخيبة أما إن كان أذكى منك ورد عليك بكلمات تسبب لك الاحراج بدون ألفاظ مجحفة فهو المنتصر بقوة الحكمة وسطوة العقل. من أجل ما سبق، فلا تتعجب إن علمت أن سب الشيطان يزيده غرورا حيث يترجم السباب أنه اعترفا من العبد بقوة ابليس وانه استطاع أن يصل لهدفه تجاهك بإخراجك من عقلانيتك وأخلاقك الحميدة، ما يمنحه ثقة أكبر في شره فيجهز لك المزيد من الاغواء والوسوسة وتصبح بالنسبة له كالماريونت يحركها كيفما شاء. يقول الحديث الشريف "لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت: تعس الشيطان، تعاظم الشيطان في نفسه، وقال: صرعته بقوتي! فإذا قلت: بسم الله تَصاغَرَتْ إليه نفسه حتى يكون أصغر من ذباب"..لننظر إذاً إلى الاستعاذة وذكر الله وما تفعله في الأبالسة من حسرة على حالهم إذ تلطمهم لطمة مؤثرة على معنوياتهم، ولأن "الشيطان شاطر" فإنه لا يستسلم بل يظهر في تحدٍ جديد يعوض من خلاله هزيمته تلك أو ذاك، استعاذك بالله هذا هو إقرار منك بأن الله تعالى اقوى من الشياطين وأنك تفوض الله تعالى للتصرف معهم... وما أدراك تصرف المولى معهم؟؟. ولنتمهل قليلا.. ألم يقل المولى في كتابه "إن كيد الشيطان كان ضعيفا"، وقال نبيه الحبيب صلي الله عليه وسلم " المؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف"، لذلك أعطاك الله سلاحا ضد الشيطان وأمرك بألا تعطه أكبر من قدره بسبه لأنه أقل من أن تحتسب له قوة عليك.. والخلاصة .. لا تسبوا خصمكم حتى لا تملكوه مفاتيح عقلكم.