بعد أن أشارت عقارب الساعة إلى "الواحدة" بعد منتصف الليل، على غير عادته رنّ الهاتف المحمول الخاص بأم محمد كحيل (45) عاماً، من رقمٍ غير مسجلٍ لديها. ارتبكت كحيل في بداية الأمر، وظنّت أن هناك أمراً طارئاً قد حصل مع المتصل "المجهول". بصوتٍ مرتجف، أجابت كحيل "ألو..نعم؟"، حتى يردّ عليها صوتاً لا يجيد العربية قائلاً:" معكم جيش الدفاع الإسرائيلي، من أجل سلامتكم يرجى إخلاء المنزل خلال (10) دقائق". بعد سماعها لتلك الكلمات، تسمّرت كحيل مكانها لبعض دقائق، وصرخت مناديةً أفراد عائلتها، وما لبثت ثوانٍ معدودة حتّى فقدت الوعي "تماماً"، كما قالت لمراسلة وكالة الأناضول. وحاول أفراد العائلة عدة مرات إيقاظ كحيل، لكنّها في كل مرة، تصحو قليلاً لتفقد الوعي ثانياً. وبعد مرور 5 دقائق من فقدان الوعي "المتقطع"، استيقظت كحيل وأخبرت أفراد عائلتها أن الجيش الإسرائيلي أمهلهم، بمكالمة هاتفية، مدة (10) دقائق لإخلاء المنزل لقصفه بعد تلك المدة، حسب كحيل. هرع جميع أفراد المنزل نحو الباب، فمنهم من خرج دون ارتداء حذائه، وآخرين خرجوا بملابس النوم. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إنما نادى ابنها الأصغر، على منازل الجيران الملاصقين لمنزلهم، وطلب منهم إخلاء المنزل، حتّى لا يُلحق بهم أي أذى، كما ذكرت. "دقيقتين"، قُلبت حارة أم محمد كحيل "رأساً على عقب"، نتيجة استقبالهم لمكالمة هاتفية من جهة ادّعت أنها "الجيش الإسرائيلي". وما أن مرت الدقائق الثلاثة المتبقية حتّى حلّقت طائرة حربية إسرائيلية من فوق منزل كحيل، بشكل أثار الرعب والفزع بقلوب الغزيين الذين لا زالوا يغادرون منازلهم لمنازل تبعد أمتاراً قليلة عنهم، حسب كحيل. وتابعت: "غادرنا المنزل متجهين وبقية الجيران، نحو منزل يبعد أكثر من (10) أمتار عن منزلنا، ولكن بحمد الله مرّت الساعات ولم توجه الطائرات الإسرائيلية الحربية صواريخها تجاه المنزل". وتتبع إسرائيل سياسة الاتصال العشوائي لتهديد الغزيين بقصف منازلهم، حيث يتلقى الناس اتصالات مسجلة عشوائية فيها أوامر من الجيش بإخلاء المنزل تمهيدا لقصفه، وهو ما يتسبب بحالة من الهلع والرعب لسكان المنزل وللمنازل المجاورة، حسب مراقبين اجتماعيين. وهرع المواطن محمد فايز، والذي تلقّى مكالمة هاتفية "تهديدية" من الجيش الإسرائيلي، بقصف منزله خلال دقائق، بإخراج أطفاله من المنزل وإيداعهم بيت الجيران الذي يبعد (20) متراً عن منزله. ولكنّ أمّه والمصابة بمرض السكري والضغط، ساءت حالتها الصحية مع سماعها ذلك الخبر، وبدأ جسدها يرتجف، وطلبت من إبنها أن يخلي المنزل ويتركها نظراً لأنها غير قادرة على التحرك نتيجة خوفها. وقال فايز:" طلبت مني أمي أن أغادر المنزل وزوجتي وأتركها في المنزل، لأنها غير قادرة على التحرك، نتيجة الخوف وتردي وضعها الصحي". فخرج فايز ونادى على جيرانه لطلب المساعدة، دقائق وكانت والدته خارج المنزل ب"مأمنٍ" من القصف، لكنّها لم تكن بمأمنٍ من "تردي وضعها الصحي" نتيجة "الخوف" المفاجئ. وبينما كان فايز يخلي المنزل، أخذ أخاه الأصغر على عاتقه مهمة تبليغ الجيران الملاصقين لمنزله لإخلاء منازلهم، مما أثار حالة من الخوف لدى الأطفال، وامتلأ المكان بالبكاء والصراخ. وبقي فايز بانتظار لحظةً قد تدمي قلبه، نتيجة استهداف منزله الذي كان يتوقعه في كل دقيقة، متابعاً: "بكل تأكيد كنت أنتظر بحسرة تحويل منزلي الذي وضعت فيه تعب (20) عاماً، إلى ركام في أقل من دقيقة". وانتظر فايز حتّى طلوع الشمس لكن الطائرات الإسرائيلية لم تستهدف منزله، فأدرك أن ذلك كان بهدف ترويع السكان والمواطنين، حسب فايز. وتلقّى آلاف المواطنين في قطاع غزة، مكالمات "إسرائيلية" عشوائية ومسجلة مماثلة، تطلب منهم إخلاء المنازل تمهيداً لقصفه. وطالبت وزارة الداخلية في قطاع غزة، في وقت سابق، المواطنين الذين تصلهم مكالمات هاتفية مسجلة من الجيش الإسرائيلي، بعدم التعامل مع تلك المكالمات، مؤكدة أنها تهدف إلى زعزعة الأمن وترويع السكان. وفي السياق ذاته، قال المختص بالشأن الإسرائيلي ناصر اللحام من الضفة الغربية، في تدوينة نشرها على حسابه الشخصي في موقع "فيس بوك" مفادها: "وصلتني، كما العديد من أهالي الضفة الغربية، رسالة صوتية مسجلة من الجيش الاسرائيلي تطالب بالنزوح إلى وسط غزة". وتشن إسرائيل منذ 7 يوليو الجاري، عمليةً عسكريةً على قطاع غزة، أطلقت عليها اسم "الجرف الصامد"، لوقف إطلاق الصواريخ من غزة، باتجاه المدن والبلدات الإسرائيلية.