قال د. زين نصار أستاذ النقد الموسيقي بالمعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون وعضو اللجنة العلمية لمهرجان الموسيقى العربية، ل"محيط"، أن المهرجان هذا العام 2014 يقدم دورته الثالثة والعشرين، فقد يعود تاريخ بداية المهرجان إلى عام 1992؛ حيث كانت بدايته بمناسبة مرور 25 عاما على إنشاء فرقة "الموسيقى العربية"، التي كان يقودها الفنان الكبير عبدالحليم نويرة. والمهرجان في بدايته كان يقدم حفلات فقط يشارك فيها الفنانين والملحنين من الدول العربية، ثم أصبح هناك مؤتمر علمي موازي للمهرجان، واستمر الأمر على هذا النحو، مع تكريم عدد من كبار الفنانين في مجالات الموسيقى العربية وفناني الخط العربي، ومن خلال المهرجان يتم تقديم مسابقة تتغير كل عام، فمرة تكون لعازفي الكمانجة، وغيرها للعود أو القانون.... ويحكمها كبار الأساتذة الموسيقيين العرب، ويقدم الفائز الأول سواء في الغناء أو العزف فقرة على المسرح في بداية حفل الختام. وأكد د. نصار أن الجمهور ينتظر احتفالية المهرجان كل عام، والتي تنظم في جميع مسارح الأوبرا وتكون ممتلئة بأكملها بالجمهور؛ حيث يشارك في المهرجان عدد من الدول العربية بفرقهم الموسيقية، بالإضافة إلى مشاركة كبار المطربين العرب؛ وكانت الراحلة د. رتيبة الحفني تحسن ترتيب هذه المسائل لما لها من علاقات ودية بكل الفنانين من الوطن العربي. لكن بعض الأحداث السياسية كانت تعيق بعض الدول عن المشاركة في السنوات الأخيرة. مهرجان الموسيقى العربية يقدم جديد في كل دورة، ففي إحدى المرات طرحنا قالب القصيدة، وهل مازالت موسيقى الدول العربية محتفظة بتلحين القصائد التي تحتاج لملحن قوي ومطرب قوي لديهما نفس طويل في العمل؟، مع علمنا بأن العمل الفني الواحد يكون له أكثر من اسم؛ حيث تختلف كل بلد في تسمية الأشكال الغنائية. وفي فترة وضعنا كتب تتناول التراث كالفرابي والكندي وابن سينا، وشارك فيها كبار الموسيقيين المصريين والعرب، قدموا إنجازات جيدة جدا؛ ولذلك نجد كل عام إنجاز هام جدا للمهرجان. كما يصدر في كل عام كتاب يضم ما انجزه المهرجان العام الماضي بما يتضمنه من حلقات النقاش والأبحاث. وتتناول محاور الأبحاث أغاني الأطفال، وتقييم للأعمال الغنائية المعاصرة وما تحمله من تغريب، واستخدام آله "الجيتار" بدلا من "العود"، وأسلوب الغناء البعيد عن الطابع العربي محاكاة لما يحدث في الكباريهات الغربية!!، فكل باحث في بلده يقدم ما عندهم من فن، فمثلا يوسف طنوس واسعد ماخور قدما أبحاث ممتازة من لبنان وغيرهم من تونس وسوريا والجزائر؛ لذا فهذا المهرجان يعد تجمع عربي فني يحسب لدار الأوبرا المصرية. وأول من قدم هذا المهرجان هو الراحل نصر الانصاري، والذي أصبح بمثابة تنشيط ثقافي وفني وسياحي، ننتظرها من العام للعام، لما تقدمه من فوائد في كافة الاتجاهات. وأوضح نصار أنه من نجوم المهرجان الذين اسهموا فيه الراحل د. صالح المهدي من تونس، والراحل توفيق الباشا من لبنان؛ حيث كان لهما اسهامات فعالة من مناقشات في الفن، كما أن كل المطربين الكبار في الدول العربية حرصوا على المشاركة بالمهرجان وكنا نسعد بهم، ومن بينهم صباح فخري، لطفي بوشناق، صفوان بهلوان، وديع الصافي، ومن المعاصرين فؤاد زبادي وعبده شريف الذي جاء للمهرجان بتوصيه من ملك المغرب. مؤكدا أن الموسيقى المصرية والسينما والمسرح هم السبب الأساسي في القوى الناعمة التي في قلوب العرب لمصر، فالعرب يحفظون أغاني محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وغيرهم، كما أن السينما علمتهم اللهجة المصرية، والأغاني أيضا، فنحن نمثل القمة بالنسبة لهم، وهم يقولون لنا أنهم تعلموا الألحان من كبار الملحنين المصريين، فنحن عندنا رصيد محترم يحبه الناس. وبسؤال د. زين نصار الذي يشارك للمرة الأولى في اللجنة العلمية للمهرجان عن اختفاء بعض نجوم المهرجان من الساحة الغنائية، قال أن هناك أيضا الكثير ممن يغنون جيد جدا في فرقة الأوبرا وليس لهم نصيب في الحياة الموسيقية!!، وأرجع ذلك لوجود تقصير من شركات الإنتاج، ومحطات الإذاعة والتليفزيونات المختلفة الخاصة والعامة. فحتى مسابقات اكتشاف المواهب كما قال "هايلة"، لكنها لا ترعى نجومهم بعد الفوز. وتذكر د. نصارالمسابقات التي كانت تنظمها الإذاعة المصرية زمان،؛ حيث كان هناك "ركن الهواه"، يتقدم فيه الموهوبين لتختبرهم لجنة استماع، ومن ينجح يعطوه ربع أو نصف ساعة يقدمها أسبوعيا في الإذاعة، كما كانوا يوفرون للفائز ملحن ونص شعري، وفرقة موسيقية واستوديو وعندما يسجل أغنية يحصل على مالها كاملا. وعندما سألناه لماذا لم تنظم مثل هذه المسابقات حاليا في الإذاعة، قال: "التعامل حاليا مع الجهاز الحكومي يحكمه عقلية موظفين وليست فنانين، لكن من الممكن أن يهتم القطاع الخاص بالموهوبين وينتج لهم، لكن لابد أن نقدم له فنان يحمل مقومات النجاح والقبول، فمثلا كارمن سليمان اكتشفناها في مسابقة في الإذاعة منذ عامين، وأمها تغني بنفس الجودة لكنها توارت لصعود ابنتها". وقال د. زين نصار عن الموسيقار الراحل "عطية شرارة" الذي يكرمه المهرجان هذا العام: هو أحد عظماء الموسيقيين المصريين، الذي طالما أمتع الجماهير في البلاد العربية وبعض البلاد الأوروبية، بمؤلفاته المتنوعة التي حرص فيها على المحافظة على الطابع العربي الأصيل، فبرغم دراسته لعلوم التأليف الموسيقي الغربي، بعد أن تمكن من علوم الموسيقى العربية فهما واستيعابا وتطبيقا، أخضع علوم تأليف الموسيقى الغربي من لغة هارمونية وأساليب كونترابطية وكتابة أوركسترالية وبناء موسيقي لخدمة الموسيقى المصرية، سواء في مؤلفاته للأوركسترا أو مؤلفاته في قالب الكونشيرتو المنفرد التي قدم من بينها كونشيرتو للناي وآخر للعود، وكذلك فقد ألف كونشيرتوين لآله الكمان بناهما على ألحان شعبية مصرية. كما أنه كان بارعا في عزف آله الكمان في أداء المؤلفات الموسيقية المختلفة.