اكتملت الاستعدادات لانطلاقة القمة الاستثنائية الخامسة للهيئة الحكومية للتنمية "إيجاد" الخاصة بأزمة جنوب السودان اليوم الخميس، بالعاصمة الإثيوبية، أديس أبابا. وتأتي هذه القمة الاستثنائية ال 28 ل "إيجاد"، في ظل تحديات كبيرة مع استمرار المفاوضات لأكثر من 10 أشهر، دون أن تبارح مكانها، بسبب تباين أطراف الصراع الرئيسيين (الحكومة والمعارضة) وتجدد القتال من وقت لآخر، لتكون هذه القمة الخامسة الخاصة بجنوب السودان. وكانت القمة الأولى بالعاصمة الكينية بنيروبي في 23 ديسمبر/كانون الأول، والتي تم فيها إقناع طرفي الصراع بالجلوس إلى المفاوضات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ليبدأ التفاوض بالرغم من التباين بين وفد الحكومة الذي ترأسه (نيال دينق نيال)، ووفد المعارضة الذي ترأسه "تعبان دينق قاي". وكانت أكبر العقبات التي واجهت المفاوضات التي انطلقت في السادس من يناير/كانون الثاني الماضي، الالتزام بوقف إطلاق النار ومن ثم قضية السبعة المفرج عنهم من المعتقلين، في 28 ديسمبر/كانون الأول وكيفية إشراكهم في التفاوض، وبنفس الدرجة شكلت قضية المعتقلين أزمة قبل الإفراج عنهم وبعده. وكان أبرز ما حققته قمة "إيجاد"، توقيع اتفاق وقف العدائيات بين الطرفين، ومناقشة القضايا الإنسانية في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، وهو الأمر الذي لم يستمر طويلا، حيث تم خرقه من قبل طرفي الصراع، وبدأت أزمة الاتهامات المتبادلة والمواجهات العسكرية، نتجت عنها أزمة إنسانية كبيرة أربكت حسابات المجتمع الدولي ومساعي "إيغاد"، في ظل تواصل المفاوضات الثنائية بين الحكومة. ومع اقتراب وصول المفاوضات لطريق مسدود، قدمت "إيجاد" وشركائها من الممثلين الدوليين اقتراحهم بالحل الشامل، وإشراك أصحاب المصلحة بجنوب السودان في المفاوضات، بعد أن كانت محصورة في طرفي الصراع ليصطدم هو الآخر بمقاطعة وفدي الحكومة والمعارضة، وذلك لرغبة كل منهما بتحديد المجتمع المدني من جانبه. الأمر الذي رفضته "إيجاد" التي كانت ترى أن المجتمع المدني في جنوب السودان واحد، وعليه قررت استمرار المفاوضات بعد أن امتثل الطرفان لقرارها. قمة "إيجاد" الثانية لأزمة جنوب السودان في 9 مايو/آيار التي جمعت بين رئيس جنوب السودان، "سلفا كير ميارديت"، وغريمه الذي يقود المعارضة المسلحة، "ريك مشار"، لأول مرة منذ اندلاع الحرب بينهما في 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي بتمهيد من "إيغاد" ومساعي رئيس الوزراء الإثيوبي "هايلي ماريام ديسالين"، في لقاء كل منهما على حدة. وخرجت القمة وقتها بتفعيل اتفاق وقف العدائيات الذي أبرم بين الطرفين، وتشكيل فرق التحقق والرصد ونشرها، لتنهار هي الأخرى، ويبدأ سيناريو الاتهامات بين الحكومة والمعارضة بخرق الاتفاقات مرة أخرى . وعقدت "إيجاد" قمة ثالثة خاصة بأزمة جنوب السودان في ال 10 من يونيو/حزيران، والتي شهدت أول لقاء بين الرئيس الأوغندي، "يوري موسفيني"، وزعيم المعارضة في جنوب السودان، "رياك مشار"، في وقت كان يرى الأخير أن تعقيدات الأزمة في جنوب السودان سببها التدخل الأوغندي لصالح حكومة جوبا، بينما كانت يرى موسيفيني أن تدخله كان وفق اتفاقات ثنائية بين حكومته وحكومة سلفا كير. وكان أبرز مقررات تلك القمة، تشكيل حكومة انتقالية بجنوب السودان خلال 60 يوماً وضرورة نشر قوات الردع الأفريقية كما ناقشت أهمية إشِراك