توقع محللون وخبراء سياسيون فلسطينيون أن تتبنى حركة حماس لغة سياسية ومواقف مغايرة، عما كانت عليه قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، ومن أبرزها "المرونة" في التعامل مع كافة الملفات الشائكة، في ظل ما تشهده المنطقة من متغيرات سياسية. ورأى الخبراء في أحاديث منفصلة لوكالة الأناضول أنّ حركة "حماس" تسعى لتأسيس مرحلة سياسية جديدة بعد الحرب، والعمل على إعادة ترتيب أوراقها السياسية داخليا وخارجيا. ومن الطبيعي أن تبدأ حركة حماس في بلورة مواقف سياسية، تتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة، كما يرى أحمد يوسف، الخبير في الشؤون الفلسطينية. ويقول يوسف، الذي يشغل منصب رئيس مركز بيت الحكمة للاستشارات وحل النزاعات بغزة (خاص)، إن حركة حماس، ستسعى إلى إعادة ترتيب أوراقها السياسية داخليا وخارجيا. ويرى أن "الحركة ستبذل كل جهدها في ترسيخ العلاقة مع حركة فتح، والابتعاد عن لغة التراشق، ليقينها التام أن المصالحة الوطنية، وتنفيذ كافة بنودها، البوابة الرئيسية نحو إعادة إعمار ما خلّفته الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة". ومن غير المقبول وفق يوسف، أن تخرج حركة حماس، من أجواء الحرب القاسية، إلى التناحر الداخلي، والانشغال في الخلافات السياسية. ومنذ انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 26 أغسطس/آب الماضي، تسود حالة من التوتر في العلاقات بين حماس وفتح، حيث تتبادل الحركتان الاتهامات حول جملة من القضايا. ومن أبرز قضايا الخلاف بين الحركتين اللتين تعتبران أكبر فصيلين في فلسطين، عدم دفع رواتب موظفي حكومة حماس السابقة في غزة، وهو ما تبرره حكومة التوافق ب"تحذيرات تلقتها من كل دول العالم بعدم دفع أية أموال لهؤلاء الموظفين، إلى جانب فرض إقامات جبرية على كوادر حركة فتح في غزة وهو ما تنفيه حماس. وفي لقاء سياسي عقده مع الصحفيين مؤخرا، أكد إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن حركته اتخذت قرار داخليا بتطبيق كافة بنود المصالحة مع حركة فتح، وعدم الانجرار إلى أي تراشق إعلامي. ووفق يوسف، فإن الواقع الذي خلفته الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة والمتزامن مع جملة من المتغيرات السياسية في المنطقة يدفعها نحو المرونة السياسية في كافة الملفات. وتابع : "حماس وبفضل أدائها العسكري خلال الحرب الإسرائيلية، رفعت من رصيدها الشعبي، لهذا هي مطالبة بالحفاظ على هذا الرصيد داخليا، وخارجيا، عن طريق تعزيز الوحدة، وإظهار لغة تقربها من كافة الدول". ووفقًا لاستطلاع رأي، أجراه "المركز الفلسطيني للدراسات السياسية والمسحية" في رام الله (مستقل)، في الضفة الغربية، مع بداية الشهر الجاري، فإن 61% من الفلسطينيين سينتخبون نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية رئيسًا لهم، إذا تم إجراء انتخابات رئاسية، مقابل 32% فقط سيمنحون أصواتهم للرئيس الفلسطيني محمود عباس. وأظهر الاستطلاع ازدياد شعبية حماس وقادتها بشكل غير مسبوق منذ عام 2006، ورأى 79 % من أهالي الضفة وغزة أن حماس انتصرت في العدوان الإسرائيلي الأخير، في وقت يثور جدل في الشارع الفلسطيني عن ماهية الانتصار الذي حققته المقاومة على الأرض. ومن جانبه، يرى وليد المدلل، رئيس مركز الدراسات السياسية والتنموية في غزة (مركز بحثي غير حكومي)، أنّ حركة حماس، ستسعى في الوقت الحالي إلى تثبيت التهدئة، ووقف إطلاق النار مع إسرائيل، والمساهمة في إعمار قطاع غزة، وبناء ما خلفته الحرب الإسرائيلية الأخيرة. وشنت إسرائيل في السابع من يوليو/تموز الماضي حرباً على قطاع غزة، استمرت 51 يوماً، وتسببت في مقتل 2157 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين، بحسب مصادر طبية فلسطينية، فضلاً عن تدمير 9 آلاف منزل بشكل كامل، و8 آلاف منزل بشكل جزئي، وفق إحصائيات لوزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية. وتوصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، يوم 26 أغسطس/ آب الماضي، إلى هدنة طويلة الأمد، برعاية مصرية، تنص على وقف إطلاق النار، وفتح المعابر التجارية مع غزة، بشكل متزامن، مع مناقشة بقية المسائل الخلافية خلال شهر من الاتفاق، ومن أبرزها تبادل الأسرى إعادة العمل إلى ميناء ومطار غزة. وبعد مرور نحو ثلاثة أسابيع من اتفاق وقف إطلاق النار، يقول مسؤولون فلسطينيون إن إجراءات رفع الحصار عن غزة، لم تبدأ، وإن الحركة التجارية على المعابر لم تشهد أي تغيير. وستحاول حركة حماس، وفق المدلل أن تنأى بنفسها عن أي تحالفات سياسية، قد تكلفها الكثير. وأضاف: "بعد الحرب التي خلفت آثار سياسية وعسكرية بعيدة المدى، حماس تؤمن بأنها أمام مرحلة جديدة، تتطلب منها أن تكون أكثر حذرا، ووعيا، خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع الدول العربية، فهي الآن بحاجة إلى الجميع، وإلى إظهار لغة الوطنية والشمولية بعيدا عن الحزبية". وكان أكثر من قيادي في حركة حماس، قد صرح مؤخرا أن الحركة تحاول ترسيم علاقاتها مع الدول العربية، وفي مقدمتها مصر راعية اتفاق التهدئة ووقف إطلاق النار. وبحسب موسى أبو مرزوق الذي صرح خلال ندوة سياسية مؤخرا، فإن حركة حماس تريد أن تتقدم في العلاقات والمسار الايجابي مع كافة دول المنطقة. وستقوم حركة حماس، كما يرى "هاني المصري" المحلل السياسي ومدير مركز مسارات لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية في رام الله (غير حكومي)، في الفترة القادمة، بإعادة ترتيب أوراقها داخليا، ومعالجة الآثار السيئة لفترة حكمها لقطاع غزة. وإبان فترة حكم "حماس" لقطاع غزة، (7 سنوات)، واجهت الحركة انتقادات واسعة، على الصعيد المحلي والخارجي، واتهمتها العديد من الجهات بالتقصير والفشل في الأداء السياسي، وإدارة شؤون الحكم. وبحسب المصري، فإنّ حركة حماس ستحاول أن تتبنى رؤية سياسية، تخدم الكل الفلسطيني، بعيدا عن الحزبية. وتابع: "حماس ستسعى إلى عدم التدخل، بأي دولة، أو بما يجري من أحداث في المنطقة، لأن القضيّة الفلسطينيّة تتطلب البعد عن المصالح الخاصة، والمحاور العربية، والإقليمية المتجاذبة". ورأى المصري، أن حركة حماس ستؤسس لشراكة سياسية كاملة، تمزج بين السياسة والمقاومة.