لقد كان الإسلام منذ بدايته داعياً إلى مكارم الأخلاق وحسنها، حتى أن الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج إنما شرعها الله وفرضها لُتهذب النفوس، وتسعد الحياة كلها، وبذلك فإن صاحب الخلق السيء عاص لله عز وجل ينبغي أن يتوب إليه، وإلا نزل عقاب الله وغضبه عليه. ولقد استطاع الإسلام بأخلاقه الطيبة، ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) بسلوكه الطيب أن يغير العرب الجاهليين من أمة ترتكب الفواحش، وتظلم، وتكذب، وتقتل، وتتجبر إلى أمة متحابة بنور الإيمان حتى صارت هي أمة الأخلاق الطيبة، فقال الأعداء:- . فما أجمل تعاليم الله، ورسوله إلينا، تأمرنا بالخلق الطيب الحسن، فإذا تحلينا به كنا من أحباب الله عزل وجل، وتحققت الآمال، وصار مجتمعنا هو خير مجتمع في الأرض، ولم تضع الحقوق فيه، و قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، (ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن).. . قبل الإسلام لم يكن هناك في مكة دين، ولا رب يعبده الناس إلا مجموعة من التماثيل التي صنعت من حجارة أو من خشب، فسجدوا لها وعبدوها وهي التي لا تنفع ولا تضر، هناك أكل القوي الضعيف، وظلم الغني الفقير، وتجبر عليه، وأساء الجار إلى جاره، وامتدت الأيدي إلى ممتلكات الغير لتسرقها، وشربت الخمور علانية، ونطق اللسان بالكذب، وشهد بشهادة الزور، وأذل اليتيم حين سرقت أمواله من أقاربه اللذين تركوه بلا مال أو رعاية. وارتفعت صيحات البنات الصغار تطلب من ينقذها من الآباء الظالمين الذين دفنوهم في التراب وهن أحياء، لقد اشتاقت القلوب إلى من يخلصها من هذا الواقع الأليم، والظلم الذي وقع عليها. حيث كانت الجزيرة العربية تعيش بلا قلب فيضرب الضعفاء بالسياط، ويستعبد الأحرار، ويؤكل مال اليتيم. وكان الأمين محمد (صلى الله عليه وسلم) قد انزوى في غار حراء بعيداً عن هذا الظلم الذي يراه بعينه، وهناك أطل النور حين نزل جبريل بآيات الله (اقرأ) فقرأ الأمين محمد آيات الله، فازداد النور في قلبه الطاهر الذي لم يعرف الخطأ يوماً ما. فمدحه ربه عزل وجل قائلاً له:- {وإنك لعلى خلق عظيم} ، وقال هو (صلى الله عليه وسلم)، {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق}. الرسول القدوة سُئلت السيدة عائشة – أم المؤمنين – عن خلق رسول الله (لقد كان الإسلام منذ بدايته داعياً إلى مكارم الأخلاق وحسنها، حتى أن الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج إنما شرعها الله وفرضها) فقالت: (كان خلقه القرآن)، أي أنه نفذ كل ما في القرآن من خلق طيب رفيع، فكان صادق الحديث لا يكذب، يؤدي الأمانة ولا يخون، يوفي بالعهود والوعود، ولا يغدر، يعفو عمن ظلمه، ويسامح من شتمه وسبه، يحفظ السر، ولا يبوح به لأحد. لا يظلم اليتيم بل يعطف عليه ويكرمه، لا يؤذي جاره بل يؤدي إليه حقه، لا ينطق بكلمات الفحش أو البذاءة، بل طيب اللسان لا ينطق إلا بالكلام الطيب، وكان الناس إذا آذوه يصبر عليهم، فكان كالشجر يرميه الناس بالحجر، فيرميهم بالثمر. وقد كان أنس بن مالك – رضي الله عنه – غلاماً صغيراً بلغ التاسعة من عمره فذهبت به أمه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فطلبت منه أن يجعله خادماً له، وظل أنس – رضي الله عنه – خادماً للنبي (صلى الله عليه وسلم) حتى مات، فلما أراد أنس أن يعرفنا بخلق النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: كان أحسن الناس خلقاً، لقد خدمته عشر سنين، فما قال قط: أفٍ ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا؟. وصايا بحسن الخلق وقد أراد النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يوصينا بحسن الخلق فقال: . فالخلق الخلق هو الثقيل في ميزان المؤمن، والله عز وجل يحب ذلك، ويكره الرجل الذي ينطق بالكلمات الرديئة غير الطيبة. وأن النبي (صلى الله عليه وسلم) ليعد أصحاب الخلق الحسن بأنهم معه في الجنة يوم القيامة، ويبشرهم بحبه لهم فيقول: ((إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)). وهذه منزلة عظيمة حين يحبك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فإذا أحبك الرسول (صلى الله عليه وسلم) أحبك الله، ولكن ما هي وصاياه (صلى الله عليه وسلم) التي وصانا بها لنكون من أصحاب الميزان الثقيل، وأحب الناس إليه؟!.