لم تتمكن الفلسطينية "بثينة رجب" من حبس دموعها، وهي تنتهي من إعداد أول وجبة طعام في بيتها الجديد، بعد أسابيع من السعي والبحث في شوارع قطاع غزة عن شقة سكنية ل"الإيجار". وانفجرت رجب (55 عاما)، بالبكاء، وهي تتذكر منزلها المكون من ستة طوابق، والذي أضحى ركاما بفعل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي بدأت في السابع من شهر يوليو/ تموز الماضي واستمرت ل"51" يوما. وتتحسر الأم لستة أبناء، على ما آلت إليه ظروف حياتها بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية، إذ استيقظت كما تقول لوكالة الأناضول، وقد تفرق "شمل" أسرتها. وتتابع: "4 من أبنائي المتزوجين كانوا يسكنون في داخل البيت الذي استغرقنا في بنائه سنوات، وكنا نعيش حياة هادئة، وجميلة، وما من وجبة طعام كنت أقوم بإعدادها، إلا ويكون لهم منها نصيب". وتستدرك بعد أن تتنهد بحزن: "الآن كل التفاصيل تبدلت، البيت أضحى ركاما، وأبنائي الأربعة بات كل واحد منهم في حي سكني آخر، وأنا وزوجي في شقة أخرى". وتسببت الحرب الإسرائيلية على غزة في تدمير 9 آلاف منزل بشكل "كامل"، كما دمّرت 8 آلاف منزل بشكل "جزئي"، وفق إحصائيات أولية لوزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية. وكانت أكثر الغارات الإسرائيلية دمارا وصدمة للفلسطينيين تلك التي حولت أبراج "الظافر 4" و"الباشا" و"الإيطالي" و"زعرب" السكنية، إلى مجرد ركام، وشردت نحو 150 أسرة كانت تقطن تلك الأبراج. ووفق إحصائيات فلسطينية وأممية، فإن الحرب الإسرائيلية خلفت نحو 500 ألف نازح، لجأ أغلب هؤلاء إلى وسط المدينة، سواء في مدارسها، أو مستشفياتها، أو المكوث عند أقاربهم وأصحابهم. وبدأ عدد من هذه العائلات النازحة في البحث عن شقق سكنية بالإيجار، وهي المهمة التي يصفها "سعيد عويضة"، (54 عاما)، ب"المعقدّة". ويُضيف لوكالة الأناضول، أنّه تمكن بعد أسبوع "مرهق" من الحصول على شقة سكنية، تضمه هو وثلاثة من أبنائه فقط غير المتزوجين. وتابع: "أما أبنائي الخمسة الآخرون، المتزوجون، فقد تشتت شملهم، وباتوا متفرقين، في أكثر من جهة، بعد أن كان بيتنا الكبيبر المكون من خمسة طوابق على مساحة تتجاوز ال"200" متر يضمنا جميعا". ويؤكد عويضة أن أصحاب الشقق السكنية يرفضون تأجيرها لأكثر من أسرة، كأن يقيم فيها الأب، وابنه المتزوج. ويستدرك: "أولا الشقق السكنية المعروضة للإيجار مساحتها صغيرة جدا، وبالكاد تتسع لأربعة أفراد، ويشترط أصحابها عدم تقسميها، لتكون عبارة عن جزأين". وهو الشرط الذي رآه الحاج الخمسيني" سعيد أبو شنب" "قاسيا" بالنسبة للعائلات النازحة، التي بدأ شملها يتفرق، كما يؤكد لوكالة الأناضول. وتابع: "أغلب العائلات في قطاع غزة تقوم ببناء عمارة سكنية تتكون من 5 أو 6 طوابق، بعد سنوات طويلة من الإدخار والعمل، ويتزوج الأبناء داخل شقق هذه العمارة". أما "مروة سالم" (49 عاما)، فلا تدري كيف ستمر الأيام، وخاصة يوم "الجمعة"، دون أن تلتقي بأبنائها، في جلسة عائلية موحدة، ويتناولوا طعام الغداء معا. وتضيف لوكالة الأناضول: "في كل صباح كان أحفادي يقبلون يدي ويد جدهم، ونلاعبهم، ويقضون ساعات من المرح، الآن أنا في شقة لا تتجاوز ال"100" متر، وكل ابن من أبنائي الثلاثة في مكان، وبيتنا المكون من 3 طوابق لم يعد له أثر". وتؤكد سالم أن الحرب الإسرائيلية لم تدمر البيوت، فقط بل دمرت على حد وصفها "الأرواح"، وأرهقت نفسيات سكان قطاع غزة. وتوصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، في السادس والعشرين من أغسطس/ آب الماضي، إلى هدنة طويلة الأمد، برعاية مصرية، تنص على وقف إطلاق النار، وفتح المعابر التجارية مع قطاع غزة، بشكل متزامن. وجاءت هذه الهدنة، بعد حرب شنتها إسرائيل على قطاع غزة في السابع من الشهر الماضي، واستمرت 51 يوماً، أسفرت عن مقتل 2152 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين، فضلاً عن تدمير الآلاف من المنازل، بحسب إحصاءات فلسطينية رسمية. وتتضمن الهدنة، بحسب بيان لوزارة الخارجية المصرية، وقف إطلاق نار شامل ومتبادل بالتزامن مع فتح المعابر بين غزة وإسرائيل بما "يحقق سرعة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثة ومستلزمات الإعمار. ومنذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي تعتبرها إسرائيل "منظمة إرهابية"، بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير/ كانون الثاني 2006، تفرض إسرائيل حصارًا بريا وبحريا على غزة، شددته إثر سيطرة الحركة على القطاع في يونيو/ حزيران من العام التالي، واستمرت في هذا الحصار رغم تخلي "حماس" عن حكم السلطة بغزة، وتشكيل حكومة التوافق الوطني الفلسطيني في يونيو/ حزيران الماضي.