هكذا تحدث د. نظيف..وهكذا تحدثنا د. حسن أبوطالب يوم الأحد الماضي, أجري د. أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء واحدة من جولات الحوار المفتوح والمسئول مع عدد من المفكرين والكتاب الصحفيين وأساتذة جامعات حول قضية الدعم. وحضر اللقاء13 كاتبا ومفكرا وسياسيا من توجهات سياسية وخلفيات علمية وأكاديمية مختلفة, وهو ماعكس نفسه في ثراء الأفكار المطروحة وشمولها لكافة جوانب القضية, وكان من بينهم أ. مكرم محمد أحمد ود. مصطفي الفقي وأ. فهمي هويدي ود. أسامة الغزالي حرب وأ.جلال دويدار ود. صبري الشبراوي ود. رفعت السعيد ود. محمد كمال ود.أحمد جلال وكاتب هذا المقال وآخرون. في بداية الحوار أشار د. نظيف إلي عدد من العناصر المهمة التي تعكس فكر الحكومة بالنسبة لقضية الدعم في هذه المرحلة الحساسة. ومن ابرز ماقاله: أولا, ان الحكومة تنفذ برنامجا للإصلاح الاقتصادي يقوم علي افتراض ان تحقيق معدلات نمو اقتصادي كبير من خلال بلورة مناخ جاذب للاستثمارات المحلية والأجنبية من شأنه ان يؤدي الي توليد مجالات التشغيل والإنتاج بشكل أعلي مما كان في السابق, وهو الأمر الذي ادي الي رفع معدل النمو الي7%, مع ملاحظة ان70% من الاستثمارات تعود الي مصريين وليست مجرد بيع اصول او اراض كما يشاع. وفي هذا السياق فقد حدثت انعكاسات ايجابية علي المجتمع, ولكن الامر يختلف من فئة الي اخري, حيث تقل هذه الإيجابيات بالنسبة لذوي الدخل المحدود والثابت, بينما تزيد للفئات التي تعمل في الأعمال الحرة. وهنا حسب قول رئيس مجلس الوزراء تطل علينا قضية العدالة الاجتماعية, أي كيفية تلافي الأثار السلبية علي المواطنين. ثانيا, ان الحكومة تواجه حاليا تحديات خارجية, وتتعلق تحديدا بالأسعار العالمية, حيث هناك طفرة في أسعار البترول والسلع الغذائية وفي مقدمتها القمح الذي تستهلك منه مصر6.5 مليون طن, في حين لايمكن للدورة الزراعية المصرية ان تصل كحد اقصي الا الي نحو3.5 مليون طن سنويا, وبما يفرض علي الحكومة ان تستورد الفارق من الخارج لمواجهة متطلبات الاستهلاك, وذلك رغم ارتفاع اسعار القمح من140 دولارا للطن الي363 دولارا للطن. ثالثا, ان الحكومة في تعاملها مع قضية العدالة الاجتماعية تسير علي ثلاثة محاور بشكل عام, اولها محور زيادة الدخول بنسبة اعلي من نسبة التضخم وزيادة الأسعار بشكل عام, وهو ما تحقق في الموازنة الأخيرة حيث ارتفعت الأجور من35 مليار جنيه الي59 مليار جنيه. وثانيها الوصول الي الاسر المهمشة والتي لايزيد دخلها انما تحصل علي معاش الضمان الاجتماعي, حيث ارتفع عددها من650 الف اسرة الي مليون اسرة, ونية الحكومة ان تصل الي2 مليون اسرة تحصل كل منها علي100 جنيه شهريا, و40 جنيها لكل طفل بشرط استمراره في التعليم. اما المحور الثالث فهو الدعم المباشر وغير المباشر, وهو يصل الآن الي59 مليار جنيه, ونظرا لوجود عيوب كبيرة في النظام المعمول به الآن, حيث توجد نسبة تسرب عالية جدا تصل الي30% من قيمته تذهب الي غير مستحقيه, فقد قررت الحكومة ان تعالج هذا النظام بشكل يحقق هدفه في الوصول الي الفئات المستهدفة دون غيرها, لكن نوايا الحكومة المحددة في هذا السياق انها لن تقلل الدعم ولكنها بحاجة الي توافق مجتمعي حول اي نظام جديد سوف يطبق مستقبلا. أثارت هذه المداخلة كثيرا من الملاحظات التفصيلية والعامة من قبل المتحاورين, نشير الي ابرزها علي النحو التالي: 1 أن هناك حالة ترقب وتوجس لدي المواطنين مما تدبره الحكومة التي سوف تفرض زيادات في الأسعار بغض النظر عن أي شيء آخر, وهو امر متعلق اساسا بالبيئة السياسية حيث توجد فجوة جزء منها مصطنع وجزء آخر حقيقي بين الناس والحكومة لابد من معالجتها. وربما يشكل الحوار المجتمعي إحدي آليات معالجة هذه الفجوة, لكن الأمر المؤكد ان هناك ضرورة لتوسيع دائرة الحوار وان يأخذ مداه الزمني المناسب, وان يشارك فيه الناس في كل المحافظات, وان تكون هناك لغة واحدة ومنسجمة تتحدث بها الحكومة في هذا السياق, وألا يخرج بعض الوزراء بتصريحات قد تثير البلبلة والاضطراب اكثر مما تقدم تفسيرات مقنعة. 