تشكّل الانتخابات التشريعية في تونس، والمقرّرة في 26 أكتوبر / تشرين الأوّل الجاري والتي ستليها بنحو شهر الانتخابات الرئاسية ، خطوة نحو إنجاح المسار الانتقالي في البلاد، غير أنّ اكتمال نجاح هذا المسار يجب أن يمرّ عبر الإطاحة بجملة من الصعوبات الداخلية والإقليمية والدولية التي تتراءى في أفق المشهد السياسي التونسي، بحسب قراءات لوكالة "الأناضول"، قدّمها محلّلون سياسيون غربيون. المختصّ في علم الاجتماع والسياسة والخبير بالشأن التونسي، الفرنسي "فنسنت غيسير" رأى أنّه وعلى إثر قرابة 4 سنوات من انطلاق ثورات "الربيع العربي"، تعتبر تونس "الناجي الوحيد" من تقلبات هذا "الربيع"، بدليل أنخراطها في عملية انتخابية جديدة، في وقت يشهد فيه جزء كبير من المغرب العربي والشرق الأوسط انبعاث الدكتاتوريات من جديد، وتواتر الحروب الأهلية. انقاذ المسار الانتقالي وأوضح الباحث الفرنسي:" يمكن أنّ تشكل تونس استثناء ايجابيا في العالم العربي، وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية (المقرّرة ل 23 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل)، دليل على أنّ البلاد تمكّنت من إنقاذ مسارها الانتقالي" خلافا لدول أخرى. من جانبه، أكّد الباحث بالمعهد الفرنسي للشرق الأوسط في بيروت "نيكولا دوت- بويار"، أنّ "درب الديمقراطية هذا اتخذته تونس منذ انتخابات المحلس التأسيسي في 2011، ولذلك ليس هناك سبب واضح يمنع انعقاد هذه الانتخابات بنفس الطريقة الناجحة". أمّا الناشط التونسي-الفرنسي المقيم بفرنسا "وجدي ليمام"، فقد أشار إلى أنّ الجالية التونسية (في فرنسا) تعيش بدورها على وقع الانتخابات، وتؤمن ب "ضرورة تعزيز العملية الانتخابية" في بلدهم الأصلي، مضيفا أنّ "الحملة الانتخابية (التي تهم الجالية) تحظى بجدّية كبيرة في فرنسا، حتى أنّه هناك إفراط في النشاط من قبل المرشّحين خلال حملاتهم (الانتخابية)". وختم طالب العلوم السياسية حديثه للأناضول، قائلا "المجلس (الوطني) التأسيسي مكّن تونس من اعتماد دستور والمضيّ نحو الانتخابات بشكل جيد". الخطوات التي قطعتها تونس في طريقها نحو الديمقراطية تبدو على قدر من الأهمّية، غير أنّ ذلك لا ينبغي أن يحجب جملة التحدّيات المحلّية والإقليمية والدولية التي تواجه استكمال مسارها الديمقراطي، ضمانا لديمومة المؤسّسات المتمخّضة عنه. محط أنظار العالم استثناء تونس من تقلّبات "الربيع العربي" جعلها محط أنظار العالم بأسره، خصوصا في مثل هذه المواعيد الانتخابية الهامة، وفقا للمحلّل الرئيسي للشأن التونسي بمنظمة "انترناشيونال كريزيس غروب" (دولية غير حكومية مقرها الرئيسي في بروكسل)، "مايكل بشير العياري"، والذي عقّب على هذا الجانب قائلا "نشعر بضغط دولي، وكأنّه يتحتّم على تونس، بأيّ ثمن كان، أن تكون نموذجا أو مثالا يحتذى به في العالم العربي، وأن تقوم بإنجاح مسارها الانتقالي". وفي زيارة إلى تونس الأسبوع الماضي، قال الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون"، في بيان، أنّ "تونس أنعشت الآمال في شمال أفريقيا والشرق الأوسط و في العالم عندما ولدت الربيع العربي" واطاحت ثورتها بنظام حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، مطلع 2011. نموذج فريد "كي مون" أضاف أيضا أنّ الانتخابات التونسية المقبلة "ستجعل من تونس نموذجا فريدا من نوعه في المنطقة العربية". وإضافة للضغوطات الدولية، تواجه تونس أيضا وضعا إقليميا غير مستقرّ، مردّه استمرار النزاعات التي تهزّ جزء من المغرب