مجلس الأمن القومي الاقتصادي عاطف الغمري برزت الأهمية الفائقة لمفهوم الأمن القومي الاقتصادي, في خضم الأزمة المالية العاتية في الولاياتالمتحدة, وامتدادها الي بقية العالم, والحديث عن دور مجالس الأمن الاقتصادي في أمريكا وأوروبا, بعد أن بات الحديث يدور عن ان آثار الأزمة, اذا لم يتم احتواؤها في الحدود الآمنة, فلن تكون آثار اقتصادية بحتة, بل قد تمس الأمن القومي للدولة. وربما لا يكون التماس بين الأمن والاقتصاد جديدا منذ استشعر في الاستراتيجيات العالمية في تسعينيات القرن العشرين, مفهوم يقول إن القوة الاقتصادية التنافسية, صعدت الي قمة مكونات الأمن القومي للدولة. وكنت قد شرحت علي هذه الصفحة قبل عامين, كيف ان تكوين مجلس مصري للأمن القومي, صار من الضرورات الحيوية, فإن تشخيص مسئولين وخبراء في امريكا واوربا لابعاد الأزمة الحالية, لم يستبعد تأثر دول العالم بالأزمة. وحتي لو كنا في مصر في منأي عن تأثيراتها كما يقول البعض فإن هذا يحث علي التفكير في وجود مجلس مصري للأمن الاقتصادي, يشخص العرض ويحدد العلاج, بدلا من تفاوت الآراء التي تحلل وتشخص حدة وتأثير الأزمة العالمية علي مصر. وقد القي ضوء مؤخرا علي الدور الذي بدأت تلعبه مثل هذه المجالس. وابرزها المجلس القومي الاقتصادي في امريكا. والذي أنشيء عام1993, كجزء من المكتب التنفيذي للرئيس الأمريكي. وكان الغرض من إنشائه تقديم النصح والمشورة للرئيس في الأمور المتعلقة بالوضع الاقتصادي للبلاد, والسياسة الاقتصادية العالمية, والتنسيق بين الجهات المختصة بالسياسة الاقتصادية, من خلال فريق من الخبراء السياسيين. وحددت للمجلس أربع مهام: التنسيق في عملية صناعة القرار في الموضوعات الاقتصادية الداخلية والدولية بلورة رؤية الجهات التي تقدم مشورتها للرئيس في السياسة الاقتصادية وضمان انسجام البرامج السياسية مع الاهداف الاقتصادية للرئيس ومراقبة تنفيذ السياسة الاقتصادية للدولة. ويقدم خبراء المجلس تقارير حول مختلف القضايا المرتبطة بالسياسة الاقتصادية والتي تشمل: الزراعة, والتجارة والطاقة, والأسواق المالية, والسياسة المالية, والرعاية الصحية, والعمالة, والأمن الاجتماعي. وقبل الأزمة المالية بوقت قصير, أنشأت بريطانيا مجلسا مشابها هو مجلس الاقتصاد القومي, وقد دارت حوله مناقشات جدلية في البرلمان, وتساؤلات عمن سيقرر السياسة الاقتصادية, الي أن حسم رئيس الوزراء الجدل, بتحديد المهام التقليدية لوزير الخزانة, والمهام المكلف بها المجلس, والتي شملت تقديم المقترحات في المشاكل المالية وما يخص الاقتراض والكساد. العالم اذن دخل في مناقشات وإيجاد آليات, تتوسع فيها دائرة البحث, وتتنوع الرؤي والتصورات التي تساعد علي طرح خيارات تعمل علي ابتداع حلول عاجلة وخلاقة لازمة أخذت بخناق الجميع. وهو توجه لابد ان يمكن هذه الدول من حل مشكلتها أو علي الأقل تقليل اي آثار سلبية علي اقتصادها, الي أدني حد ممكن. وعلي ضوء ما يجري في العالم, وحيث ان آثار الأزمة في أي دولة لا تعدو كونها حلقة في سلسلة متصلة, فإننا ننظر الي ما يجري في مصر من هذه الزاوية, ومهما كان ما يقوله البعض من ان مصر بعيدة عن التأثيرات الحادة للأزمة, فإننا كذلك لا يمكن أن نتجاهل آراء الخبراء في العالم من أن الأزمة ستطال الكل, حتي لو حملت نغمة تشاؤم كتلك التي قالها كنيث روجوف المسئول الاقتصادي السابق بصندوق النقد الدولي, من ان الاقتصاد العالمي سيخسر من هذه الأزمة, وربما نكون متجهين الي مرحلة كساد عالمي. لقد أصبح متفقا عليه ان القدرة الاقتصادية التنافسية, هي من أولي مكونات الأمن القومي, وإن السياسة والاقتصاد متداخلان في بعضهما, خاصة بعد أن إنزاحت الحدود بين الداخل والخارج, بفعل العولمة, وآليات ثورة المعلومات, وأن مفهوم الأمن القومي قد اتسعت مكوناته لتشمل أن الوضع الاقتصادي, والاستقرار الاجتماعي, والمصلحة في منع تفاقم أزمة البطالة, والسكن, أو تدهور المستوي المعيشي, وإيجاد حل خلاق للاحباط الاجتماعي العام. وإذا كانت الدعوة التي أيدتها سابقا, بأهمية وجود مجلس مصري للأمن القومي, فإن الأزمة المالية العالمية الراهنة, تحتاج بدورها مجلسا أو ما يشابهه, للأمن القومي الاقتصادي, قد يكون جزءا من مجلس الأمن القومي, أو معاونا في مجال تخصصه, ولا ينفرد فيه تيار بعينه بتحديد ما هي السياسة المطلوبة, خاصة نحن نشهد وجهات نظر متعارضة الي حد كبير, بعضها يستبعد تماما تأثر مصر بالأزمة الحالية, وبعضها يلتزم جانب الحذر. ان الموقف يحتاج توسيع مجال الرؤية, وتنوع التصورات, وحشد مختلف الخبرات من أصحاب الاتجاهات المختلفة, خاصة أصحاب المواقف المستقلة غير المقيدة بخطاب الالتزام الحزبي, لكي تتلاقي الآراء, وتطرح ما عندها وتتناقش, الي ان يحدث من هذا كله بلورة خيارات تستند الي علم ومنطق, وفي النهاية يكون من حق صاحب القرار ان يتخذ قراره. وحسبما قال أحد المحللين في وول ستريت: لا حل لأية دولة دون ابداع غير تقليدي, تطلقه شرارة احتكاك الآراء المتنوعة حتي وإن تعارضت. صحيح أن فكرة المجلس وإن كان مطلوب منه التصدي لمهمة عاجلة هي تحييد أي آثار محتملة للأزمة العالمية, إلا انه يمكن ان يكون بداية لوضع رؤية قومية للنهوض بمصر اقتصاديا. عن صحيفة الاهرام المصرية 22/10/2008