شعوبنا تستمد وعيها من التليفزيون .. والدراما تزيف التاريخ مسلسلات "الهجان" و"عمر" و"كلثوم" نجحت بفضل الصدق والواقعية "سرايا عابدين" استنساخ رديء من "حريم السلطان" "السندريلا" و"العندليب" .. مبالغات بالشكل وغياب بالمضمون حذرت الباحثة والمخرجة المصرية أسماء ابراهيم من خطورة الاستسهال والتزييف في الأعمال الدرامية التاريخية المقدمة للجمهور ، خاصة في شهر رمضان. وقالت خلال ندوة "الدراما والتاريخ" أمس بالمجلس الأعلى للثقافة، أن التاريخ له قداسته في وجدان المشاهد العربي ذو النزعة الماضوية والدائمة الحنين لأمسه (قريبه وبعيده) ، والذي يستقي معلوماته، ويزداد الأمر خطورة حين نعلم أن الشعوب العربية تستمد وعيها بالواقع من جهاز التليفزيون. وللأسف نجد مستنسخات ردئية ومشوَّهة من الشخصية الدرامية محل التقليد ، لا ينافسها تهافتاً إلا دراما تحتك ب (لا تحاكي) عصوراً ولت ، وتتحرش بالتاريخ بدعوى استلهامه ، فتخرج ضمن دراما الموسم الرمضاني متزامنة مع مسلسلات القرود (مسلسل العملية ميسي) .. وتميل مع المسلسلات مائلة الكادرات التي تلوي الرقاب والوجدان عند مشاهدتها .. فتكتمل الوجبة أو الوليمة ويكون وجداننا ووعينا هما ما يُقتاتا عليه . وينشر "محيط" نص ورقة الباحثة حول "الدراما التليفزيونية التاريخية ومسلسلات السير " ، والتي أكدت بمقدمتها أن السير الذاتية والتاريخ ظلت محورا للأعمال الدرامية حول العالم، بدء من شخصيات الأنبياء وحتى مشاهير عالمنا المعاصر . وظهرت مسلسلات دينية "مثل لا إله إلا الله" ووجدنا كذلك مسلسلات لشخصيات تاريخية مثل مسلسلات : موسى بن نصير , عمر بن عبد العزيز ، هارون الرشيد , الامام الترمذي ، شيخ العرب همام ، كليوباترا . ثم المسلسلات التي تتناول حياة الشخصيات التاريخية المعاصرة والتي سعت لتقديم سير أعلامٍ أثّرت في حياة الناس بأفكارهم أو بأعمالهم مثل مسلسلات : أم كلثوم ، طه حسين ، الملك فاروق ، ناصر ، الملكة نازلي ، قاسم أمين ، يوسف السباعي ، مصطفى مشرًّفة ، الريَّان ، حسن البنا , ريا وسكينة. ثم كانت صرعة مسلسلات سير الفنانين فتوالت علينا زمرة من المسلسلات التي تتناول حياة المشاهير منهم مثل : ليلى مراد (قلبي دليلي) ، كاريوكا ، بيرم التونسي (أهل الهوى) ، إسماعيل يس . ولا زال إنتاج هذه النوعية من الدراما التليفزيونية سارياً حتى اليوم ، ولم تزل مسلسلات السير تجذب جمهور التليفزيون حتى الآن رغم الاشتباك الحادث مؤخراً بين كتاب الدراما والمعنيين بالتاريخ . وفي بحثها عن سر نجاح بعض الأعمال، وجدت الكاتبة أن مسلسل درامي مثل " أم كلثوم" استطاع جذب المشاهد لأحداثه كما لو كانت معاصرة ، وأضاف عليها الكثير من الحيوية، وقدم التاريخ بشكل غير مباشر وغير فج، وهو ما حدث أيضا مع مسلسل "عمر بن عبدالعزيز" الذي جسد قضية معاصرة للغاية وهي شوق الإنسان العربي للعدل ، كما أنعش مسلسل "رأفت الهجان" عاطفة الانتماء الوطني التي لم تخفت رغم نفاذية معاهدة السلام والتطبيع مع الكيان الصهيوني.وخلد مسلسل "علي الزيبق" في وجدان مشاهديه ضرورة مقاومة الظلم . ولكننا اليوم نجد مسلسلات تغالي في استدعاء مظاهر العصر من ملابس وديكورات وتخرج نسخا مشوهة من القصة التاريخية، وهو ما حدث في مسلسلي "العندليب" و"السندريلا" كما ترى الباحثة، وليس أدل على ذلك من مسلسل "سرايا عابدين" المستنسخ من "حريم السلطان" التركي، والذي كما تؤكد الباحثة "غازل وجدان مشاهديه حين حاول استحضار قصر الحكم في مصر الناهضة في القرن التاسع عشر ، فما كان من صناعه إلا أن قدموا تزييفا للتاريخ" وهو ما يدفع للتساؤل حول قواعد "الاستلهام الفني والاستعارة والانتحال والسرقة والتوريث وغيرها من المصطلحات الفنية في مجال الإعداد الدرامي الذي ابتذل من خلال هذا العمل تحت دعوى أنه مستوحى من أحداث حقيقية. وتؤكد الباحثة أن هناك عوامل كثيرة تدفع المشاهدين والمنتجين على السواء للأعمال التي تتناول السير الذاتية، لما فيها من هروب من الواقع واكتشاف أسرار المشاهير المحبوبين والأجواء السياسية والاجتماعية، واكتساب معلومات، وجني أرباح كبيرة للمنتجين، لكن ثمة سببا قانونيا لا يخفى ، ويتمثل في حكم قضائي أتاح التعرض لحياة أي شخصية عامة بشرط ألا يسيء إليها فيما لا يعرفه الجمهور عنها " . وتذكر الباحثة أنه باستثناء مسلسل "الأيام" لطه حسين، لم تقدم الدراما التليفزيونية مسلسلات سير ذاتية كتبها أصحابها بأنفسهم . أخيرا، تؤكد الباحثة أسماء ابراهيم، أن الإعداد الدرامي لمسلسلات السير الذاتية يتطلب استدعاء العصر بالكامل، وليس الشخصية فحسب، وأهمية الذكاء في اختيار الشخصيات ، وترى أن ذلك ربما كان أكثر أسباب انصراف الجمهور عن مسلسل "صديق العمر" باعتبار أن صور الزعيم كانت ترفع بالميادين ، ولكن المسلسل ركز على شخصية المشير عبدالحكيم عامر الذي ارتبط في الوجدان الجمعي المصري بنكسة يونيو 1967 ، وهو استدعاء يحبط المزاج المصري العام في هذا التوقيت الحاسم الذي تسعى فيه مصر لاستعادة عافيتها . كما تؤكد الباحثة أن ذكاء المؤلف والمخرج لمثل هذه الأعمال يجب أن يظهر في تجنب الفضائح الشخصية التي لا تدعم العمل وفكرته، والتركيز على أنسنة الشخصيات وتجسيدها بكافة جوانبها بشكل يجعلها أقرب للتصديق. كما يمكن التركيز في المسلسل على مرحلة مفصلية في حياة الشخصية، وليس بدا أن نعرض حياتها كاملا من المهد للحد، وبذا نكون قد ابتعدنا عن الترهل والمط الذي يستدعي الملل عند المشاهدين.