غني عن البيان أن الزواج الباطل بين السلطة والثروة في العهد البائد قد أدي إلي إفقار الشعب وتآكل الطبقة المتوسطة التي تعد بحق دعامة تنمية المجتمع, فهي الطبقة التي يحدوها الطموح والمنافسة والإبداع فضلا عن أنها الطبقة التي تفكر وتخطط وتنظر إلي المستقبل. ومن أسف فإن نسبة الطبقة المتوسطة في مصر قد انخفضت من35% إلي13%( ملحوظة: نسبة الطبقة المتوسطة في بلد كاليابان هي83%) وأدي هذا التراجع في حجم الطبقة المتوسطة إلي زيادة معدلات الفقر في مصر حتي أصبح22% من المصريين تحت خط الفقر المدقع, بينما يعيش32% منهم علي خط الفقر, بمعني أن النسبة الفعلية للفقر في مصر هي54%, من ناحية أخري فقد فجر المهندس حمدي الفخراني عضو مجلس الشعب في حوار مع الأهرام ألغاما لابد من نزعها إذا ما أردنا حقا وصدقا تحقيق أحد أهداف ثورة25 يناير2011 ونعني به العدالة الاجتماعية. لقد ذكر المهندس حمدي الفخراني الأرقام التالية التي أرجع مصدرها إلي مركز المعلومات بمجلس الوزراء, وهي في حاجة ملحة لأن نفكر فيها مليا: لدينا17 ألف موظف في الجهاز الإداري للدولة يتقاضي كل منهم ربع مليون إلي ستة ملايين جنيه في الشهر(!). يصل دخل مدير الأمن بوزارة الداخلية وكذا رئيس القطاع في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة إلي ربع مليون جنيه شهريا فما فوق. تتراوح رواتب معظم قيادات قطاع البنوك من مليونين إلي ثلاثة ملايين جنيه شهريا, وكذلك الحال في قطاع البترول والشركات القابضة. هناك49 ألف استشاري في الوزارات يكلفون الدولة نحو مليار و700مليون جنيه شهريا, ويمكن أن يفك الواحد منهم بعشرة, كما يمكن توظيف مليون شاب من رواتبهم إذا تقاضي كل منهم1200جنيه شهريا. الأنكي أن هذه الأوضاع مازالت سارية مستمرة بعد ثورة يناير المجيدة.. فهل نحن جادون حقا في تحقيق أحد أهداف الثورة ألا وهو هدف العدالة الاجتماعية؟ علي الضفة الأخري من النهر كما يقال, نري وارين بافيت ملياردير العقارات الأمريكي يعلن منذ شهور أنه يدفع ضرائب أقل من سكرتيرته بالنسبة والتناسب, فيقرر التنازل عن نصف ثروته للأعمال الخيرية, لم يكتف بافيت بذلك بل إنه راح يدعو الأثرياء وأصحاب الأعمال الأمريكيين إلي التنازل عن جانب من ثرواتهم للإسهام في حل الأزمة المالية التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي, وقد استجاب لدعوة بافيت120منهم حتي الآن. لقد أطلق بافيت مبادرة بالغة الأهمية مؤداها إعادة النظر في النظام الضريبي الأمريكي بحيث يدفع الأغنياء ضرائب أعلي من بقية شرائح المجتمع من الموظفين وأصحاب الأعمال الصغيرة. لقد حققت دعوة بافيت نجاحا باهرا حيث تضمنت الميزانية الأمريكية ماسمي بمبدأ بافيت, ومفاده فرض شريحة ضريبية بنسبة30% علي كل أسرة يتجاوز دخلها الشهري مليون دولار وذلك بغية زيادة حصيلة الضرائب من ناحية. والأهم من ناحية ثانية هو تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية, باعتباره موئلا وأصلا ومناطا ووظيفة الضرائب وفلسفتها في أي مجتمع. وعلي النقيض من ذلك انظر إلي أحوالنا وكيف يتفنن بعض أو بالأحري معظم أثريائنا في التهرب من الضرائب( وهي جريمة مخلة بالشرف في أمريكا وأوروبا). وانظر إلي المتأخرات بالمليارات للضرائب المستحقة علي رجال الأعمال, وماخفي كان أعظم. لاشك أن البون شاسع, ولكن لامناص إذا أردنا حقا تحقيق العدالة الاجتماعية في مصر من أن نعيد هيكلة النظامين الاقتصادي والمالي. لابد أن نتجه وبسرعة صوب نظام الضرائب التصاعدية, فلا يعقل أن يدفع الموظف الذي يتقاضي راتبا لايزيد علي خمسمائة جنيه نفس النسبة(20%) التي يدفعها المسئول أو رجل الأعمال الذي يدخل جيبه ملايين الجنيهات شهريا. إننا لن نعيد اختراع العجلة, فحلول مشاكلنا معروفة, وتأكد كثيرون غيرنا من جدواها وفعاليتها, ولكننا للأسف نفتقد الإدارة وقبلها وهو الأهم نفتقد الإرادة.. وهذا هو بيت القصيد ومكمن الداء. د. محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الإسكندرية