الأممالمتحدة لتشرف على ذلك وعملية تمويلها، لتواجه هذه المقررات هي الأخرى الفشل، وانتهت فترة ال60 يوما دون تنفيذ أي من البنود، بل تجددت المواجهات بين الطرفين. وشهدت المفاوضات فتورا اضطرت على إثره "إيغاد" لإيقاف المفاوضات لأجل غير مسمى، في ال20 من يونيو/حزيران الماضي، حتى استأنفت المفاوضات في ال 4 من أغسطس/آب بعد قرار وساطة "إيغاد" بإشراك أًصحاب المصلحة من (منظمات المجتمع المدني -الأحزاب السياسية - رجال الدين - المفرج عنهم - وطرفي الصراع (الحكومة والمعارضة) . ورأى المراقبون وقتها، أن الجولات التي نظمتها وساطة "إيغاد" لرئيس المعارضة ريك مشار لزيارة دول "إيغاد"، حققت أثر إيجابي على مواقف المعارضة والمرونة التي ظهرت بها في الفترة الأخيرة، بينما رأى آخرون أن سلاح التلويح بالعقوبات الدولية لطرفي الصراع من قبل مجلس الأمن والسلم الأفريقي تارة ووساطة "إيغاد" تارة أخرى، ربما كانا وراء المرونة التي ظهرت على طرفي الصراع، رغم أن مجريات التفاوض لم تشر إلى ما أورده المراقبون وقتها . وكان من أبرز ما واجهت قمة "إيغاد" الرابعة، المقترحات التي طرحتها المعارضة بأن تكون نسبتها في السلطة 70 %؛ و20 للحكومة؛ و10% للأحزاب السياسية والتيأعتبرها المراقبون أبعد ما يكون لإقناع الحكومة، وما اتفق عليه كل المراقبون أن الحكومة لن تقبل به وقد كان، وكذلك من التحديات في ذلك الوقت، الأوضاع الإنسانية السيئة مع استمرار القتال وصعوبة إيصال المساعدات مع تعذر نشر قوات الردع الأفريقية. وبرغم ذلك، نجحت القمة الاستثنائية رقم 27 للإيجاد والرابعة الخاصة بأزمة جنوب السودان في ال 25 من أغسطس/آب الماضي، من خلال مصادقتها على برتوكول اتفاق المبادئ حول الاتفاقات الانتقالية لحل الأزمة. وتوصل طرفي الصراع إلى اتفاق حول المصفوف الأمنية، وتوقع المراقبون أن الاتفاق سيسهم في حل شامل للأزمة في دولة جنوب السودان، لكنها توقعات باءت بالفاشل، ولم ينعم شعب جنوب السودان بالسلام الذي ظل يحلم به. لم تسر الأمور كما سعت له وساطة "إيجاد" التي تعرضت هي نفسها للاتهامات والانتقادات، وقبل أن يمضي على بروتكول الاتفاقات لهذه القمة أربعة أيام، أعلنت المعارضة أنها لم توقع على المصفوفة الأمنية، الأمر الذي نفاه رئيس وساطة "ايجاد" لأزمة جنوب السودان "سيوم مسفن"، عبر مؤتمر صحفي في ال 30 من أغسطس/آب الماضي. وأكد "مسفن" أن المعارضة وقعت على المصفوفة الأمنية، واعتبر ما تقوم به المعارضة تنصل، وقال إن التصريحات التي تطلقها المعارضة وتدعي فيه بأنها لم توقع على المصفوفة لن يخدمها، مضيفا وقتها أنه لا يمكن أن تأتي المعارضة بعد أربعة أيام وتتنصل عن الاتفاق. التصريحات المتبادلة بين المعارضة ورئيس الوساطة، كانت القشة التي قصمت ظهر قافلة التفاوض، وعدها المتابعون لسير المفاوضات نذير فشل يلوح في أفق الأزمة بجنوب السودان، وقد تحققت رؤية المتابعين وتوقعاتهم خاصة بعد مهاجمة قوات المعارضة مدينة "بانيتو" في ال 28 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. الهجوم على "بانيتو" أدانته وساطة "يجاد"، عبر بيان رسمي، ووصفت الهجوم بالمعطل لعملية السلام ولا يخدم حل الأزمة ويؤخر عملية السلام الجارية في أديس أبابا، وناشدت في الوقت نفسه جميع الأطراف إلى إعطاء عملية السلام فرصة وضرورة الالتزام باتفاق وقف العدائيات، كما دعت رؤساء "إيغاد" والاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة