رأى محللون سياسيون أن عودة رئيس الوزراء الأسبق وزعيم تيار الأغلبية السنية في لبنان، سعد الحريري، إلى بيروت، امس الجمعة، بعد غياب قسري استمر نحو 3 سنوات، جاءت نتيجة "تفاهمات دولية وإقليمية كبيرة" تشمل الخلافات السياسية، وأولها الانتخابات الرئاسية. واعتبر المحللون أن هذه العودة تعزز جهود "مواجهة الإرهاب" في لبنان والمنطقة من خلال تعزيز "تيار الاعتدال" المتمثل بتيار "المستقبل"، كما ينهي "العزل السياسي" الذي فرض على السنة منذ الإطاحة بحكومة الحريري عام 2011. ووصل الحريري، فجر امس الجمعة، بشكل مفاجئ إلى بيروت بعد غياب عن البلاد استمر نحو ثلاث سنوات، والتقى بعد عدة ساعات من عودته برئيس الحكومة تمام سلام. وكان الحريري غادر لبنان إلى منفاه الاختياري في باريس، بسبب تهديدات أمنية تطال حياته منذ إسقاط حكومته في يناير/كانون الثاني2011 ، وكان يتنقل بين باريس ومركز إقامته في السعودية خلال السنوات الماضية، وأعلن مراراً نيته العودة إلى بيروت رابطاً ذلك بضمانات أمنية وسياسية خصوصا من "حزب الله". ورأى رئيس تحرير جريدة "اللواء" البيروتية والمحلل السياسي صلاح سلام المقرب من السعودية، في اتصال مع وكالة الأناضول، أن "ترتيبات دولية وإقليمية كبيرة ترافقت مع توافقات محلية" أدت إلى عودة الحريري إلى لبنان، مشيرا إلى أنه لا بد أن يوافق هذه التوافقات "حلحلة سياسية لباقي الملفات الخلافية ولا سيما الاستحقاق الرئاسي". ووصف "سلام" هذه العودة بأنها "شكلت صدمة إيجابية لم يعهدها لبنان منذ فترة طويلة بدليل الترحيب الذي لقيه من كل الأطراف ومن بينهم خصومه"، مؤكدا أن "عودة الحريري رفعت معنويات جمهوره بل وكل اللبنانيين لأنهم شعروا أنها أعادت التوازن إلى البلاد". وأضاف أن "كل الأطراف شعرت أنها معنية بهذه العودة؛ لأنها رأت أن البلاد مقبلة على انفراج بسببها"، معتبرا أن هذه العودة "تخفف الاحتقان في الشارع السني وتيارات الغضب داخله وتعزز المعركة ضد الإرهاب من خلال تعزيز وضع التيار الاسلامي الاعتدالي". وأسف "سلام" لأن العديد من القوى في لبنان (لم يسمها) "حاولت محاصرة تيار المستقبل ورئيسه من خلال سلسلة من الأخطاء السياسية، لكن يبدو أن هناك مراجعة صريحة وهم عادوا للالتفاف حول هذا التيار بعدما وقعوا في شرك التطرف الإرهابي والتكفيري نتيجة إضعافهم تيار الاعتدال". وكان وزير الصحة وائل أبو فاعور من كتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، رأى في تصريحات صحفية أن "العودة الشجاعة" للحريري يمكن أن تؤدي إلى ما هو أبعد من انتخاب رئيس للجمهورية. وأضاف أنها تعطي أيضا "دافعا وحافزا أكبر للاتصالات السياسية التي يمكن أن تقود إلى تسوية وطنية شاملة في الاستحقاق الرئاسي وفي غيره من الاستحقاقات". من جانبه، رأى المحلل والكاتب السياسي القريب من "حزب الله"، قاسم قصير، أن "عودة الحريري مؤشر إيجابي على رغبة متبادلة بين الاطراف لإيجاد حلول لمشكلات البلاد ومواجهة الوضع الأمني المستجد" في إشارة إلى المعارك التي اندلعت في بلدة عرسال الحدودية بين قوات الجيش اللبناني ومجموعات مسلحة من سوريا السبت الماضي. وأضاف قصير في حديث لوكالة الأناضول، أن وجود الحريري في بيروت "يجعل من السهل التواصل بينه وبين مختلف الأطراف السياسيين"، موضحا أن هذه العودة "رسالة للداخل والخارج بأن الحريري مستعد للبحث عن حل وهو عاد إلى البلاد رغم كل المخاطر". وشدد على أن "المستقبل هو التيار السياسي الوحيد الذي بإمكانه مواجهة التطرف الديني في المنطقة ولبنان"، متسائلا: "من أفضل من المستقبل كقوة سياسية يعتمد عليها لمواجهة داعش (تعبير يطلق إعلاميا على تنظيم الدولة الإسلامية) والنصرة؟". ولفت قصير إلى أن وجود الحريري في لبنان "يساهم في إراحة الطائفة السنية القلقة فلا يعود أبناءها يتطلعون إلى قيادات كالشيخ أحمد الأسير ولا يصير الشيخ سالم الرافعي قائدا لهم في لبنان"، مشددا إلى أن الحريري سيساهم أيضا في "إعادة تنظيم تيار المستقبل وضبط خطابه السياسي والإعلامي". ورأى أن هذه الخطوة من قبل الزعيم السني "تلاقي حركة جنبلاط السياسة التي مهدت بالتأكيد لعودة الحريري"، في إشارة إلى الزيارتين الاخيرتين اللتين قام بهما النائب الوسطي وليد جنبلاط لكل من أمين عام حزب الله حسن نصرالله وزعيم التيار الوطني الحر والمرشح الرئاسي القوي ميشال عون المنضوي في تحالف "8 آذار" المؤيد لرئيس النظام السوري بشار الأسد. وفي هذا السياق، قال أحمد الغز، الكاتب السياسي وعضو المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى، أن عودة الحريري إلى بيروت "تعني عمليا إقفال ملف مغادرته بما حمله من العزل السياسي له وإسقاط حكومته وعزل السنة سياسيا". ورأى "الغز" في اتصال مع "الأناضول"، أن "عودة الحريري بدأت مع اليد الممدودة التي أعلنها في لاهاي وانتجت حكومة المصلحة الوطنية" برئاسة تمام سلام. ويشير "الغز" إلى خطاب الحريري قبل أشهر على هامش أولى جلسات المحكمة الدولية في لاهاي الخاصة بمحاكمة من اغتال والده ورئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري (قتل بانفجار استهدف موكبه في بيروت في 14 فبراير/شباط 2014)، وأعلن فيه الانفتاح على كل الأطراف السياسية في لبنان. ولفت إلى أن ما قام به سعد الحريري هو "موقف كبير لمواجهة الإرهاب ويساهم في إعادة تقوية النسيج الوطني الذي يشكل الحريري أحد ركائزه الأساسية"، رابطا هذه العودة ب "تغير طبيعة ما يجري في المنطقة حيث تتجه الأمور إلى التضامن والتكافل ضد الإرهاب بعد ما حصل في العراق وليبيا وسوريا بالإضافة إلى ما يحصل في غزة". لكنه قال إن عودة الحريري "لا تلغي أي قيادات أخرى لأنه ما من قوة سياسية سنية مارست سياسة تكميم الأفواه مهما بلغت قوتها"، معتبرا أنه "لا يمكن للسني أن يكون متطرفا". واعتبر أن ما تشهده المنطقة من موجات أصولية "تعود جذورها إلى باكستان حيث يتصرف المسلمون بعقلية خوف الأقلية وهذا الشعور غير موجود عند العرب".