عادت الحياة إلى مجموعة من الحارات العُمانية القديمة، بعدما هجرها سكانها إلى المخططات السكنية الحديثة، تاركين البيوت الطينية نهباً للريح وبؤراً لتجمع القوى العاملة الوافدة، تسكنها أو تعبث بين جدرانها. ومن أبرز الحارات القديمة في السلطنة، حارة منح وحارة آل بو سعيد في ولاية أدم التي خرج منها مؤسس الدولة البوسعيدية الحاكمة في عُمان. وأنجزت الحكومة العُمانية ممثلة بوزارة التراث والثقافة سلسلة من الترميمات التي طاولت عدداً من الحارات، لتبقى شاهدة على حياة اجتماعية مرت بين أنقاض منازل الطين، فيما عملت على توثيق هذه الحارات عبر مجموعة من الإصدارات قدمتها في طبعة إنكليزية أنيقة وتعمل على ترجمتها الى اللغة العربية. وانتهت أخيراً من طباعة الدفعة الأولى من خمس دراسات توثيقية للتراث المعماري المتمثل في خمس حارات في عدد من محافظات السلطنة، ضمن برنامج لحصر تجمعات المباني التاريخية وتوثيقها وحمايتها الذي تنفذه وزارة التراث والثقافة من خلال اللجنة الوطنية لتسجيل تجمعات المباني التاريخية وحمايتها. ومن المتوقع أن تصدر ثماني دراسات أخرى نهاية العام الحالي. وفي تصريح صحفي أوضح وكيل وزارة التراث والثقافة لشؤون التراث سالم بن محمد المحروقي أن طبع تلك الدراسات هو المرحلة الثانية من برنامج الحصر والتوثيق، بعدما سجّلت الوزارة حوالى 1100 حارة صنفت في ثلاثة مستويات، وفقاً للحال الإنشائية والأهمية التاريخية والمعمارية. وأشار المحروقي إلى أن المرحلة التالية اقتضت إجراء دراسات توثيقية مفصلة أو ما يعرف بخطة إدارة لتلك الحارات تتضمن التوصيف العام للحارة وسياقها الجغرافي والتاريخي والاجتماعي ومكوناتها وحالتها الإنشائية، وصولاً إلى المبادئ العامة للتدخل المطلوب والتوظيف المستقبلي. والحارات الخمس هي حارة السيباني في نيابة بركة الموز (في ولاية نزوى) التي تتميز بطبوغرافيتها الجبلية وبوقوعها ضمن محيط فلج الخطمين المدرج في قائمة التراث العالمي، وحارة اليمن التي تتميز بتخطيطها المستطيل الشكل والطرق الواسعة والمتقاطعة. أما حارة فنجاء أو كما تسمى حجرة فنجاء فلا تزال تحتفظ بمعالمها العامة، ويمارس الأهالي فيها العادات الشعبية المتعلقة بالأعياد. وهناك حارة السليف في ولاية عبري لأهميتها المعمارية والتاريخية، وحارة العقر في ولاية بهلاء المدرجة في قائمة التراث العالمي ضمن مفردات واحة بهلاء. وواجه الطموح الحكومي لترميم هذه الحارات طبيعة ملكيتها التي تعود للأهالي مع عدم معرفة أمكنة سكن بعضهم حالياً، نظراً الى التباعد الزمني بين هجرتهم الحارة والمخططات الحديثة لتحويل المباني المتساقطة أو الآيلة للسقوط إلى أماكن جذب سياحي تعرف بالحارة العمانية القديمة والترابط الاجتماعي، بخاصة في الشق القبلي حيث تسكن الحارة عادة أسرة واحدة كبيرة أو قبيلة ما.