والشركاء الدوليين للتدخل لإيقاف الاقتتال والضغط على طرفي الصراع لتنفيذ اتفاقية وقف العدائيات التي توصل إليه الجانبان في وقت سابق برعاية "إيغاد". ومن المفارقات والمفاجئات في أزمة جنوب السودان، أن كل هذه التطورات جاءت بعد جملة من الأحداث التي أطلق عليها حينها "تباشير انفراج في الأزمة" حيث الاتفاق الذي توصل إليه كل من الرئيس سلفا كير ونائبه ريك مشار في "أروشا" بتنزانيا في ال 21 من أكتوبر/تشرين الأول، لتوحيد الحركة الشعبية من خلال مبادرة تقدم بها رئيس الحزب الثوري الحاكم بتنزانيا. وخرج الاتفاق بتوحيد الحركة الشعبية، واتفاق مبادئي، ينص على أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لإعادة الاستقرار بالجنوب. ومن ثم القمة الرباعية التي استضافتها جوبا لقادة جوار جنوب السودان في ال 22 من أكتوبر/تشرين الأول. وزاد من التفاؤل، جولات رئيس وساطة "إيغاد" إلى دول "إيغاد" لاطلاعهم على سير المفاوضات، بين أطراف النزاع ببحر دار الإثيوبية، حتى بعد إعلان "إيغاد" تأجيلها إلى ال 16 من أكتوبر/تشرين الأول. وكانت "إيجاد" تبحث المفاوضات في عدد من القضايا الهامة، ومنها شكل السلطات المرتقبة لحكومة الوحدة الانتقالية، وهيكلة حكومة الوحدة الانتقالية، وحجم عدد مجلس الوزراء، وهيكلة السلطات التشريعية، وصلاحيات السلطة الرئاسية، والتنفيذية، والتشريعية، وآليات صنع القرار، وآليات فض المنازعات. ورغم كل هذه المعطيات الإيجابية والفاعلة في عملية إحلال السلام والاستقرار بجنوب السودان من قبل "إيغاد" وشركائها من المنظمات الدولية والإقليمية، ظلت أزمة جنوب السودان تراوح مكانها. ويعتقد مراقبون، أن سر أزمة جنوب السودان يكمن في أسباب انفجار الأزمة، حيث يرى فريق من المراقبين أن "إيغاد" أخفقت في تحديد الأسباب، والتي يرون أنها أسباب جهوية ومرتبطة بالتكوين الذي بنيت عليه الحركة الشعبية وهيكلية الدولة ومؤسساتها، ويرون أن الحل يكمن في إعادة هيكلة الدولة وفق منظور استراتيجي تتبناه "إيغاد". ويرى فريق آخر من المراقبين، أن أسباب الأزمة صراع سلطة بين سلفا كير ومشار، وأن كلا من الطرفين له ما يقف إلى جانبه في هذا التفكير السلطوي على حد قول المراقبين، ويرى هؤلاء أن الحل يكمن في إبعاد سلفا كير ومشار من أي حل قادم. ولعل كل هذه الآراء والاتجاهات المتباينة، تأكد أن الأزمة بجنوب السودان ظلت وستظل عقبة أمام قادة رؤساء دول "إيغاد"، الذين يجتمعوا الخميس للمرة الخامسة، من أجل إيجاد طريق لإنهاء الأزمة التي اندلعت في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي . ويعتقد كثير من المراقبين، أن قمة الغد قد تكون الفرصة الأخيرة لطرفي النزاع، خاصة وأن هناك تلويحات من "إيغاد" بتحويل الملف إلى مجلس الأمن الدولي، وهو بلا شك ما سيؤدي إلى إصدار عقوبات على طرفي النزاع، وتحمل مسؤولياتهم أمام كل ما ترتبت عليه الأزمة منذ اندلاعها. وهذه المزاعم والتوقعات، تؤكدها المساعي الحميمة ل"إيغاد" في الفترة الأخيرة وجولاتها المكوكية في إشراك ومناقشة شركائها، ومن تعتقد أن لهم تأثيرات على طرفي النزاع من قادة دول الجوار لجنوب السودان. وتبقى كل هذه الاسئلة والتوقعات رهينة بالقمة التي ستنطلق الخميس بأديس أبابا، ويظل السؤال الذي ينتظر الإجابة.. هل تنجح قمة "إيغاد" الخامسة في إنهاء الأزمة بجنوب السودان بعد أكثر من عشرة أشهر من الاقتتال؟.