حياكة "البوبو" (الجلاّبة التقليدية) للرجال، هي من الأعمال التجارية التي تزدهر خصوصا خلال شهر رمضان في جزر القمر. فالتقاليد في هذا البلد تفرض على جميع الرجال يوم عيد الفطر، ارتداء الجلابية البيضاء لأداء صلاة الصبح.. عادات رائجة تنبثق عن خصوصية اجتماعية وروحية للسكان خلال شهر الصيام، فتصنع خليطا متجانسا بين الأعمال التجارية والعبادات، لتخطف الأضواء وتضفي على رمضان مذاقا خاصا لا يدركه سوى سكان جزر القمر. ارتباط شهر الصيام ب "البوبو"، جعل من خياطة هذه الجلاّبة التقليدية تجارة رائجة ومزدهرة، فالنساء يحرصن، خلال رمضان، على إقامة ورشات خياطة، بل إنّ البعض منهن فضّلن صنعها يدويا.. مجموعة من نساء الحي يجتمعن لخياطتها عند الصباح، بالاستعانة ببعض افراد العائلة، وخصوصا من الفتيات الصغيرات. الوجود المحتشم للنساء في الأماكن العامة في العاصمة موروني يجد تفسيره في انزوائهن خلف آلات الخياطة، أو على إحدى الأرائك في منازلهن، وهن يخطن الجلابة التقليدية، أو يصنعن قبعة يدوية في غاية من البساطة والجمال. البعض منهم يتلقّى طلبيات، في حين أن البعض الآخر يعمل لحسابه الخاص، حيث يقمن بتجهيز كميات كبيرة لبيعها لتجار الجملة والتجزئة. رؤية "بوبو" معلّقا في إحدى المتاجر قد لا يوحي بأنّه استغرق من أولئك النساء كل ذلك الجهد.. ففي الظاهر يبدو بسيطا للغاية، غير أنّ باطن الأمور غالبا ما تكون مختلفة. فلصنع جلابة، لابدّ من توفّر قماش ناصع البياض، أو قماش أبيض مخطّط بخيوط مذهّبة. "أسمهان عبدو" تزاول هذه المهنة منذ قرابة العشر سنوات، قالت، في تصريح للأناضول، وعيناها متسمّرتان على قطع القماش المكدّسة أمامها "سعر القطعة (الجلاّبة الواحدة) يختلف بحسب طبيعة العمل المنجز، فإن طلب مني الخياطة فحسب، أي أنّ القماش على عاتق الزبون، فإنّي أطلب لقاء ذلك ما بين ألفي إلى 5 آلاف فرنك قموري (أي ما يعادل 5.55 إلى 13.86 دولار)". فبالنسبة ل "أسمهان"، توجد عدّة أنواع من الأقمشة، منها ما يصعب التعامل معه، وهذا ما يجعل الأسعار مرتفعة في بعض الأحيان. كما أنّه، ولصنع "بوبو" واحد، فإنّ ذلك يستغرق ما بين 4 إلى 7 أيام، و"في أحيان كثيرة"، تقول "أسمهان"، "أتقاسم عملي مع سيدات أخريات من نفس مهنتي، وهذا ما يسمح لي بصنع العديد من البوبو خلال شهر رمضان، خصوصا وأنّ الطلب عليها يتزايد خلال هذه الفترة من كلّ سنة". وأضافت أسمهان أنّ بإمكانها صنع عشر قطع في اليوم خلال الشهر الكريم، بينما لا يتسنّى لها صنع أكثر من اثنين أو أربع، في أفضل الأحوال، خلال بقية أشهر السنة. جارتها، "حليمة ساندي" تبدو أسرع منها بكثير، حيث بإمكانها إنتاج ما لا يقلّ عن 15 جلاّبة خلال شهر رمضان، وذلك لأنها وظفت العديد من المتدربين. "حليمة" قالت للأناضول "أحب هذا الشهر الكريم، لأنّي أكسب الكثير من المال، وهو ما يمكّنني من تحقيق مشاريعي"، خصوصا وأنها تكسب ما بين "250 ألف و500 ألف فرنك قموري" (ما يعادل 693 إلى 1386 دولار). وتتفّق السيدتان على مبدأ واحد، وهو العمل للحساب الخاص، أي أنّهما تقومان بتوفير الأقمشة، وحياكتها ثم بيعها.. تسلسل يتطلّب مجهودا إضافيا، ونفقات أكبر، غير أنّ يدرّ أرباحا أكثر بكثير من الخياطة فقط. فكلفة "البوبو" الواحد تتراوح بين 40 ألف و100 ألف فرنك قموري (110 إلى 277 دولار)، وهذا يتوقّف –بطبيعة الحال- على نوعية الأقمشة والتطريز، بحسب السيدتين. حياكة "البوبو" هي مهنة ترثها الفتاة عن أمها، وهذا حال "جميلة عبدو"، والتي تعلّمت الكثير عن هذا المجال، من والدتها.. جميلة قالت وهي ترمق آلة خياطتها الصغيرة بطرف عينيها "في السابق، كنت أشتري الملابس والأحذية، في حين تتكفّل أمي بالباقي.. أما اليوم، فأنا من يقوم بكل شيء". وبفضل صناعة "البوبو"، تمكّنت "جميلة" من بناء منزل خاص بها، وتعليم أطفالها الخمسة.. "أنا فخورة بعملي، فلقد مكّنني من العيش بكرامة". وعبّرت "جميلة" عن سرورها البالغ لتمكّنها من تعليم بناتها أبجدّيات المهنة، قائلة "بناتي الثلاث سيكملون المشوار عني، فلقد اعددتهم جيّدا لذلك".