هو الغائب الذي لا يحضر، وأنا المشتاق الذي لا أنسى ... أن تفتقد شئ معناه أن روحك تُنتزع منك في كل مرة تشعر فيها بهذا الشعور، والافتقاد من الممكن أن يكون لشخص، ذكرى، أو وطن. هناك دائمًا حنين لشئ ما، فكرة تُسيطر على الذهن، تجعل الروح تتعلق بها، تجعل النفس راضية سعيدة، دون سبب، رغم أن استدعاء ذلك الافتقاد يجعل من الحزن عالمًا نسكن فيه، ونخبر من حولنا "أنها ليست رغبة في البعد، لكنها حاجة الأحزان للرعاية عندما تتكاثر". الاشتياق، قد يكون نعمة أو نقمة على حسب الشئ الذي نشتاقه، فلو كان شخصًا يصعب الوصول إليه، بسبب نسيانه لنا، نظل نلوم أنفسنا على مجرد تذكرنا له، وإن كان اشتياقًا لواقع نود أن نعيشه ونتعايش معه، يجعلنا ذلك ندخل في دهاليز أحلامنا؛ لكى تسوق لنا الأقدار واقعًا يشبه ذلك الذي نتمناه. مُجاهدة النفس في التغلب على اشتياقها، تُصعب الأمور أكثر وأكثر، وقد تزيدها سوءًا بأن تجعلنا من المستحيل أن ننسى، يقولون النسيان نعمة من المولى عز وجل، وهى حقيقة نحمده سبحانه وتعالى عليها في كثير من الأحيان، لكن في بعض الأوقات تجلس مع نفسك وتظل تدعو أن لا يأتي يوم عليك تنسى فيه من تفتقد، من تشتاق، من تحن إليه ويعجز جسدك عن الوصول إليه، ولا يبقى لديك من أمل في التواصل معه سوى تذكره، برغم أن ذلك قد يجلب عليك من المتاعب الشئ الكثير. لكل شئ حكمة، وحكمة الافتقاد في اعتقادي، تزيد الصلة بينك وبين من تفتقد، وتجعلك لا تقدر سوى على تذكر كل لحظة رائعة مرت بك معه، أو من خلاله، هى حكمة الله في أن نحيا على ذكريات جميلة تُلازمنا في رحلة عمرنا. افتقد كما شئت، اشتاق كما شئت، فأنت اليوم تفتقد وغدًا سيأتي الدور عليك لكى يفتقدك غيرك، ووقتها ستتمنى لو لم يشعر من يفتقدك بمثل شعورك حينما اشتقت، لكنها الحياة، تجعلنا نشتاق ومشتاقين، تجعلنا نفتقد ونكون مفتقدين، الحنين داء ودواء، وحتمًا سيصيبك سقمه، وقتها ستقول "وداوني بالتي كانت هى الداء".