أجمع خبراء لبنانيون على أن الحملة العسكرية التي يقودها التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" في سورياوالعراق لن تؤدي للقضاء على هذا التنظيم، بقدر ما تهدف إلى إعادة "ترتيب" المنطقة و"تقسيمها"، وقيام "دولة كردية" تستغل مرحلة "اللا يقين" الدولية والإقليمية في ظل صراع المحاور في المنطقة. وقال الأستاذ بالجامعة الأمريكية والخبير في الشئون الأمريكية كامل وزنة: "إن الحرب على داعش تكرّس عملية التقسيم في المنطقة وبالأخص في العراق"، معتبرًا أن كردستان "إقليم شمال العراق" أصبحت محمية غربية ونلاحظ أن الدعم الذي خصصه الغرب للعراق والمستمر حتى الآن هو فعليًا كان لكردستان "إقليم شمال العراق" وليس للعراق. وأضاف وزنة، في تصريحات لوكالة "الأناضول" الإخبارية، أنه مع هذا الدعم العسكري ستتكرس حالة الانقسام الموجودة لدى الأكراد ويتعزز نفوذهم وسعيهم للاستقلال، فوصول الدعم العسكري لهم "الأكراد" يمنع لمّ شمل العراق. دولة للأكراد وأشار وزنة إلى أن الأكراد كانوا وما زالوا يسعون لإقامة دولتهم لكن السؤال: هل تقبل دول المنطقة مثل سورياوتركياوالعراق بها؟ وإذا كانت لا تقبل فهل هي قادرة على منعها؟، معتبرًا أن طريقة تعامل الإدارة الأمريكية مع الملف تساهم في جزء كبير بالمساعدة في إقامة هذ الدولة. لكنه عبّر عن اعتقاده أن الأتراك سيمنعون أكراد سوريا من إقامة دولة خاصة بهم، أما إيران فلديها حذر كذلك من قيام كردستان كدولة خصوصًا بعد إظهار الأخيرة علاقاتها بإسرائيل واعتبارها قاعدة متقدمة لها. ولفت إلى أن كل ذلك يجري في وقت "تشهد المنطقة فيه صراعًا دينيًا، هو سني – سني أي بين الإخوان المسلمين والوهابيين من جهة، وسني – شيعي من جهة أخرى". وأكد وزنة على أن الصراع السني – السني: "هو الذي يشكل التحدي الأكبر للاستقرار في المنطقة لأنه صعب التصالح خصوصا أنه يدور حول على من يتزعم الزعامة الإسلامية السنية: تركيا – قطر أم السعودية – مصر؟ بينما الصراع السني – الشيعي هو أقرب إلى الحل لأن ليس فيه منافسة على زعامة العالم الإسلامي". هدف الحملة وقال العميد الركن المتقاعد هشام جابر مدير مركز "الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة" ببيروت "غير حكومي"، في حديث ل "الأناضول": "إنه إذا كان الهدف القضاء على الدولة الإسلامية "داعش" فليس هكذا تكون الحملة العسكرية، وهذا معناه أن القصة طويلة وهذا القصف يعني إضعاف داعش وتحجيمه وتقليم أظافره في سورياوالعراق لا القضاء عليه". وأضاف جابر عميد جيش متقاعد: "لست مقتنعًا إطلاقا أن هذا التحالف يريد القضاء على داعش والتنظيمات الإرهابية الباقية، فنحن "ضباط الجيش اللبناني" تلقينا دورات عند الأمريكيين وبحسب ما علمونا ما هكذا تورد الإبل". ورأى أن هذه الحرب "ستكلف مليارات الدولارات كنفقات حرب وتسليح"، معتبرًا أنه "تم خلق وحش لتخويف الدول العربية اسمه داعش وهذا يذكرني بخلق وحش اسمه صدام حسين وامتنعوا عن القضاء عليه عام 1991 لابتزاز دول الخليج وبيعها السلاح، وهو الأمر نفسه يتكرر حاليا". واستغرب جابر من التصريحات "المتناقضة" التي صدرت في الفترة الأخيرة عن إدارة "رئيس مُتزن" كالرئيس الأمريكي باراك أوباما، وتحديدا تلك التي تشيد مرة بالمعارضة السورية المعتدلة وتعلن دعمها، قبل أن تعود وتعتبر أن ليس هناك من معارضة معتدلة، و"هذا يعني أنه إما أن الإدارة الأمريكية كانت تستمع لمنافقين أو هي تنافق". ووصف جابر ما يجري بأنه "حرب استنذاف وقصف البنى التحتية من محطات الكهرباء وصوامع القمح هو ضمن بنك أهداف محدد وليس عن طريق الخطأ"، مشيرًا إلى أن هذه الحرب وبحسب ما أعلنت الإدارة الأمريكية ستمتد لسنوات "فهي حرب طويلة، ما يجعلها حربا لإعادة ترتيب المنطقة". واستذكر جابر في هذا الإطار "الشرق الأوسط الجديد" الذي تحدثت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق كونداليزا رايس، عام 2006، بالإضافة إلى أن "نائب الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن كان طرح في الكونغرس عام 2005 اقتراحا لتقسيم العراق". وتساءل: "لماذا لم يتحرك الأمريكيون إلا حين اقتربت داعش من حدود الدولة الكردية؟"