أين ترشيد الطاقة من قضية الدعم ؟ د. حسين عبد الله يوجد في مفردات صناعة البترول قول مشهور برميل يوفر هو برميل ينتج وفي ضوء هذا القول يثور السؤال: كيف قفز استهلاك مصر من البترول والغاز خلال الفترة1975 2006 من7,5 مليون طن الي52 مليون طن بمعدل نمو6,5% سنويا في المتوسط, وهل كان هذا النمو مرشدا او استهلاكا انتاجيا يتسم بالكفاءة المطلوبة ؟ ارتفع استهلاك مصر من الطاقة الكهربائية خلال الفترة1975 2006 من نحو10 مليارات كيلو وات ساعة الي نحو109 مليارات. وإذ لا تتجاوز الطاقة الكهرومائية المولدة من السد العالي ومن باقي المساقط المائية علي النيل نحو13 مليار كيلووات ساعة, وهو ما يعادل حراريا نحو3 مللايين طن بترول, فان باقي الكهرباء المولدة تعتمد علي استهلاك البترول والغاز. بذلك ارتفع التوليد الحراري خلال الفترة المذكورة من نحو3 مليارات كيلو وات ساعة الي اكثر من95 مليارا, كما ارتفع المستهلك سنويا من البترول والغاز من700 ألف طن الي21 مليون طن بمعدل نمو11,6% سنويا في المتوسط. وبالاضافة لاستهلاك قطاع الكهرباء ارتفع حجم الاستخدامات الأخري للبترول والغاز خلال الفترة ذاتها من6,8 مليون طن الي31 مليون طن بمعدل نمو5% سنويا في المتوسط. إن دولا أكثر منا ثراء استطاعت ان توفر قدرا كبيرا من الطاقة باستخدام وسائل تقنية وإدارية أكثر كفاءة واقل كلفة. وقد تنبهنا لهذه الحقيقة في مستهل الثمانينيات, بل وفي وقت كانت مصر فيه دولة مصدرة للبترول وليست مستوردة. إذ انشأ احمد هلال نائب رئيس الوزراء ووزير البترول جهازا لتخطيط وترشيد الطاقة صدر به القرار الجمهوري112 لسنة1983. وفي خلال سنوات قليلة من بداية عمر الجهاز نجح في إنجاز مجموعة من الدراسات التقنية ومراجعات الطاقة لبعض الصناعات الكبري اثبتت ان من الممكن رفع كفاءة الطاقة وتوفير ثلث استهلاكها دون ان تتأثر كفاءة الصناعات والخدمات المستهلكة للطاقة. وكان من التناقضات التي واجهت الجهاز أن سعر المازوت لم يكن يتجاوز محليا7,5 جنيه للطن بينما كان سعر التصدير180 دولارا. ولذلك تم تدريب مكثف لخبراء الطاقة بالصناعة ومكافأتهم عن كل طن يتم توفيره. وكان جهاز تخطيط الطاقة يعتبر الذراع المنفذة للمجلس الاعلي للطاقة الذي انشيء بقرار رئيس مجلس الوزراء1093 لسنة1979 بوصفه الهيئة العليا المسئولة عن الطاقة في مصر, ومكلفا بوضع استراتيجية شاملة طويلة الأجل للطاقة وعرض ما يراه من اهمية خاصة علي رئيس الجمهورية. كذلك كان من مهام الجهاز دعم قدرات مصر في مجال تخطيط وترشيد الطاقة وعرض نتائج اعماله علي المجلس الاعلي لاصدار تعليمات التنفيذ في مختلف المجالات, صناعية وتجارية ونقل ومنزلية. غير ان الشرارة التي أطلقها الجهاز علي امتداد النصف الاول من الثمانينيات, لكي توقظ الوعي بأهمية الطاقة وخطورة استهلاكها المتنامي علي خلفية انخفاض الاسعار المحلية ومحدودية احتياطيات البترول والغاز, لم تلبث ان انطفأت عندما توقفت اجتماعات المجلس الاعلي للطاقة, وهو السلطة العليا للجهاز وسنده التنفيذي, لفترة قاربت ربع قرن. وكانت النتيجة ان السلطات المختصة أدارت للجهاز ظهورها, اذ تخلت عنه وزارة البترول التي انشيء الجهاز تابعا لوزيرها مباشرة, ومن ثم نقل الي وزارة الكهرباء التي استضافته لفترة وجيزة ثم حولته الي وزارة التخطيط التي قامت بالغائه عام2006 وتشتت العاملون به في اعمال لا تتصل بأهدافه, كما وضعت اجهزته التي تكلفت الملايين في مخازن مغلقة. وأيا كانت أسباب إلغاء الجهاز, فقد كان الافضل اصلاح عيوبه الناتجة أساسا من تخلي المسئولين عن مساندته, وان يعاد تنشيط المجلس الاعلي للطاقة من غفوته التي طالت دون مبرر. فما هو الموقف الآن بالنسبة لقضية ترشيد الطاقة بعد ان تحولت مصر الي مستورد صاف للبترول والغاز واقتصرت صادراتها علي ما يتم لحساب الشريك الأجنبي ؟ بلغ الإنتاج الفعلي للبترول والغاز خلال2005 نحو58 مليون طن, كما بلغ نصيب مصر منهما39 مليون طن, بينما بلغ الاستهلاك المحلي49 مليون طن. وبذلك قامت مصر بشراء العجز وهو عشرة ملايين طن من نصيب الشريك الاجنبي الذي قام تبصدير الباقي لحسابه. وقد تكرر هذا النمط عام2006 اذ بلغ الانتاج الكلي للزيت والغاز71 مليون طن وبلغ نصيب مصر نحو44 مليون طن. أما الاستهلاك المحلي فقد بلغ52 مليون طن, وبذلك تراوح العجز الذي تم شراؤه من نصيب الشريك الاجنبي حول8 ملايين طن. واذا لم يتم ترشيد الاستهلاك بكافة الوسائل, فمن المتوقع ارتفاعه بنحو5% سنويا لكي يبلغ103 ملايين( او750 مليون برميل) بحلول2020. ومن مقتضي ذلك زيادة اعتماد مصر علي الاستيراد في وقت تتجه فيه الاسعار الي الارتفاع وتكون المحصلة فاتورة لا قبل لمصر بتحملها. وهكذا تبدو المشكلة بحجمها الحقيقي امام المجلس الاعلي للطاقة الذي اعيد انشاؤه بقرار رئيس مجلس الوزراء1395 لسنة2006 وبرئاسته, ولكن بدون جهاز تنفيذي يسانده كما كان الحال في مستهل الثمانينيات. ومن هنا نري انه لا مفر من وضع وتنفيذ برامج صارمة لترشيد الطاقة ورفع كفاءتها وبخاصة في الصناعات التي تستأثر بالجانب الاكثر من ذلك الاستهلاك ولا تقوم بتطبيق التقنيات التي اثبت جهاز تخطيط الطاقة في سنواته الاولي فاعليتها. عن صحيفة الاهرام المصرية 30/1/2008