واشنطن: من المنتظر أن يتعهد صناع القرار في مجموعة العشرين بالإبقاء على إجراءات التحفيز الاقتصادي لحين التأكد من الانتعاش والعمل على طمأنة أسواق المال بأن لديهم خططا يعتد بها للانسحاب من إجراءات التحفيز في الوقت المناسب. ففي الوقت الذي خرجت فيه دول العالم الواحدة تلو الأخرى تعلن بوادر انتعاش في اقتصاداتها بعد أزمة مالية طاحنة صنفها أغلب الخبراء على أنها الأسوأ منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي حذر صندوق النقد الدولي الدول الصناعية من التسرع في وقف جهودها المكثفة لإخراج اقتصاداتها وقطاعاتها المالية من الأزمة ،مشدّدا على أن الانتعاش الذي بدأ في معظم مناطق العالم والنمو الذي عاد إلى بلدان متقدمة مثل فرنسا وألمانيا، يستمدان قوتهما من برامج الحفز الاقتصادي والإنقاذ المالي. وقال المدير العام لصندوق النقد الدولي دومنيك ستروس- كان في كلمة أمام المؤتمر السنوي السادس للمصرف المركزي الألماني (بندسبنك) أمس إن "الاقتصاد العالمي يبدو في طريقه إلى الخروج أخيراً من أسوأ ركود نشهده في حياتنا وانتقلت بلدان مثل فرنسا وألمانيا إلى مرحلة النمو، لكني أتوقع أن يكون هذا الانتعاش بطيئاً نسبياً إذ لا تزال الاقتصادات المتقدمة تعتمد إلى حد كبير على السياسات التحفيزية وعملية بناء المخزونات مع استمرار ضعف الطلب المحلي". وأوضح في كلمته التي نشرها الصندوق الدولي أن الاقتصادات الصاعدة تحقق نمواً أقوى وآفاقها أفضل بكثير من نظيراتها الصناعية، لكنه حذر من أن وتيرة النمو البطيئة لاقتصادات شركائها التجاريين من الدول المتقدمة، لا تشكل أبرز الأخطار التي تواجهها فحسب، بل تسهم في جعل انتعاش الاقتصاد العالمي ككل "هشاً". ونبه ستروس – كان من أن "هشاشة" الانتعاش العالمي تقتضي من الدول المتقدمة التزام جانب الحذر في مسألة إنهاء برامج الحفز الاقتصادي، وحذّر من احتمال تفاقم أزمة المال في حال أوقفت جهود إنقاذ المصارف المتعثرة قبل استكمالها. وناشد مجموعة العشرين، التي تمثل زهاء 80% من الاقتصاد العالمي وتضم الاقتصادات المتقدمة المسئولة عن أزمة المال والاقتصاد العالمية وضحاياها من الاقتصادات الصاعدة ومن ضمنها السعودية، تنسيق استراتيجيات إنهاء برامج الحفز والإنقاذ، معتبراً الأمر "أكثر أهمية من التنسيق الجيد جداً الذي رأيناه في التصدي للأزمة". وعلى رغم عزم صندوق النقد تعديل معدلّ نمو الاقتصاد العالمي المتوقعة لعام 2010 صعوداً إلى 3% (مقارنة مع 2.5% أبريل الماضي) أبدى ستروس - كان قلقه من البطالة التي توقع أن تستمر بالتزايد حتى نهاية 2010، منبهاً إلى أخطار "الثمن الاقتصادي الفادح والتبعات الاجتماعية الأكثر فداحة لبقاء أعداد ضخمة من الناس بلا عمل" وقال "لكل هذه الأسباب يحسن بصناع القرار اختيار التزام جانب الحذر عند تقرير موعد إنهاء سياسات التصدي للأزمة"، موضحاً مع ذلك بأن التدخل الحكومي يتعين أن يتوقف عندما يبدأ القطاع الخاص بالتعافي، واعتبر الوقت الحالي موعداً مناسباً للبدء في إعداد استراتيجيات الخروج. وشدد على أن انتعاشاً مستداماً في الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد الأزمة يستوجب إعادة التوازن إلى الطلب العالمي، لكن لفت إلى حدوث تطورات "دراماتيكية" على هذا الصعيد في الولاياتالمتحدة وبلدان أخرى تعاني عجوزات وديون خارجية غير مستدامة "لطالما حذّر صندوق النقد من عواقبها". وعلى صعيد متصل يجتمع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية من دول مجموعة العشرين المتقدمة والناشئة في لندن ليومين (مساء أمس الجمعة واليوم السبت) لبحث الخطوات التالية لمواجهة أسوأ أزمة مالية منذ الكساد العظيم وتحضير قمة المجموعة في 24 و25 سبتمبر في بيتسبرغ في الولاياتالمتحدة. ومن المنتظر أن يؤكدوا على الحاجة للإبقاء على التحفظ وبحث فرض قيود على رواتب المصرفيين وإصلاح هيئات الرقابة المالية والمؤسسات الدولية. وفي هذا الشأن قال وزير المالية البريطاني إليستير دارلينج "أعتقد أن بإمكاننا الشعور بالاطمئنان بشأن آفاق الاقتصاد عام 2010، لكن ما زالت هناك مخاوف ومخاطر يتعين علينا مواجهتها"، مضيفا "وأكبر هذه المخاطر هو الاعتقاد بأن المشكلة انتهت.. وأن الانتعاش أصبح مضمونا. لا يمكن لأي دولة الاطمئنان لذلك الآن.. يتعين أن نراقب الوضع".