الكتابة لى كرسم " السجاد " .. و معيار " الأكثر مبيعا " سيدمر الأدب حلمت أن أصبح " روبن هود " و " أرسين لوبين " خطأ ناصر الوحيد هو اختياره للسادات الذى مازلنا نتجرع مرارات عصره حرب 6 أكتوبر حق أريد به باطل .. و لا أخون السادات هوسى بالزمن كان نتاج تجربة موت وشيكة " أمنيتى المستحيلة أن أمنح فرصة أخرى للعيش.. أن أولد من جديد لكن فى ظروف مغايرة أجىء مزودا بتلك المعارف التى اكتسبتها من وجودى الأول الموشك على النفاد.. أولد وأنا أعلم أن تلك النار تلسع.. وهذا الماء يغرق فيه من لا يتقن العوم.. وتلك النظرة تعنى الود وتلك تعنى التحذير. وتلك تنبئ عن ضغينة.. كم من أوقات أنفقتها لأدرك البديهيات.. ومازلت أتهجى بعض مفردات الأبجدية" . تلك كلمات الكاتب الكبير جمال الغيطانى ، الذى احتفت مساء أمس مكتبة ديوان بسبعينيته ، بحضور الكاتبة فريدة الشوباشى و عدد من المثقفين و السفراء ، و أدارت الندوة الكاتبة نشوى الحوفى ، و أشار الغيطانى أنه سيتم عامه السبعين فى مايو و حتى هذا الحين ، ستكون هناك سلسلة من الندوات تجمعه بقرائه . و تحدث الكاتب عن عدد من المحطات الهامة فى حياته منذ عشقه الأول للأدب ، و اتجاهه للتعليم الفنى و دراسة " فن السجاد " ، وانضمامه لتنظيم شيوعى ، و انتهاء الحال به فى المعتقل ، ثم عمله كمراسل حربى ، كل تلك الأمور التى من الصعب أن تجتمع فى شخص واحد ، كانت السبب فى تكوين " جمال الغيطانى " . سماء القاهرة وقال الكاتب فى بداية حديثه : جئت للعالم فى " جهينة " تلك القرية التى تقع على الحد بين الموت و الحياة ، بين الزرع و الصحراء ، مشيرا أن جهينة قبيلة جاءت مع عمرو بن العاص إلى مصر ، و حاربت مع رسول الله ، و عبر عن فخره بأصوله العربية و الفرعونية . و عن أول صورة طبعت فى ذاكرته من أيام الطفولة ، قال الكاتب أنها تعود إلى " سماء القاهرة " للغارة الوحيدة التى شنتها إسرائيل على القاهرة فى عام 1948 . تعلم الغيطانى القراءة قبل التحاقه بالمدرسة ، و منذ عامه الأول الإبتدائى اعتاد إخفاء الروايات داخل الكتب المدرسية ، و اختلاقه الحكايات منذ الصغر التى أسهمت فى إثراء خياله ، و أكد الكاتب أنه يدين للقاهرة بتكوينه ، مستعيدا مشهد أكبر المكتبات فى حى زقاق المدق التى كانت ملجئه الدائم . كان الغيطانى يعتمد على ذاته فى القراءات ، و حكى عن زياراته المتكررة لدار الكتب ، و هو مازال فى ال 12 من عمره ، و عن حلم الطفولة قال الغيطانى أن قراءاته للكاتب الفرنسى موريس لوبلان ، جعلته يتمنى أن يصبح "أرسين لوبين " أو " روبن هود " ، و هكذا كبرت معه فكرة العدالة الاجتماعية ، و صاحبته خلال مراحل حياته المختلفة . فى عامه ال 15 كتب الغيطانى مجموعته القصصية الأولى " المساكين " على غرار ديستوفيسكى ، و كانت بداية دخوله للعمل الثقافى من خلال والدة الكاتب " عبد الرحمن الخميسى " التى كانت تعمل فى وزارة الثقافة ، و قدم لها عمله الأول ، و لكنها أشفقت عليه من أن تقول له أنه لا يصلح للنشر ، و عرفته بابنها ليتدربوا سويا على الكتابة ، و فى هذه العمارة كان يسكن صلاح جاهين ، و صلاح عبد الصبور ، و هكذا بدأ عقد الصداقات مع العديد من المثقفين . و قال الكاتب أن أول لقاء له بنجيب محفوظ مازال محفور بذاكرته حتى الآن ، حيث جمعتهم المصادفة فى شارع عبد الخالق ثروت ، و تطورت تلك الصداقة حتى وفاة محفوظ و كان وقته الغيطانى أقرب صديق له