، معتبرًا أن "الدولة الكردية كعكة مسمومة زينت للأكراد عبر إعطائهم "مدينة" كركوك "العراقية"". وأشار جابر إلى أن أربيل تشكل خطا أحمر لسببين، الأول هو وجود مصالح نفطية فيها وخصوصا شركتي شيفرون الأمريكية وتوتال الفرنسية، والسبب الثاني هو اللوبي الصهيوني وإسرائيل الذي حرّض أمريكا وفرنسا للدفاع عن الكيان الكردي والدولة الكردية. ورأى جابر أن الدولة الكردية ستكون إسرائيل ثانية وستشكل خطرًا على تركيا بالدرجة الأولى وإيران وما تبقى من سورياوالعراق، مؤكدًا على أنها "لن تدوم طويلا". واستدرك جابر: "لكن الرئيس العراقي السابق جلال طالباني وقسمًا كبيرًا من الأكراد ضد إقامة هذه الدولة وضد الانفصال عن العراق"، مضيفًا : "أساسا هذا ليس من مصلحتهم وهم يشغلون منصب رئيس جمهورية العراق ومواقع متقدمة في الحكومة "المركزية" كالخارجية، والآن يطالبون ب"جهاز" الاستخبارات، إضافة إلى أن وجودهم في الكيان العراقي لم يمنعهم بتصديرهم 60% من نفطهم إلى إسرائيل". ولفت إلى أن هناك "صراعًا لمحاولة ترتيب المنطقة، وهو خلاف غير منظم بمعنى أن قطر والسعودية على خلاف لكنهما موحدان بوجه إيران مثلاً، وفي حين أن تركيا لم تستفد من الجغرافيا مع سوريا لكنها استعاضت عن ذلك وصححته بالاستفادة من الجغرافيا مع إيران وأبرمت عقودا اقتصادية بأكثر من 20 مليار دولار بغض النظر عن التوتر الحالي"، لكنه رأى أنه "إذا نجح التفاوض الأمريكي – الإيراني يتم خلط الأوراق مجددًا". إعادة ترتيب واتفق المحلل السياسي والخبير بالشؤون التركية، ميشال نوفل، مع وزنة وجابر، في أن "الحروب التي تخاض من الجو لا يمكن أن تقضي على داعش وليس لها أي تأثير على الأرض". ورأى نوفل، في حديث ل "الأناضول"، أن الهدف من العملية هو إعادة ترتيب النظام الإقليمي ودولة جديدة تظهر في المنطقة تخلق واقعا جديدا مثل ما خلقت إسرائيل، في إشارة إلى دولة كردية. ورأى أن الأكراد مضمونون من قبل الأمريكيين ويطمئنون إليهم كحلفاء لكونهم يزيدون العرب ضعفًا، مشيرًا إلى أن واشنطن لا مشكلة لديها مع الأتراك والإيرانيين بل مع العرب لأنهم تفككوا بسبب الربيع العربي. وتساءل نوفل: "كيف يكون لديّ ثقة بهم "الأمريكيين" فيحل قضية داعش في وقت لا يحلون فيه القضية الفلسطينية؟"، واعتبر أن "القضاء على داعش لا يحتاج حربًا عالمية وما يجري هو مناورة لكي يقولوا مجددا نحن هنا ونحن من يعيد ترتيب المنطقة"، معتبرًا أن "هذه حرب قد تستمر حتى 10 سنوات ولا تقضي على داعش". واعتبر نوفل أن ما يجري يمكن أن يكون "محاولة لتبرير الاتفاق مع إيران"، واصفًا سياسة الإدارة الأمريكية ب "الارتجال والغموض حتى أوباما نفسه غامض فتارة يقول إن داعش عدو نادر وأخرى يصفه بأنه مجموعة صغيرة". ولفت إلى أن الأطراف الحليفة لواشنطن مثل مصر وتركيا "غير مقتنعة بالحملة وتشكك والدليل تحفظاتها إزاء دخول التحالف، فمصر تخاف من نتائج هذه العملية، والأتراك يخافون ألا يحصلوا على النتيجة التي يريدونها وهي إسقاط النظام السوري". وحذّر نوفل من أن "المنطقة انفجرت وليس من محور قادر على ضبطها وتعيش صراعا مفتوحا بعد تفكك البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فيها". وبيّن أنه "يوجد فراغ قيادة في المنطقة فلا قوة عربية موحدة، والعرب بدورهم لا يقبلون الأتراك والإيرانيين، وزاد هذا الفراغ مع انسحاب الأمريكيين"، مضيفًا: "كل شيء في المنطقة يتحرك". وتابع: "كل شيء في المنطقة مرشح للتغيير في ظل الصراح المفتوح فيها"، مؤكدًا على أنه ما تمر به هو "مرحلة اللايقين". ويسيطر "داعش" على مساحات واسعة في الجارتين العراقسوريا، وأعلن في يوينو/ حزيران الماضي قيام ما أسماها "دولة الخلافة"، كما أعلن زعيمه أبو بكر البغدادي "خليفة للمسلمين". ويوجه التحالف الدولي، بقيادة الولاياتالمتحدة ومشاركة دول غربية وعربية، ضربات جوية لمواقع "داعش" في سورياوالعراق، ضمن الحرب على التنظيم. وإضافة إلى "داعش"، تستهدف الغارات "جبهة النصرة" وجماعة "أحرار الشام" و"شبكة خراسان"، وكلها جماعات مناهضة لنظام بشار الأسد في سوريا، وتعتبرها واشنطن وحلفاؤها في التحالف الدولي "تنظيمات إرهابية".