تقشف المتقشف على تقشفه.. فلم يجد تقشفا بتقشفٍ يكفيه فلا هو في حِلٍ من فقره.. ولا يجد من يترك فقره يُغنيه منذ أن حدد مجلس ثورة 23 يوليو 1952 راتب رئيس الجمهورية بمبلغ 6 آلاف جنيه سنويًا، كانت مصر تحتضر في نعش الثورة، فهي في حاجة لمفتاح الحياة الذي سيعيدها إلى استقرار فقدت أغلبه، ما دفع المجلس ذاته لمطالبة اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر، بالتنازل عن نصف راتبه لميزانية الدولة ليكون أول رئيس مصري يفعل ذلك، وارتضى بتقاضي 250 جنيها فقط شهريا، فيما تلاه الرئيس جمال عبد الناصر والذي تقاضى راتب 750 جنيها شهريا. في ظل تلك الحكومات والعهود الرئاسية لم يخرج رئيس يطالب المصريين بالتقشف، لأنه يعلم جيدا أن المصريين غالبيتهم فقراء، ولذلك كانت الحلول تتجه دائما لرجال الأعمال وأصحاب النفوذ المالي من الأغنياء، فهم من إن تنازل -أو أجبر على التنازل- عن حتى نصف ممتلكاته فسيبقى وضعه الاجتماعي مرتفعا كما هو دون أن ينحط لمستوى الفقر الذي هو مستنقع سقط فيه الغالبية العظمي من الشعب المصري المكلوم. أمس.. تكرم الرئيس عبد الفتاح السيسي أيضا بالتنازل عن نصف راتبه بالإضافة إلى قيمة نصف ممتلكاته لسد عجز الميزانية، ودعا الشعب كله بالتضحية من أجل الوطن بعد أن بدأ هو بنفسه.. وهذا الفعل مدعاة للفخر حقا، ولكن هناك تخوفات شعبية جالت خواطر المواطنين وألحقتهم بالهم والغم خوفا من رفع الدعم تطبيقا لسياسة التقشف التي خرجت رياحها تهب وتعصف كل ما أمامها دون تمييز بين من يستطيع التقشف من الأغنياء ورجال الأعمال، ومن لا يملك تقشفا يتقشفه لأنه متقشف بطبيعة الحال!. مللنا من الصمت أمام إرادة السياسة العقيمة، نريد أن نشعر باحترام آدميتنا، فكيف نتقشف وراتب أقل إعلامي يتجاوز ال30 ألف جنيه شهريا؟، كيف نتقشف وأقل رجل من رجالات الحكومة يتقاضى رواتب لا تقل عن نصف راتبك الذي تبرع به الرئيس نفسه، كيف لنا أن نتقشف ورجال الأعمال تشيد جمهوريتهم الخاصة بهم بأموال يطول حصرها، كيف نتقشف وقد أصبح كيلو اللحم يتجاوز الثمانون جنيه والراتب أقل من الحد الأدنى المزعوم؟!. نؤيد التقدم ، التطوير، سد العجز، سداد ديون مصر، نؤيد كل ما يعود بالخير لمصر، ولكن، دون أن نزيد معاناة المواطن أو نطالبه بما لا يستطيع، فالله تعالى لا يكلف نفس إلا وسعها، فهل تكلفنا الحكومة بما يزيد عن طاقتنا؟!. ونقول لنظام الحكم عامة، قبل أن تفكر –مجرد تفكير- في تطبيق سياسة التقشف "الفاشلة" في دولة الأزمات "المضطربة"، ابدأوا بأنفسكم كما فعل رئيسكم وتنازلوا عن المبالغ الطائلة التي تتقاضونها، أنظروا للمتهربين من الضرائب وألزموهم بدفعها، ارفعوا الدعم عن غير المستحقين ممن يأكلون "قوت الغلابة"، أدخلوا الشباب مجال العمل دون وساطة أو "كوسة"، طبقوا القانون على كل مخالف، اطلبوا من رجال الأعمال الرحمة ليرحمهم من في السماء. وأخيرا سيادة الرئيس المحترم، الكبار دائما يقولون لنا إن "كلمة مفيش تجيب الفقر" ..أرجوك كفاية الفقر اللي إحنا فيه!.