على قيد الحياة . وقال الغيطانى أن ندوات الشيخ أمين الخولى و نجيب محفوظ كانت الأكثر تأثيرا فيه ، و عبد الفتاح الجمل ، كان له الفضل على جيله بأكمله ، قائلا : جيل الستينات " يغرب الآن " . و أشار أن مصيبة الأدب الآن التى ستدمره إن لم نقاومها هى " الأكثر مبيعا " التى تجرده من قيمته . السجاد و الشيوعية و لرغبته فى اختصار طريق التعليم ، اختار الغيطانى التعليم الفنى ، و دراسة فن السجاد " البخارى " ، و يقول عن ذلك : " لقد اضطررت لدراسة السجاد ، و لكن لو عاد بى الزمن ، لاخترته مرة أخرى " .. و تابع : عندما أكتب الآن اشعر أنى أرسم " سجاد " فهو يمثل فن المنمنمات ، و علمنى الصبر ، و هو حتى الآن يعد خبير سجاد بخارى . و أضاف الغيطانى أنه لتفوقه بالدراسة التحق بكلية فنون تطبيقية ، و هناك درس النسيج ، و لكنه اعتقل بعدها بعامين فى بداية الستينات ، لالتحاقه بتنظيم شيوعى متطرف كان يرى أن الاتحاد السوفيتى خان القضية ، و ضم التنظيم الأبنودى و يحيى الطاهر عبد الله و سيد حجاب و صبرى حافظ و غيرهم من المثقفين . و قال الغيطانى أنه ترك التنظيم قبل اعتقاله بعام ، و لكن أحد اصدقائهم كان متعذر فى مبلغ 150 جنيها من أجل زواجه ، فسلم الشرطة قائمة بأسمائهم ، الذى لم ينجو منه سوى بفضل المفكر الفرنسى جان بول سارتر ، الذى اشترط ليزور مصر أن يتم الإفراج عن المثقفين . و برغم ما عاناه الغيطانى فى المعتقل ، و حديثه عن أخطاء تلك المرحلة ، و لكنه طالب بعودة جهاز أمن الدولة ، و أكد أن جمال عبد الناصر سيظل قيمة للعدالة الاجتماعية ، و لازال يتذكر ما قاله والده له : " لولا عبد الناصر لم تكن للتعلم " ، و رأى االغيطانى ان خطا عبد الناصر الوحيد هو اختياره ل " السادات " ، و أن ما نعانيه حتى الآن ، هو نتاج عصر السادات . و قال الكاتب أن حرب 6 أكتوبر حق أريد به باطل ، مستدركا بقوله : قد يكون للسادات أسبابه و أنا لا أخونه . حكايتى مع الزمن شاركنا الغيطانى فى تجربته كمراسل حربى الذى جعلته ينام فى المواسيبر و الخنادق ، و جعلته يمر بتجربة موت وشيكة ، أثرت فى نظرته للحياة و الأدب . و كان ذلك عند تهجير أهالى السويس ، التى كانت تعدادها نصف مليون مواطن ، لم يتبقى منهم سوى 3 الآف ، متذكرا تلك الجسلات التى جمعته بالكابتن الغزالى و الفدائيين على مقهى " أبو رواش " .. و فى أحد المرات و هو جالس على الرصيف مع عسكرى مطافى صمم أن يجلس مكانه ، و ما هى سوى دقائق و رآه يهوى على الأرض نتيجة شظية بجانب المخ ، و قال الغيطانى : " لولا أنه تبادل معى الأماكن ، لكان ما كان " . و منذ ذلك الوقت أصبح هاجسه ذلك التساؤل الذى قرأه فى أحد كتب الصوفية : " لماذا كان يمكن أن يكون لو كان ما لم يكن ؟ " .. ليصبح الزمن هاجس كتباته و بطلها ، و قال الغيطانى : توصلت أنه لولا ما كان ما كنت ما عليه الآن " . كما تحدث الكاتب عن علاقته بالصوفية التى رآها رفيقة لروحه منذ الصغر ، و كذلك اهتماهه بالمكان و العمارة و الموسيقى أثرا على كتاباته ، ليضيفا لها إيقاعا خاصا و تكوينا ، و يحل عليها سحر المكان ، عشق الغيطانى الموسيقى الكلاسيكية منذ الصغر و خاصة التركية ، كما انجذب للموسيقى الإيرانية و الصينية . و ختم الكاتب حديثه قائلا : الكتابة لى كالتنفس ، و الآن أعيش فى حياتى أفضل وقت للكتابة ، ووقع الكاتب فى نهاية الحفل مجموعته القصصية الجديدة " يمام" بالإضافة لمجمل أعماله .