العربي والشرق الأوسط.. اهتزاز كان لابدّ وأن يصيب المسار الديمقراطي في تونس ببعض الوهن، وهدّد نجاح التجربة التونسية، خصوصا بحكم الجوار مع ليبيا، حيث تسود الفوضى مؤسّسات البلاد. ووفقا للعياري، فإنّ "نجاح الانتقال الديمقراطي بشكل كامل في تونس، مرهون بقدرتها على الانفصال عن الاستقطاب الإقليمي"، ذلك أنّه "من الصعب على تونس أن تشكّل حالة متفرّدة، نظرا للاستقطاب الإقليمي الناجم عن العنف المتزايد في الصراعات المتواترة في العالم العربي". وذهب المحلّل للشأن التونسي لأكثر من ذلك، قائلا "نخشى أيضا أن تخيّم المشاكل الإقليمية الظهور من جديد على الحملة الانتخابية التونسية، فتتسبّب في انهيار الأمن في البلاد"، محذّرا من مغبّة أن يقتصر الاهتمام على المشاكل الداخلية فحسب". وختم العياري حديثه قائلا إنّ "تونس بإمكانها –رغم كلّ ذلك- أن تشكّل استثناء، ولذلك عليها عدم تسييس مسألة الإرهاب، وإعادة تأميم الصراعات الإيديولوجية". غياب الحماس نقطة سوداء أخرى يمكن أن تهدّد اكتمال "الربيع التونسي"، ألا وهو غياب أو انعدام الحماس لدى جزء من الناخبين التونسيي، رغم أنّهم "يعيشون لأوّل مرّة انتخابات مصيرية حقيقية". الباحث "غيسير" قال، عن الجزئية الأخيرة، أنّ "التونسيين دون عاطفة أو حماس خلال الفترة الانتخابية، كما لو أنّ الأمر لا يعنيهم أو أنّهم متعبون". فبالنسبة له، فإنّ هذا النقص في الاهتمام لا ينبع من حنين للنظام السابق (نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي)، كما يغامر بعض المراقبين للشأن التونسي بالإشارة إليه، وإنّما يعود إلى "خيبة أملهم على الصعيد الاقتصادي". ولفت "غيسير" إلى أنّ "المناطق المهمشة في عهد بن علي، ظلّت على حالها، كما أنّ الطبقات الشعبية التي أسقطتها الديمقراطية الجديدة، أصيبت بخيبة أمل من ثورة لم تجلب لهم، في الواقع، ومن وجهة نظر اجتماعية واقتصادية، لا مواطن شغل ولا أمنا اجتماعيا، ولا حتى رفاها اقتصاديا". يضاف إلى ذلك حقيقة أنّ "الفاعلين السياسيين لم يتمكّنوا بع من استيعاب فكرة أن القرار بيد الشعب". وأضاف أنّ "الدستور (التونسي) الجديد، والذي حظي بتصويت ديمقراطي من قبل مجلس منتخب عن طريق الاقتراع العام، خلق تغييرا في دور المؤسسات، بحيث أضحى البرلمان في مركز الحياة السياسية للبلاد"، لافتا إلى ما حدث على هذا المستوى من إعادة توزيع السلطات بين رئيس الوزراء والرئيس.. وهذا يعكس تجاوزا للنظام الرئاسي، الذي كان يحتكر السلطات الثلاث في قرطاج (القصر الرئاسي)". وأوضح الباحث أنّ "الإشكال يكمن في إيمان الفاعلين السياسيين –إلى غاية اليوم- أنّ السلطة ما تزال في قرطاج، ومقتنعون بأنّ الانتخابات الحقيقية تتعلّق بالرئاسيات (وليس التشريعية). وهذا خطأ، لأنّ الانتخابات التشريعية هي الأهمّ، إذا ما أردنا التحدّث من الناحية الدستورية، غير أنّ التونسيين ما يزالون يرفضون سباق السلطة هذا". أما الباحث "نيكولا دوت- بويار"، فقد ختم حديثه مشيرا إلى ضرورة أن يتخلّص الساسة التونسيون من فكرة الكتلتين: "الحداثيين" المعرضين ل "الإسلاميين"، والتفكير، بالتالي، في إقامة التحالفات، مشيرا إلى أنّ "الطريقة الوحيدة للحصول على أغلبية برلمانية تكمن في كسر الاستقطاب السائد خلال السنوات الأخيرة". فيما رأى "ليمام" أنّه لابدّ من "نفس جديد في اللعبة السياسية التونسية، لأنّ حصيلة عمل الترويكا كانت مخيبة لآمال الكثير من التونسيين المقيمين بفرنسا، وخصوصا فيما يتعلّق بالعدالة الانتقالية والعدالة الاجتماعية".