يبدو أن ما لم تستطع الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها في منطقة الشرق الأوسط تنفيذه خلال ثورات الربيع العربي على بلدان بذاتها، رأت دول أخرى أن من بوابة الجزيرة العربية هدفًا جديدًا لتحقيق ذلك، مستغلة سلاحها الفكري الجديد والتطورات المتسارعة في منطقتنا التي تشتعل النيران في كل مكان فيها. اليمن مثلا.. موقع استراتيجي مهم يتحكم بطريقة التجارة الدولية، ويربط بين الشرق والغرب والقارات الثلاث عبر مضيق باب المندب، وهنا (مربط الفرس) التي تسعى كل من إيران وحلفائها وأمريكا وشركائها للاستيلاء على هذه المنطقة من خلال أنصارها، وعيونهم على أرض الكنانة بعد أن فشلت كافة السبل بزعزعة استقرارها.. كيف ذلك؟ حسنا.. المتتبع للمشهد اليمني والتطورات المتسارعة في الشمال والسقوط المفاجئ لغالبية المحافظات تحت سيطرة الحوثي بدعم إيراني لا محدود، والانتفاضة الشعبية في الجنوب المطالبة لفك الارتباط وتقسيم اليمن إلى "يمنين" جنوبي وشمالي، بدعم (خليجي وإيراني)، يخال له أن ما يحدث في هذه المنطقة هو مجرد اقتتال أهلي لا أكثر، بينما الحقيقة أن ما يحدث هو مفتعل دولي كل خطوة حوثية وصيحة جنوبية لها حسابات مدروسة بعناية. فالحوثي الذي يسيطر على المحافظات الشمالية بمساعدة الجيش الذي تم "هيكلته" عقب احتجاجات 2011، يتسابق مع الزمن للحسم مبكرًا بالحرب أو السلم للوصول إلى باب المندب، ورفع راية إيران هناك عاليا مطلي عليه ب"اللون اليمني"، غير أن ما واجهته الجماعة في وسط اليمن من قتال شرس وضار ورفض أهل المنطقة نشر التشيع هناك أو التمدد الحوثي في المنطقة، قد يعرقل المشروع الحوثي – الإيراني قليلا، لكن تدخل جهات نافذة في اليمن قد تسهل من عملية التمدد والوصول إلى باب المندب. تلعب إيران أيضا على ورقة الانفصال، وتدعم بسخاء فعاليات انفصالية خارج اليمن تحديدًا في (السعودية – الكويت)، فضلا عن الدعم السخي بالمال والسلاح للانفصاليين داخل الجنوب في حال وإن أفشلت قبائل اليمن وصول جماعة الحوثي إلى باب المندب في الوقت المناسب، تكون ضمنت يدًا لها في الجنوب، لكن الولاياتالمتحدةالأمريكية وعبر حليفتها الشقيقة الكبرى يلعبون أيضا في المنطقة "الجزء الجنوبي الشرقي لليمن (حضرموت)" نتيجة للثروة النفطية والسمكية الهائلة التي تتمتع بها المحافظة، فضلا عن أهمية موقعها الاستراتيجي أيضا وإطلالها على البحر العربي، لزرع أسطول عسكري أمريكي في المنطقة لتكتمل تطويقها بالأساطيل الحربية. إذًا.. لماذا كل أعداء الكون يتحاربون في هذه المنطقة.. أعتقد أن الهدف واضح جدًّا بالنسبة لأمريكا وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط، لكن الهدف البعيد والخطير هو الهدف الإيراني الذي يسعى لإعادة الإمبراطورية الفارسية بطريقة عصرية، والتحكم الاستراتيجي في المنطقة العربية، أهمها التحكم بمصير التجارة الواردة من وإلى مصر، ولي ذراعها كل ما حاولت دعم السعودية أو تحدثت بعداء لهذه الدولة.. شرح هذا كبير، ويحتاج لموضوع متخصص يتحدث عن المساعي الإيرانية وأهدافها الخفية في المنطقة، لكني اكتفي بالإشارة هنا. طبعا.. يتحدث العديد من المصريين المندفعين بأن جيشه لا يمكن أن يسكت ويترك الحوثيين أو الإيرانيين بالوصول إلى باب المندب أو الانفصال الذي تدعمه إيران، لكن مصر تدرك أن اليمن لها تضاريس وطبيعة صعبة لا يمكن أن تكرر ستينيات القرن الماضي، بالرغم من أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تسعى لتوريط الجيش المصري في أي من الحروب التي تدور رحاها حاليًا، سواء مع داعش أو للدفاع عن باب المندب، والهدف في ذلك فقط استنزاف لا أكثر. فمصر يمكن أن تلعب دورًا محوريًّا وتقود سياسيا إلى إخماد الخطر القادم من جنوب الجزيرة العربية، وتستطيع أن تنجح في هدفها إذا تحركت سريعا في الوقت المناسب، وليس بعد أن يصل الحوثيين باب المندب أو تصاعدت وتيرة الانفصال المدعوم إيرانيا، حينها ستصبح مصر مجرد دولة فقدت محوريتها.. نتمنى ألا نصل إلى هذا! محلل سياسي يمنى