2 إن منطق الحكومة فيما يتعلق بتساقط النتائج الإيجابية للنمو تلقائيا علي فئات المجتمع المختلفة, وباعتباره امرا إيجابيا بطبيعته, ليس محل اتفاق بين الاقتصاديين كما انه ليس واقعيا, كما تؤكد ذلك تجارب دولية معتبرة كالبرازيل. فعوائد النمو ان لم تقترن بإجراءات قصدية ومخططة بغرض حسن توزيع هذه العوائد علي المجتمع ككل, فستكون النتيجة والتي نراها بالفعل هي سوء توزيع الدخل, حيث يدخل مايقرب من32 مليون مواطن تحت خط الفقر, وفي المقابل يملك مايقرب من3% نحو43% من الدخل القومي وفقا لبيانات تقرير التنمية البشرية للعام2006. بعبارة اخري ان تحقيق العدالة الاجتماعية في ظل النمو الاقتصادي تتطلب اجراءات محددة تضمن إعادة توزيع الدخل علي جميع الفئات الاجتماعية, وبما يضمن بالدرجة الأولي حماية الطبقات ذات الأجور المحدودة والثابتة ومساعدتها علي تحسين وضعها الاقتصادي. 3 ان العامل الاساسي في النمو الاقتصادي ليس في جذب الاستثمارات او حجمها, بل في طبيعتها وفي مدي قدرتها علي تحقيق نقلة حقيقية في الأداء الاقتصادي ككل, وبحيث تؤدي الي حالة تنمية شاملة. وانه اذا كان تحقيق نمو مسألة لاغني عنها, فإن تحفيز المجتمع علي العمل والانتاج شرط آخر لاغني عنه ايضا, وهو امر يتعلق بالثقافة العامة إزاء العمل من جانب وبحسن مخرجات العملية التعليمية من جانب آخر. 4 ان الدعم أيا كان شكله ومداه لايشكل قضية منفصلة في حد ذاتها, بل هو جزء من كل يتعلق اساسا بقضية التنمية الشاملة من جانب, والعدالة الاجتماعية من جانب آخر, ورفع مستوي المعيشة لجموع المواطنين من جانب ثالث, وحالة الاستقرار الاجتماعي, وليس الجمود الاجتماعي, من جانب رابع. ولذا فإن التركيز وحسب علي وجود ضغط علي الموازنة العامة نتيجة ارتفاع قيمة المبالغ الموجهة للدعم المباشر او غير المباشر, وان المطلوب هو تخفيض هذه المبالغ وحسب, يعد قراءة غير سليمة ومبتسرة, وقد ينتج عنها سياسات وقرارات تضر ولاتفيد. 5 ان معالجة موضوع الدعم وحسن توزيعه وضمان وصوله الي مستحقيه الحقيقيين لا ينفصل ايضا عن مواجهة قضية الفقر وما يتعلق بها من سكان العشوائيات والعمالة غير المنتظمة والمشتغلين في الاقتصاد غير الرسمي وفقراء الريف, وكل الفئات المهمشة والمستبعدة من اي مشاركة سياسية واجتماعية, ولكنها تشكل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في اي لحظة, خاصة ان تكرار ظاهرة الاعتصامات والاضرابات الجزئية التي شهدها العام الماضي لأسباب فئوية محدودة قابلة لان تتطور الي ان تكون ظاهرة مجتمعية عامة, ما لم يحدث تحسن حقيقي مقرون بعدالة اجتماعية تصيب كل الفئات دون استثناء. 6 أن افضل طريقة لترشيد الدعم هو ألا يكون هناك اي دعم, وان تكون هناك خدمات اجتماعية عالية الجودة من تعليم وصحة ونقل ونظام تأميني شامل ومعالجات متجددة لحالة البطالة سواء قطاعية او عامة, ونظام اجور متطور وعادل. او بعبارة اخري ان يصبح المجتمع منتجا ومتطورا. 7 أن الاتجاه الداعي الي التحول الي الدعم النقدي لايخلو من مشكلات جمة ادارية وعملية, كما انه لن يقضي علي الفساد كما يتصور البعض, فضلا عن انه سوف يزيد من العبءعلي الحكومة نفسها, خاصة في القطاعات التي لايقدمها احد غيرها من أمن ودفاع وشرطة وصحة وتعليم. وفي كل الأحوال فان نظام السوق الحر لايعني ان تتخلي الحكومة عن دورها لمصلحة فئات محتكرة تسعي الي خدمة نفسها علي حساب باقي فئات المجتمع, وهناك حاجة ماسة لمعرفة حقيقة مصر الآن, بكل فئاتها ومواطنيها, من خلال رسم خريطة اجتماعية لطبقاتها المختلفة, والتي بالقطع اختلفت كثيرا عما كان سائدا قبل عقد من الزمن, ونجهل تماما ماهي الآن علي وجه الدقة كما نجهل كيف يمكن ان تتطور في المستقبل سواء بقي الدعم علي حاله او تغيرت مفرداته وأشكاله. كما علي الحكومة وكل المحبين لهذا الوطن ان يزرعوا فيه الأمل للشباب والأجيال المقبلة, وان ينهضوا به, لا ان يهيلوا عليه التراب ويبخسوه حقه في النهضة والحياة الكريمة. عن صحيفة الاهرام المصرية 9/1/2008